بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

النظرية اللينينية في التنظيم

« السابق

هوامش

[1] ) ليس هذا المفهوم ابتكاراً للينين. إنه ينضوي في تراث السنوات الممتدة ما بين سنة 1880 و1905 وهو تراث يبدأ مع إنجلز ويمر بكاوتسكي وصولا إلى المذهب الكلاسيكي للاشتراكية-الديموقراطية. لقد جاء في برنامج هاينفرلدر الذي أعدته الحركة الاشتراكية-الديموقراطية النمساوية ما بين 1888 و1889 ما يالي: “ينبغي للوعي الاشتراكي أن يُدخل من الخارج إلى النضال الطبقي البروليتاري، وهو لا يتطور من ذاته، بصورة عضوية، داخل هذا النضال”. لقد نشر كاو تسكي عام 1901 في “نيوزايت” مقالا حول “الجامعيين البروليتاريين” (السنة التاسعة عشر، الجزء الثاني، 17 أبريل 1901) طور فيه الفكر ذاتها (ص 89)، بصورة ألهمت مباشرة كتاب لينين “ما العمل؟”. إن مفهوم “حالية الثورة” لدى لينين، حدده جورج لوكاش في كتابه، التاريخ والوعي الطبقي”، ثم فيما بعد في دراسة عن لينين.

من المعروف أن ماركس لم يطور مفهوما متسقا للحزب. ولكن بينما كان أحيانا يرفض بشكل كامل فكرة التنظيم الطليعي، فقد صاغ أيضا مفهوما يقارب إلى حد بعيد مفهوم “بث وعي اشتراكي ثوري” في الطبقة العاملة. لاحظ هذا النص المقتطع من رسالة كتبها في أول يناير عام 1870، موجهة من المجلس التنفيذي للأممية الأولى إلى اللجنة الاتحادية لسويسرا الرومانية: “البريطانيون يمتلكون كل المتطلبات المادية الضرورية للثورة الاجتماعية، وما ينقصهم هو روح التصميم والعاطفة الثورية. وهذا أمر لا يستطيع علاجه إلاّ المجلس التنفيذي وحده، الذي يستطيع من خلال ذلك، أن يعجل في تطوير حركة ثورية فعلا في هذا البلد، ومن ثم في كل مكان. إن النجاحات العظيمة التي حققناها حتى الآن في هذا المجال، تشهد لها أبرز صحف الطبقة الحاكمة وأعقلها، هذا وناهيكم بمن يسمون الأعضاء الراديكاليين في مجلس العموم ومجلس اللوردات، الذين كانوا يتمتعون حتى فترة قصيرة فقط، بتأثير لا بأس به على زعماء العمال البريطانيين. إنهم يتهموننا بأننا سممنا، وكدنا نخنق الروح البريطانية للطبقة العاملة، وإننا قد دفعناها إلى الاشتراكية الثورية”. (ماركس-إنجلس، الأعمال، برلين، المجلد 16، صفحة 386-387).

[2]) وينطبق هذا بشكل خاص على مقولة الممارسة الثورية الماركسية الحاسمة، التي تطورت في الإيديولوجية الألمانية التي لم تكن معروفة آنذاك.

[3]) بهذا المعنى يجب أن نفهم ملاحظة ماركس الشهيرة في بداية “18 برومير لويس بونابرت” حيث شدد على طابع النقد ذاتي للثورة البروليتارية واتجاهها للعودة إلى الأمور التي بدأ أنها سبق وتم إنجازها. في هذا الخصوص، يتكلم ماركس أيضا على البروليتاريا كواقعة تحت التنويم المغناطسي لـ”الضخامة اللامتناهية لأهدافها الخاصة بها”.

[4]) يقول ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي إن الشيوعيين “لا يدعون إلى مبادئ خاصة يريدون تكييف الحركة العمالية وفقا لها”. إستبدل إنجلز، في الطبعة الانجلييزيو لعام 1888، النعت “خاصة” بـ”عصبوية”. إنه يعبر بذلك عن كون الاشتراكية العلمية تحاول أن تجمل إلى الحركة العمالية مبادئ “خاصة”، لكن فقط المبادئ التي هي الناتج الموضوعي للمجرى العام للنضال الطبقي البروليتاري، أي للتاريخ المعاصر، وليس المبادئ التي تعود لـ”لهجة كنعان” الخاصة بهذه البدعة أو تلك، أعني لوجه عرضي صرف للنضال الطبقي البروليتاري.

[5] ) صاغ تروتسكي هذه الفكرة دون سوء تفاهم محتمل، وذلك في المدخل إلى أول طبعة روسية لكتابه “الثورة الدائمة”. كذلك طور ماوتسي تونغ هذه الفكرة. نجد على النقيض من ذلك فكرة “نمط إنتاج اشتراكي”، فكرة تعتبر المرحلة الأولى الشيوعية شيئا ما ثابتاً، لا مرحلة انتقالية لتطور ثوري دائم من الرأسمالية نحو الاشتراكية.

[6] ) أنظر جملة لينين المشهورة التي ترى أنه ليس هناك “حالة اقتصادية لا مخرج منها” بالنسبة للبرجوازية الامبريالية.

[7] ) هكذا فإن الوعي الطبقي البرجوازي أو حتى العامي -نصف البروليتاري الوليد في القرنين السادس والسابع عشر عبر عن نفسه دون جذال وفقا لشكل ديني؛ وهو لم يجد طريق المادية الصريحة إلاّ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، مع الانحطاط الكلي للنظام الإقطاعي الاستبدادي المطلق.

[8] ) إن مفهوم غرامشي حول “الهيمنة السياسية-الأخلاقية” التي ينبغي أن تحوزها طبقة مضطهدة (بفتح الهاء) داخل المجتمع قبل أن تتمكن من اكتساب السلطة السياسية، يعبر عن هذه الإمكانية بطريقة نفاذة بصورة خاصة. (أنظر “المادية التاريخية وفلسفة بنديتو كروشي”، ميلانو 1964 ص236، والـ”هوامش حول مكيافيلي”/ ميلانو 1964 ص29، 41 -50). ينتقد العديد من المنظرين الماركسيين مفهوم الهيمنة هذا أو يتحدثون عن نسبيته. أنظر مثلا ن. بولنتزاس، “السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية” باريس 1968.

[9] ) عبّر ماركس وإنجلز على ذلك في الجملة التالية: “هذه الثورة، لم يجر إذن جعلها ضرورية لأنها الوسيلة الوحيدة لقلب الطبقة المسيطرة وحسب، إنما كذلك لأنه وحدها ثورة تسمح للطبقة التي تقلب طبقة أخرى أن تنكس كل عفن النظام القديم الذي يلتصق به فيما بعد، وبأن تصبح قادرة على تأسيس المجتمع على مرتكزات جديدة” (ماركس-إنجلز، الأيديولوجية الألمانية، المنشورات الاجتماعية، باريس 1968، ص68)

راجع أيضا الملاحظة التالية لماركس في عام 1850 ضد أقلية شبير في العصبة الشيوعية: “تضع الأقلية تصوراً دوغمائيا محل تصور نقدي، والمثالية محل المادية. فبالنسبة لها، ليست القوة الدفاعية للثورة سوى قوة الإرادة، وليس الظروف الفعلية. أمّا نحن من جهتنا فنقول للعمال: “يجب أن تجتازوا 15 و20 و50 سنة من الحروب الأهلية والنضالات الشعبية ليس لتغيير الظروف فحسب، بل لتغيير أنفسكم ليصبح بإمكانكم ممارسة السلطة السياسية”. أمّا أنتم، فعلى عكس ذلك، تقولون: “إذا لم يكن بمقدورنا الاستيلاء على السلطة فوراً فحري بنا أن نذهب إلى فراشنا” (كارل ماركس، حول محاكمة الشيوعيين في كولن، برلين 1914، ص52-53)

[10] ) أنظر لينين: “ولا يلاحظ حكيمنا أننا نحتاج، بالضبط أثناء الثورة، إلى نتائج نضالنا النظري (ما قبل الثوري -أ.م) ضد النقاد، وذلك لكي نكافح بحزم مواقفهم العملية”. (لينين: “ما العمل؟” الأعمال المختارة في ثلاثة أجزاء، موسكو 1968، الجزء الأول، ص248). جاءت الثورة الألمانية بعد ذلك بسبعة عشر عاما لتؤكد صحة هذا الحكم.

[11] ) في هذا الخصوص، يتحدث لينين في “ما العمل؟” عن العمال “الاشتراكيين الديموقراطيين” والعمال “الثوريين”، بالمقارنة مع العمال “الرجعيين”.

[12] ) ن. بوخارين، نظرية المادية التاريخية، باريس 1978، ص317-319.

“إن الظروف الاقتصادية حولت أولاً شعب البلد إلى عمال. وقد خلقت سجادة الرأسمال لهذا الجمهور وضعا مشتركا ومصالح مشتركة، ولهذا فإن هذا الجمهور قد أصبح طبقة في مقابل رأس المال، إلاّ أنه لم يصبح بعد “طبقة لذاتها”. وفي الصراع الذي لم نشهد سوى بعض مراحله، يصبح هذا الجمهور متحدا، وبشكل نفسه كطبقة لذاتها”. (كارل ماركس، بؤس الفلسفة، نيويورك 1963، ص183).

[13] ) أنظر المقطع، الذي لم تنتقده إنجلز، من برنامج ارفورت للحزب الاشتراكي الألماني حيث يجري وصف البروليتاريين بأنهم الطبقة المفصولة عن وسائل إنتاجها، طبقة المأجورين المجبرين على بيع قوة عملهم، وحيث يتم وصف صراع الطبقات كصراع موضوعي بين المستغلين (بفتح الغين) والمستغلين في المجتمع الحديث (بالاستقلال عن درجة تنظيم العمال المأجورين أو وعيهم). نجد بعد ملاحظة هذه الواقعة الموضوعية الإضافة التالية في نهاية الجزء العام من البرنامج: “إنها مهمة الحزب الاشتراكي-الديموقراطي أن يجعل من النضال الطبقي العمالي نضالا واعيا وموحدا وأن يحدد له الهدف الذي تفرضه عليه طبيعته”. نجد فيه كذلك التأكيد الصريح على أنه يمكن أن توجد “طبقات وصراعات طبقية في المجتمع الرأسمالي دون أن تكون الطبقة العاملة واعية أثناء نضالها لمصالحها الطبقية”. يتكلم البرنامج في الفقرة الثامنة على “الشغيلة الواعية من كل البلدان”، يقترح إنجلز هنا تغييرا يشدد مرة أخرى على أنه يميز إطلاقا مفهومي الطبقة “الموضوعي” و”الذاتي”: بدل كلمة “واعين” (…) أقول لكي يكون مفهوما بصورة شاملة وقابلا للترجمة للغات الأجنبية: “مع الشغيلة المتشبعين بوعي حالتهم الطبقية” أو شيئا مماثلا. (فريدريك إنجلز، “نقد برنامج الاشتراكيين-الديموقراطيين” في:ماركس إنجلز، المؤلفات، الجزء الثاني والعشرون الصفحة 232، برلين 1963).

[14] ) لينين: “طبعا إن هذا النجاح (في بناء الحزب -أ.م) ينجم بصورة أساسية عن واقع أن الطبقة العاملة، التي خلقت نخبتها الاشتراكية-الديموقراطية، تتميز عن كل الطبقات الأخرى في المجتمع الرأسمالي، لأسباب إقتصادية موضوعية، بقابليتها الرفيعة التنظيم. دون هذه القابلية، لما كانت منظمة الثوريين المحترفين سوى لعبة، سوى مغامرة… (“اثنا عشر سنة” في لينين، الأعمال الكاملة)

[15]) إن العديد من منتقدي المفهوم اللينيني للتنظيم، ومن بينهم بليخانوف (“مركزية أو بونابرتية”، في الإيسكرا، العدد 70، صيف 1904) يستندون إلى مقطع من “العائلة المقدسة” لإثبات العكس.

يقول المقطع: “إذا كان الكتاب الاشتراكيون ينسبون إلى البروليتاريا هذا الدور التاريخي، فليس ذلك إطلاقا لكونهم يعتبرون البروليتاريين “آلهة”، كما يتظاهر النقد بالاعتقاد. إن العكس هو الصحيح. يكتمل عمليا في البروليتاريا المتطورة كليا التجرد من كل إنسانية، حتى من “مظهر” الإنسانية. تتكثف في شروط حياة البروليتاريا كل شروط حياة المجتمع الحالي، في ما يمكن أن تنطوي عليه من أعلى درجات انعدام الإنسانية. إن الإنسان قد فقد ذاته في البروليتاريا، إلاّ أنه اكتسب في الوقت ذاته الوعي النظري لهذا الفقدان للذات؛ زد على ذلك أن البؤس الذي لم يعد بمقدوره تجنبه أو تزيينه، البؤس الذي ينفرض عليه حتما -كتعبير عملي عن “الضرورة”- إنما يضطره مباشرة للتمرد على انعدام إنسانية كهذا؛ هذا هو السبب في أن البروليتاريا تستطيع وينبغي بالضرورة أن تحرر ذاتها بذاتها. والحال أنها لا تتملك من إلغاء شروط حياتها الخاصة بها دون إلغاء كل شروط الحياة اللاإنسانية للمجتمع الحالي، التي تختصرها حالتها هي. ليس عبثا أنه سيمر بالمدرسة القاسية، لكن المقوية، لـ”العمل”. لا يتعلق الأمر بمعرفة أي هدف “يتمثله” مؤقتا هذا أو ذاك من البروليتاريين، أو حتى البروليتاريا ككل. يتعلق الأمر بمعرفة ما هي البروليتاريا وماذا ستضطر تاريخيا أن تفعله، وفاقا لهذه الكينونة. إن هدفها وفعلها التاريخي مرسومان لها، بصورة ملموسة ولا رجعة فيها، في حالتها الخاصة بها، كما في كل تنظيم المجتمع البورجوازي الحالي. إنه لمن النافع أن نعرض هنا أن قسما كبيرا من البروليتاريا الإنجليزية والفرنسية أصبح واعيا مهمته التاريخية وهو يعمل دون كلل لرفع هذا الوعي أعلى درجات الصفاء. (ماركس-إنجلز، “العائلة المقدسة” المنشورات الاجتماعية، باريس، 1969، ص 47-48).

بالاستقلال عن واقع أن ماركس وإنجلز كانا شبه عاجزين عام 1844-45 عن إعطاء نظرية مادية عن الوعي الطبقي والتنظيم البروليتاري (يكفي مقارنة الجملة الأخيرة من الاستشهاد المذكور أعلاه الذي كتبه إنجلز بعد ذلك بأربعين عاما حول موضوع الطبقة العاملة الإنجليزية، كي نقتنع بذلك)، فإن هذا المقطع يقول بالتحديد نقيض ما يريد بليخانوف تقويله إياه. إنه يقول فقط إن الحالية الاجتماعية للبروليتاريا تهيئها للعمل الثوري الجذري (تخطي الملكية الخاصة) وإن الهدف الاشتراكي العام “مكتوب” في شروط حياتها. إنه لا يقول أن “شروط الحياة اللاإنسانية” تجعل هذه البروليتاريا قادرة بصورة غامضة مثالية على أن تستوعب “تلقائيا” كل العلوم الاجتماعية. أنظر بصدد مقال بليخانوف، صموئيل هـ. بارون، “بليخانوف” ستانفورد يونيفرستي برس، 1963، ص248-253.

[16] ) جرى شبه نسيان أن الحركة الاشتراكية الروسية تأسست كذلك في قسم كبير منها على يد طلاب ومثقفين، إن هؤلاء واجهتهم قبل ثلاث أرباع القرن تقريبا مشكلة مشابهة لتلك التي تواجه المثقفين اليوم. “مشابهة” لا تعني بالطبع “مماثلة”. إذا جرت المقارنة مع ذلك العصر. فلا بد من الإشارة إلى أنه يوجد اليوم عائق إضافي يتمثل بالتنظيمات الإصلاحية التحريفية الجماهيرية للطبقة العاملة، واحتياطي إضافي هو التجربة التاريخية الضخمة التي راكمتها مذ ذاك الحركة الثورية. يتكلم لينين بوضوح في “ما العمل؟” عن قدرة المثقفين على امتلاك “معارف سياسية” أي الماركسية العلمية. (“ما العمل؟” ص168-169).

[17] ) أنظر بهذا الصدد: كـ. ماركس، “بؤس الفلسفة”. نجد في كتاب أ. ب. تومسون “شغل الطبقة العاملة الإنكليزية، لندن” 1968، وصفا غنيا بالإمكانات للأشكال الوليدة للنقابات وصناديق مقاومة الشغيلة.

[18] ) إن الطابع المتقطع بالضرورة للأعمال الجماهيرية يجد تفسيره في الوضع الطبقي للبروليتاريا بالذات. طالما لم تتوصل إلى قلب نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن كل عمل جماهيري هو محدود في الزمان نظرا للقدرات المالية والجسدية والفكرية للشغيلة على المقاومة في وجه خسارة الأجور. من البديهي أن قدرة المقاومة تلك لا يمكن أن تكون بلا حدود. إن إنكار ذلك يعني إنكار شروط وجود البروليتاريا بالذات.

[19] ) أنظر بعض الأمثلة من السنوات الأولى لنقابات المعادن الألمانية: 75 عاما من تاريخ نقابات صناعة التعدين، فرانكفورت 1966، ص72-78.

[20]) لا يمكن أن نعرض هنا بالتفصيل الفروق بين وضع ثوري ووضع ما قبل ثوري. يمكننا إذا اختصرنا أن نقول أنه في وضع ثوري يتجسد التهديد الذي يحيق بالنظام الإجتماعي على المستوى التنظيمي ، في إرساء أجهزة ازدواجية سلطة البروليتاريا (أي أجهزة كامنة لممارسة السلطة العمالية)، وذاتيا في المطالب الثورية المباشرة للجماهير، التي لم يعد يمكن للطبقة المسيطرة أن تستوعبها. بنما يتميز الوضع ما قبل الثوري باتساع نضالات جماهيرية إلى حد يهدد موضوعيا استمرار وجود النظام الاجتماعي.

[21] ) أنظر أبعد قليلا الجذور اللينينية لهذه الاستراتيجية.

[22] ) روزا لوكسمبورغ، “المسائل التنظيمية للاشتراكية الديموقراطية”، روزا لوكسمبورغ تتكلم (نيويورك: 1970) ص112-130

[23]) لينين “ما العمل؟” (ص165 من الكتاب المذكور)

[24]) بالنسبة للصلة المباشرة بين هذه الخطة والثورة، أنظر “ما العمل؟” (الكتاب المذكور سابقا ص 235). صحيح أننا نجد أيضا في “ما العمل؟” مقاييس تنظيمية للمركزة، لكنها محكومة حصرا بشروط السرية. فيما يخص الأحزاب الثورية “الشرعية”، يؤيد لينين “ديموقراطية” واسعة: إن الرقابة العامة (بالمعنى الدقيق للكلمة) على كل خطوة يخطوها عضو في الحزب في نشاطه السياسي، تخلق أوالية تعمل أوتوماتيكيا وتضمن ما يدعون في البيولوجيا “بقاء الأصلح”. وبفضل هذا “الإنتخاب الطبيعي” الناشئ عن العلنية التامة، وبفضل مبدأ الانتخابي والرقابة العامة، يصبح كل عضو من الأعضاء في نهاية الأمر “في المكان الذي خلق له” ويقوم بالعمل الذي يتناسب أحسن التناسب مع قواه وكفاءاته ويتحمل بنفسه جميع تبعات أخطائه ويظهر أمام الجميع قدرته على فهم أخطائه وتجنبها”. لينين، “ما العمل؟” الصفحة 219 من الكتاب المذكور) مارست روزا لوكسمبورغ من جهتها، ومن ضمن الحزب البولندي، الذي تميز أيضا بتغييرات تآمرية كبيرة، مارست (أو قبلت) مركزية لم تكن أقل تشددا من مركزية البلاشفة (مثلا، الصراع مع جناح راديك في وارسو والتهم الخطيرة التي وجهت إليه).

[25] ) روزا لوكسمبورغ تتكلم، مصدر سابق، ص118.

[26]) أنظر بهذا الصدد دافيد لاين، “جذور الشيوعية الروسية”، آسن، 1969. حاول لاين أن يحلل الوضع الاجتماعي لأعضاء الاشتراكية الديموقراطية الروسية والجناحين المنشفي والبلشفي إنطلاقا من المعطيات التجريبية ما بين علمي 1897 و1907 واستخلص من ذلك أنه كان بين البلاشفة أعضاء عمال ومناضلون نشطون أكثر مما كان بين المناشفة (ص50-51).

[27] ) “لم يعد ثمة شك في أن الاشتراكية الديموقراطية عموما تشهد داخلها تيارا ممركزا (بكسر الكاف) قويا. إن الاشتراكية-الديموقراطية النابعة من الأرض الاقتصادية الرأسمالية التي تتجه بصورة طبيعية إلى المركزة، والمكلفة عبر النضال مع الاطار السياسي للدول البرجوازية الكبرى، هي منذ البدء خصم نموذجي لكل تخصيصية وللفدرالية القومية. فهي بتربيتها على الدفاع عن المصالح الإجمالية للبروليتاريا كطبقة حيال المصالح الجزئية أو الخاصة للبروليتاريا في إطار دولة ما، تتمتع في كل مكان باتجاه الطبيعي نحو لحم كل المجموعة القومية والدينية والمهنية داخل الطبقة العاملة ضمن حزب واحد موحد” (روزا لكسومبورغ: organisation fragenص72.

[28] ) أنظر الأطروحة التي عرضها أندري غورز والتي تقول إنه لا يمكن بناء حزب جديد إلاّ من “أسفل إلى أعلى”، منذ أن “تغطي كل البلاد تقريبا” شبكة لجان القاعدة ومجموعات المصنع (لا تراديونيونيونن ولا بلاشفة” في “الأزمنة الحديثة” أكتوبر 1969). لم يفهم غورز أن أزمة الدولة البورجوازية تتجه انطلاقا من نقطة معينة نحو امتحان قوة حاسم. إذا لم تحدث مركزة المجموعات الثورية لا يؤدي ذلك إلاّ إلى تسهيل استعادة الرقابة على الحركة من قبل البيروقراطيين الإصلاحيين مما يقود إلى الانفجار السريع للطليعة التي في طور التكوين -كما حدث ذلك وبصورة جد سريعة في إيطاليا في الوقت الذي كان يكتب فيه غورز بالضبط مقاله.

[29] ) أنظر مقال روزا لوكسمبورغ من أجل تأسيس الحزب الشيوعي الألماني: “المؤتمر الأول للحزب” :لقد تشكلت الطليعة الثورية للبروليتاريا الألمانية في حزب سياسي مستقل” (ص301) “يتعلق الأمر مذ ذاك باستبدال الاستعداد النفسي الثوري لدى كل فرد بتصميم ثوري لا يلين، العفوي بالمنهجي” (ص301) [الميثاق التأسيسي للحزب الشيوعي في ألمانيا، فرنكفورت 1969].

أنظر كذلك ص301 المقتطف من الكراس الذي كتبته روزا لوكسمبورغ بعنوان “ماذا تريد عصبة سبارتاكوس؟”: “ليست عصبة سبارتاكوس إلاّ الجزء الأكثر تصميما داخل البروليتاريا، الذي يعين لدى كل خطوة للجمهور الواسع للطبقة العاملة ما هي مهامها التاريخية والذي يدافع عند كل طور خاص من الثورة الاشتراكية النهائية وفي كل مسألة قومية عن مصالح الثورة البروليتارية العالمية”.

نرى هنا أين تقع هذه النواة الأساسية البلشفية التي لم تكن روزا لوكسمبورغ قد فهمتها بعد عام 1904: في واقع أن “الجزء الأكثر تصميما داخل البروليتاريا” ينبغي أن يتم تنظيمه خارج “الجماهير الواسعة”.

مما يؤكد مقولتنا بشكل كامل أنه حالما تبنت لوكسمبورغ مفهوم الحزب الطليعي، اتهمها هي أيضا الديموقراطيون الاشتراكيون (بل “يسار” الديموقراطيين الاشتراكيين) بأنها تريد تطبيق “الدكتاتورية على البروليتاريا”.

[30] ) ليون تروتسكي، مهامنا السياسية، (باريس 1970) ص123-129

[31] ) المصدر نفسه، ص125.

[32] ) المصدر نفسه، ص186.

[33] ) ليون تروتسكي، “الطبقة والحزب والقيادة”، الأممية الرابعة، مجلد 1 عدد 7 (يناير 1940) ص193.

[34] ) كان يمكننا إيراد شواهد لا تحصى. أنظر في هذا المجال: لينين، الأعمال الكاملة، موسكو، المجلد 18 ص488-495، 1913؛ المجلد 23، ص262-266 و272-277، 1916-1917؛ الخ…

[35] ) إن العجز عن التركيز “العفوي” للطليعة الثورية على المستوى القومي تجلى بوضوح قبل كل شيء إبان الإضراب العام في فرنسا عام 1968.

[36] ) لكن هنا أيضا كانت مشاريع التنظيم الذاتي عاجزة في غياب طليعة ثورية منظمة كان بوسعها أن تقوم بالاعداد الضروري، إن تحيد بصورة مستديمة، لا بل إن تحطيم المركزة المحافظة للأجهزة النقابية، وأرباب العمل وجهاز الدولة.

[37] ) ليون تروتسكي، تاريخ الثورة الروسية (ان اربر، 1957، ص 14.

[38] ) أنظر أيضا جورج لوكاش، التاريخ والوعي الطبقي (برلين، 1923)، ص180-189.

[39] ) إن الدفاع عن المصالح السياسية والمادية لتلك البيروقراطيات هو هكذا الجوهر الاجتماعي الذي تقوم عليه البنية الفوقية لهذا الاستقلال وللحمته الايديولوجية.

[40] ) روزا لكسمبورغ تتكلم، المرجع مشار إليه، ص121.

[41] ) ليون تروتسكي، “نتائج وتوقعات”، “1905”. منشورات مينوي، باريس 1969، ص463.

[42] ) أنظر مثلا مزحة كلارا زيتكين حول قيادة الحزب الاشتراكي الألماني (وافتقاد كاوتسكي للحزم) في الرسائل المتبادلة بصدد الخطر الذي مارسته تلك القيادة عام 1909 ضد ظهور “طريق السلطة” لكاوتسكي. فلنقارن ذلك بالاحترام الذي أبداه لينين تجاه كاوتسكي في السنة ذاتها.

[43] ) لينين: “إفلاس الأممية الثانية” :لينين زينوفييف: “ضد التيار”، ماسبيرو باريس 1970 ص181.

[44] ) المرجع نفسه ص 181.

[45] ) لينين: “مرض الشيوعية الطفولي” في “الأعمال المختارة في 3 أجزاء” المجلد الثالث موسكو 1968. أنظر كذلك المقطع المستشهد به أعلاه من كراس روزا لكسمبورغ، “ماذا تريد عصبة سبارتاكوس؟” هذه الاستنتاجات كانت أكثر بلورة من استنتاجات تروتسكي عام 1906 أو روزا لكسمبورغ عام 1904 اللذين كانا يغذيان أوهاما حول قدرة الجماهير على حل مسألة الاستيلاء على السلطة في انطلاقتها الثورية في حالة تنامي النزعة المحافظة لدى الجهاز الاشتراكي-الديموقراطي. في “الاضراب الجماهيري، الحزب والنقابة”، تلقي روزا لكسمبورغ المشكلة مؤقتا على الشرائح الأكثر حرمانا و”انعدام تنظيم” من البروليتاريا، التي لا تعرف الوعي إلاّ في الإضراب الجماهيري. حتى لينين، في كتاباته لما بعد عام 1914، نوه بهذه الجماهير ضد “الاريستوقراطية العمالية” مختزلا هكذا المسألة بصورة مقبولة. إن شغيلة المؤسسات الكبرى للفولاذ وتحويل المعادن مثلا، الذين كانوا جزءا من الشرائح غير المنظمة في البروليتاريا الألمانية، قد تجذروا أبعد عام 1918.

[46] ) ينبغي ألاّ نخلط هذه الأزمة العامة للرأسمالية، أي بداية عصر انحدار الرأسمالية بالأزمات المحتملة، أو بتعبير آخر الأزمات الاقتصادية الدورية التي حدثت سواء في مرحلة ازدهار الرأسمالية او في مرحلة انحدارها. يرى لينين أن العصر الذي فتحته الحرب العالمية هو “عصر الثورة الاجتماعية الذي يبدأ”. (“ضد التيار” المرجع المذكور. أنظر أيضا “إفلاس الأممية الثالثة”، المرجع نفسه، ص 393).

[47] ) هنا يكمن بالضبط الضعف الأعم لهذه النظرية الجبرية: فهي تستنتج آليا من النزاعات إلى التشيء الخطر الاجتماعي، دون أن تدخل في التحليل توسط السلطة الاجتماعية الكامنة والامتيازات الاجتماعية. إن إضفاء الاستقلال على البوابين وأمناء الصندوق لا يعطيهم السلطة على البنوك أو المشاريع الكبرى -إذا لم يكن “سلطة”السرقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلاّضمن بعض الشروط. ينبغي لتحديدهذه الشروط أن ينضاف إذن إلى تحليل الاتجاهات نحو إضفاء الاستقلال،لإعطائه مضمونه الاجتماعي.

[48] ) إن القواعد الشكلية التي تضمن سير المركزية الديموقراطية -حق كل الأعضاء بالاطلاع على الاختلافات في داخل القيادة؛ حق الأعضاء في الاطلاع على الاتجاهات المتعارضة قبل انتخاب القيادة وقبل المؤتمرات؛ حق المراجعة الدورية في لقرارات الأكثرية على ضوء التجارب التي خيض فيها، أي حق الأقليات في أن تحاول بصورة دورية الدفع باتجاه العودة عن قرارات الأكثرية؛ حقتنظيم في اتجاهات، الخ… هذه القواعد هي بالطبع جزء لا يتجزأ بصورة ملائمة في الأنظمة الجديدة للحزب التي أعدت قبل غشت 1968 للمؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. وقد كان رد فعل الناطقين بلسان المركزية البيروقراطية هو الغزو. إن العودة المقترحة إلى القواعد اللينينية للمركزية الديموقراطية كانت تشكل في الواقع إحدى “حجار العثرة” الرئيسية بالنسبة للبيروقراطية السوفياتية في تطور الوضع في تشيكوسلوفاكا.

[49] ) ليون تروتسكي: “تاريخ الثورة الروسية” المرجع المذكور الجزء الأول ص 187.

[50] ) تربى الحزب البلشفي من عام 1905 إلى عام 1917 ضمن منظور “دكتاتورية العمال والفلاحين”، أي بروح صيغة كانت ترى إمكان تحالف بين حزب عمالي وحزب فلاحي في إطار النظام الرأسمالي للزراعة والصناعة الروسية. ولقد احتفظ لينين بتلك الصيغة حتى نهاية عام 1916 تقريبا. لم يفهم حاى عام 1917 أن تروتسكي كان على حق حين رأى منذ عام 1905 أن المسألة الزراعية لا يمكن أن تحل إلاّ في سياق ديكتاتورية البروليتاريا وتشريك الاقتصاد الروسي. إن هارتموت مهرينغ -(“مقدمة تاريخية” لكتاب تروتسكي: مهامنا السياسية، المصدر نفسه ص 17-18) كان مخطئا تماما حين ربط نظرية التنظيم اللينينية باستراتيجية المحددة بالنسبة للثورة الروسية، وفي شرحه لها على أساس أنها الدور “الثانوي”(؟) بالنسبة للطبقة العاملة في هذا الصراع، وفي كونه يعزو إلى نظرية الثورة الدائمة نظرية تروتسكي حول الامتداد التدريجي للوعي الطبقي إلى الطبقة العاملة ككل. وبمعزل عن حقيقة أن مهرينغ يقدم ملخصا غير وافٍ وغير دقيق لاستراتيجية لينين الثورية (كان لينين يؤكد “الاستقلال المطلق” للطبقة العاملة الروسية في مواجهة البرجوازية الروسية، وكان مؤيدا، بشكل كامل، لأن تلعب هذه “الطبقة دورا” قياديا في الثورة)، وبمعزل عن حقيقة أن روزا لكسمبورغ، كلينين، رفضت أي محاولة لانشاء دكتاتورية البروليتاريا في روسيا، على أساس أنها قبل اوانها. وعينت للصراع الثوري للبروليتاريا الروسية هدفا واحدا هو حمل المهمات التاريخية لثورة البرجوازية (مع أنها ناضلت في الوقت نفسه ضد نظرية التنظيم اللينينية)، فإنه يبدو واضحا لنا أن نظرية الثورة الدائمة بحد ذاتها (أي مهمة إقامة دكتاتورية البروليتاريا في بلد نام) لا يمكن تحقيقها بالحد الأدنى من الواقعية سوى من خلال التركيز الشديد على المهام الثورية بشكل عام. ولهذا فإنها لا تقودنا بعيدا عن نظرية التنظيم اللينينية، بل تقودنا إليها رأسا. راجع بهذا الخصوص أيضا المنشور الممتاز الذي كتبه دميس أفيناس، الاقتصاد والسياسة في فكر تروتسكيلآ (باريس، 1970).

[51] ) لينين، المؤلفات الكاملة (باريس، 1969) ص 74.

“لقد شدد كراس “ما العمل؟” تكرارا على كون منظمة الثوريين المحترفين التي يفترضها لا معنى لها إلاّ إذا تم ربطها بالطبقة الثورية حقا التي يتصاعد نضالها حتميا”. ويؤكد لينين أن الوسيلة الوحيدة للتغلب على واقع التواجد الضئيل لتجمع صغير تأتي من خلال إمكانية “الحزب عبر عمله الجماهيري العلني الوصول إلى عناصر البروليتاريا”. (المصدر نفسه ص 75).

[52] ) إن “الدور القائد للحزب” في النظام السوفياتي دور سياسي في نظر لينين وليس استبدالا. فليس دورره الحلول محل الأكثرية في السوفيات بل إقناعها بصحة السياسة الشيوعية. ولا ذكر “الدور القائد للحزب” في مؤلف لينين الأساسي حول السوفيتات، “الدولة والثورة”. وفي كتابات لينين في زمن الفوضى الكبرى والحرب الأهلية التي عبّر فيها أحيانا عن آراء حادة حول مسائل تكتيكية ثمة حجج ضد “السوفيات بدون شيوعيين” ولكن لا حجج لصالح “الشيوعيين دون سوفيتات”.

[53] ) إن جورج لوكاش (“التاريخ والوعي الطبقي” ص309…) يخطئ حين يعتقد أن بوسعه اكتشاف جذور “النظرية العفوية” لروزا لكسمبورغ في “وهم ثورة بروليتارية صرفة”. حتى في البلدان التي أصبحت فيها أهمية البروليتاريا العددية والاجتماعية عظيمة إلى درجة أن مسألة “الحلفاء” تصبح مسألة جدّ ثانوية، فإن ضرورة وجود منظمة طليعية منفصلة تبقى قائمة في شروط “ثورة بروليتارية صرفة” بفعل التمايزات داخل البروليتاريا.

[54] ) أبلغ مثال على ذلك الماويون الصينيون حين يسمون جناحا من حزبهم (وأكثرية لجنتهم المركزية التي قادت الثورة الصينية إلى النصر) “ممثلي الخط الرأسمالي” لا بل بكل بساطة “رأسماليين”. بالنسبة للبورديجيين الايطاليين، لا علاقة للإضراب العام في 14 يوليوز 1948 بنضال الطبقة البروليتارية لأن الشغيلة كانوا يضربون من أجل الدفاع عن القائد التحريفي توغلياتي. أنظر كذلك الصيغة الجميلة للعفوي دنيز أوتييه: “عندما لا تكون البروليتاريا ثورية، فهي غير موجودة، ولا يمكن أن يفعل الثوريون شيئا معها. ليسوا هم الذين يقدرون، وهم يلعبون دور مثقفي الشعب، ان يخلقوا الوضع التاريخي “الذي تصبح فيه البروليتاريا ما هي”، لكن تطور المجتمع الحديث بالذات” (مقدمة ليون تروتسكي، “تقرير من الوفد السيبيري” باريس 1970 ص12). يظهر هذا الاستشهاد كذلك كم العلاقة وثيقة بين الموضوعية والذاتوية القصويين. خلف القناع أقصى اليسار، نرى “العفويين” المشهورين كارل كاوتسكي وأوتا باور يوافقان كليا ويصفقان: وكيف نفسر أن البروليتاريا، رغم نضالات عملاقة، لم تنتصر؟ “إنها غلطة الظروف، إذ لم تكن الشروط ناضجة”. نرى بوضوح إلى أي خلاصات مضحكة تؤدي هذه الجبرية القصوى وهذه الحتمية الآلية، حين علينا أن نفسر بـ”تطور المجتمع الحديث بالذات” لماذا في لحظة معينة اختارت أكثرية شغيلة المؤسسة أ. أو المدينة ب. ديكتاتورة البروليتاريا ووقفت ضد الاصلاحية، بينما لم يفعل ذلك شغيلة المئسسة ج. أو المدينة د. مع ذلك فإن نجاح الثورة أو فشلها يتوقف على هذه المسألة، طالما “تطور المجتمع الحديث بالذات” لا يسقط كثمرة ناضجة كل المؤسسات وكل المدن في حضن الثورة، فعلى هؤلاء السادة “مثقفي الشعب” أن يمتنعوا عن استعمال العنف مع “التطور” وأن يكسبوا إلى جانبهم شغيلة د…

[55] ) إن بانكوك وبورديغا هما مثلان جيدان على هؤلاء المثقفين التأمليين الصرفين الذين كتبوا مساء، وعلى امتداد عشرات السنين، كتاباتهم الثورية، مشتغلين في النهار فلكيين أو مهندسي جسور. إنهما مثلان مدهشان على التأثير المدمر الذي تمارسه قسمة العمل على قدرة حتى المثقفين الأكثر نفاذ ذهن على إنتاج نظرية مناسبة عن مجمل الواقع الاجتماعي.

[56] ) هذا المأخذ على لينين واللينينيين سبق وطرحه الاقتصاديون الروس، ويطرحه اليوم العفويون.

[57] ) أنظر في هذا الصدد ن. بولنتزاس: “السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية”.

[58] ) إنه لمثير للاهتمام أن نلاحظ أنه كان هناك مثقفون أكثر، وحتى مثقفون ثوريون محترفون، لدى المناشفة مما لدى البلاشفة بعد انشقاق الاشتراكية-الديموقراطية الروسية. أنظر دافيد لاين، المرجع المذكور سابقا ص47، 50.

[59] ) دافيد لاين (ص)12-213) يشير وهو مصيب إلى تفوق البلاشفة في المدن المطبوعة بالمشاريع الكبرى وبطبقة عاملة قديمة مثبتة.

[60] ) إن هانس جورغن كراهل، في عمله الأخير: (Zum allgemeinen Verhaltnis von wissenschaft licher -intelligenz und proletrarischen Klassenbe Wusstsein SDS – info N°26-27 (Des, 22, 1969)

قد أعطى “الـ”استشهاد بماركس حول هذا الموضوع، الذي ننقله هنا (وهو جزء من المقطع الذي لم يرد في النص النهائي من الفصل الأول في المجلد الأول من كتاب “الرأسمال”، “الفصل السادس: نتائج عملية الانتاج غير المباشرة” الذي نشر للمرة الأولى عام 1933 في “أرشيفات ماركس-انجلز” باللغة الروسية): “إن الموظف الحقيقي في مجمل سيرورة العمل، مع تطور تصنيف حقيقي للعمل في ظل الرأسمال (أو في نمط الانتاج الرأسمالي بصورة خاصة) ليس العامل المعزول، بل يصبح أكثر فأكثر طاقة عمل مركبة اجتماعيا، وأن طاقات العمل المختلفة التي تتزاحم وتكون الآلة الانتاجية ككل، تساهم بطرق مختلفة في العملية المباشرة لانتاج السلع أو بالأحرى المنتجات -بحيث يشتغل هذا أكثر بيديه، وذلك أكثر فأكثرطاقة عمل مركبة اجتماعيا، وأن طاقات العمل المختلفة التي تتزاحم وتكون الآلة الانتاجية ككل، تساهم بطرق مختلفة في العملية المباشرة لانتاج السلع أو بالأحرى المنتجات -بحيث يشتغل هذا أكثر بيديه، وذلك أكثر برأسه، هذا كمدير أعمال، أو كمهندس، والآخر كشغيل يدوي مباشر أو كعامل يدوي بسيط. نتييجة لذلك، فإن وظائف طاقة العمل تتجه أكثر فأكثر ليصنفها المفهوم المباشر للعمل المنتج، فيما سيصنف من يملكون هذه الطاقة ضمن مفهوم الشغيلة المنتجين، الذين يستغلهم الرأسمال مباشرة ويخضعون لعملياته الاستهلاكية والانتاجية”. (كارل ماركس “النتائجResullate ” فرانكفورت 1969 ص66).

[61] ) ليون تروتسكي، الانتليجنسيا والاشتراكية، (لندن، 1966).

[62] ) ليون تروتسكي، Die Entwicklunggsdengen der russischen Sozia-democrtie, in Die Neue Zeit,، ج18، رقم 2 (1910)، ص862.

[63] ) سبق لتروتسكي في كتابه السجالي الأول ضد لينين (مهامنا السياسية ص68-71) أن بذل جهدا لتصوير مجمل سجال لينين “ما العمل؟” على أنه مجرد نقاش بين مثقفين أو في أحسن الأحوال محاولة لكسب أفضل قوى المثقفين البرجوازيين الصغار إلى الاشتراكية الديموقراطية الثورية. فلم يفهم تروتسكي أن الأمر كان يتعلق بالتصدي للنفوذ البرجوازي الصغير التحريفي على الطبقة العاملة. وقد تميز سجاله ضد لينين منذ عام 1903 حتى عام 1914 بسوء تقدير لنتائج الانتهازية الكارثية بالنسبة للطبقة العاملة والحركة العمالية ولم يتخط نهائيا سوء التقدير هذا إلاّ في عام 1917.

[64] ) أوغيست بيبل: “مراسلات مع فريدرك إنجلس”، 1965، ص465.

[65] ) لم تظهر إشكالية الثورة في ردة الفعل الضرورية على إلغاء محتمل لحق الإنتخاب العام وفي حالة الحرب. حاولت روزا لكسومبورغ بالمقابل بنظريتها حول الاضراب الجماهيري أن تطور أشكال نضال للبروليتاريا تقطع مع النضالات الانتخابية والأجورية وتستند إلى ثورة 1905 الروسية.

وحتى اليوم يحاول ليليو باسو في تحليل مثير للاهتمام عن ديالكتيت الثورة لدى روزا لكسومبورغ (فرانكفورت 1969، ص82-83) أن يعرض، كخلاصة لاستراتيجية لوكسومبورغ، حلا وسطيا معتدلا بين النضالات اليومية والأهداف النهائية، ينحصر في جعل تناقضات التطور الموضوعي أكثر حدة. ولا داع لأن نشرح بالتفصيل هنا حقيقة أن المعنى الأعمق لاستراتيجية الاضرابات الجماهيرية قد فاته.

[66] ) أنظر نقاش برنامج المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية (صدر عن الأممية الشيوعية عام 1923، ص404-448) الذي ينتهي بالتصريح التالي للوفد الروسي، الذي وقعه لينين، تروتسكي، زينوفييف، راديك وبوخارين: “باعتبار أن الجدال لمعرفة ما يجب أن تكون صياغة المطالب الانتقالية وفي أي قسم من البرنامج ينبغي لإدخالها ولد بصورة خاطئة تماما معارضة مبدئية مزعومة، فإن الوفد الروسي يتبث بالإجماع أن إدخال المطالب الانتقالية في برنامج الفروع القومية كما صياغتها العامة وتبريرها النظري في القسم العام من البرنامج، لا يمكن اعتباره ضربا من الانتهازية (المرجع المذكور ص 542). يبدو أن تروتسكي تكهن بهذه الاستراتيجية منذ غام 1904 عندما كتب ” يقف الحزب عند المستوى المعين لتقصي الوعي البروليتاري… ويحاول أن ينزرع في البروليتاريا عن طريق رفع هذا المستوى”.

[67] ) إن جورج لوكاش (“لينين” EDI، باريس 1965) على حق عندما يكتب أن الحزب االثوري اللينيني لا يمكن أن “يقوم” بأي ثورة، لكن يمكنه مع ذلك أن يسرّع الاتجاهات التي تؤدي إليها. إن الحزب، مفهوما بهذه الصورة، هو منتج الثورة وفي آن معا ناتجها، وهذا يعني تخطي التعارض بين كاوتسكي (“ينبغي للحزب الجديد أن يهيئ الثورة”) وروزا لكسمبورغ (“يخلق الحزب الجديد عبر أعمال جماهيرية ثورية”).

[68] ) إن هانز جورغن كراهل (المرجع المذكور ص—) على حق تماما حين يأخذ على لوكاش “مثلنته” لمفهوم الوعي الطبقي الكلي البروليتاري ويفضح عجزه على الربط بين الممارسة النظرية الذي يصبح عجزا عن نقل النظرية الثورية إلى جمهور الشغيلة. إلاّ أنه شكل نواة هذا الفهم. لكن بما أنه يقيم فصلا واضحا بين “المصير المستلب للحياة” وسيرورة الانتاج المستلَب (بفتح اللام)، يسقط في شاكلة ماركوز، في خطر اعتبار “استيلاب المستهلكين” على أنه المشكلة المركزية، وبالتالي رؤية عائق أمام تطور الوعي الطبقي البروليتاري في “الكفاية المفرطة في التحضير للحاجات” التي يسمح بها النظام الرأسمالي لجمهور الشغيلة. إلاّ أن عقب أخيل نمط الانتاج الرأسمالي يبقى كما في السابق دائرة الاستلاب في سيرورة الانتاج، هنا، وهنا فقط، يمكن لانتفاضة ثورية حقا أن يكون لها تأثيرها، كما برهنت أحداث فرنسا وإيطاليا. نعثر هكذا من جديد على التمفصل في نقل الوعي الطبقي الذي وصفناه ونحن هنا لا نريد أن نخلط -كما فعل كراهل (وكما فعل لينين وتروتسكي)- بين المفهوم الساذج للـ”حزب الذي يعرف كل شيء” وإعادة النظرية الثورية، المعتبرة كسيرورة إنتاج نوعي ودائم.

[69] ) كارل ماركس: “موضوعات عن فيورباخ”. الموضوعة الثالثة: “إن المذهب المادي (…) ينسى أن الناس هم بالتحديد الذين يحولون الظروف وأن المربي يحتاج هو ذاته إلى تربية”. (“الأيديولوجيا الألمانية” المنشورات الاجتماعية، باريس 1968، ص32)

[70] ) ماركس-إنجلز: “الأيديولوجيا الألمانية” المرجع المذكور.

« السابق