بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مقاومة الثورة المضادة.. الآن

في العام الثالث للثورة، بأي حال عدت يا عيد؟ بثورة يغتصبها أعداؤها جهاراً، بآلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمختطفين، بالتحريض الذي يثير الناس على بعضهم ويدفع الأم للإبلاغ عن ابنها، وحيث أصبحت إشارات اليد تهمة، وحتى التصويت بـ”لا” للدستور تهمة، ولم يسلم الأطفال والطلاب من داخل جامعاتهم من الاعتقال.

إنها الثورة
إن “التفاؤل” أو “التشاؤم” لن يغير من الوضع شيئاً، فالثورة أكبر وأعمق من الحالات النفسية للأشخاص، والأسلم هو تحجيم الأحاسيس وتأمل الواقع بعقل هادئ قدر الإمكان من أجل مقاومة الثورة المضادة.

بإيجاز، ربما يكون مخل، في 25 يناير 2011 اندلعت ثورة استطاعت إجبار مبارك على التنحي، ثم جاء المجلس العسكري ليستخدم كل الوسائل الناعمة والخشنة في سبيل استعادة سيطرته، وانتهى الأمر بعقد صفقة مع التيار الإسلامي يتصدره الإخوان لتقاسم السلطة، فصعد محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة ليمارس السياسات ذاتها التي انتهجها مبارك ومجلس عسكره.

لكن طرفي الصفقة لم يقنع كل منهم بنصيبه، فالإخوان أرادوا المزيد من السيطرة السريعة، بينما رغب جناح الفلول والعسكر في استعادة السيطرة على كل شيء، وهو باختصار ماحدث بالفعل. كما فشل جناح الإخوان في إتمام المهمة التي رسمها الفلول والعسكر لهم، وهي الإجهاز على الثورة.

الثورة المضادة في السلطة
والآن، يقبع قيادات الإخوان وعلى رأسهم محمد مرسي في السجون، بينما يلتهم الموت والمعتقلات قواعدهم التهاما.

وبينما يمارس العسكر، وعن طريق الداخلية التي دعمها الإخوان ورفضوا تطهيرها من قبل، أقصى درجات القمع، تساندها كافة مؤسسات النظام القديم، ورجالاته من الموظفين ورجال الأعمال على السواء، يواكب ذلك حملة إعلامية، أقل ما يُقال عنها أنها قذرة، تبدأ بالهجوم على الإخوان من منطلقات فلولية، لتحميلهم كل الشرور والذنوب (التي أيضاً اشترك فيها العسكر والداخلية بشكل أساسي) ولتبرير قتلهم والتنكيل بهم بشتى السبل، حتى لو أدى ذلك لاقتتال الناس بعضهم البعض.

لكن الهدف ليس القضاء على الإخوان أو شيطنتهم، بقدر ما هو رغبة في القضاء على الثورة وتشويهها في أذهان الجماهير، بل شيطنتها. فبالتدريج أصبح كل من يواجه السلطة موالٍ للإخوان و”طابور خامس”، ومتورط في المؤامرة الكونية الماسونية ضد أمن الوطن، وعليه ليس فقط أن يصمت، بل أن يهلل في الزفة وإلا ينال نصيباً مما ناله الإخوان.

نقطة نظام
ولكن هل من المنطق التنازع مع الثورة المضادة وإعلامها حول “صورة الثورة” وحسب؟ نعم يجب مواجهة حملة تشويه الثورة وتزييف تاريخها، ولكن في الوقت نفسه، نحن على وعي أن الثورة أكثر من مجرد “يوم” و”ميدان”.

لقد خرجت الجماهير بعفوية – وليس بمؤامرة إخوانية حماسية أمريكية قطرية – لأنها لم تعد تحتمل الفقر والقهر، حينما رأت لحم البلد يُقطع ويُباع بالرطل للمحلي والمستورد، وباتت على شفا توريث التركة لـ”جيمي”.

أتت الثورة بعد موجة صاعدة من الحركة الاجتماعية، وهو ما لا يجب أن ننساه في زحمة التفاصيل، وإن كان لابد من الاعتراف أن الحركة الاجتماعية والحركة السياسية لم تلتحما أو تتواصلا بالشكل المطلوب لتغيير النظام بالفعل، وليس مجرد تبديل الوجوه والغرق في التفاصيل.

ولأن السنوات الثلاث للثورة لم تشهد أي تغيير ملموس في السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ولأن النظام من الغباء بحيث يصدق الكذبة التي اخترعها بنفسه أن الثورة مؤامرة خارجية حقداً على النعيم والرخاء الذي عاشته مصر في عهد مبارك وعصابته، ولأن النظام أيضاً من الغرور بحيث يعتقد أنه استطاع أن يقتل الثورة للأبد، فإن النتيجة المنطقية هي.. أن القمع والخداع الإعلامي قد يحاصران الثورة ويخنقاها، قد ينجحا في ذلك مؤقتاً، ولكن “الزفة لن تعلو على صوت البطون الجائعة” مهما طال الأمد.

ستفيق الجماهير، وسيفيق معها النظام أيضاً، على الحقيقة التي اتفق الجميع على تجاهلها، وهي أن الثورة اندلعت بسبب واقع لم يتغير، وعليه سيكون على النظام إما أن يواجه الرأسمالية المحلية والعالمية لتقديم تنازلات لسد جوع الملايين، وهو أمر ليس سهلاً بالمرة، ولن يحدث أبداً في ظل مثل هذا النظام، لأن العلاقة بين السلطة والثروة في مصر علاقة زواج حميمة وقديمة.. وإما أن يواجه النظام حركة الجماهير بالقمع ويكشف عن قبحه، المكشوف بالفعل، ويتأكد للجماهير مجدداً أن لعبة تبديل الوجوه أصبحت عبثية وأن عليها أن تخوض معركتها بنفسها وتنظم صفوفها في مواجهة عائلة “السلطة والثروة” وبعيداً عن لغط النخب التي تمرغت في ترابها.

الأمر يتطلب جهداً دؤوباً ونفساً طويلاً من الثوار لإعادة تنظيم صفوفهم بمزيد من الصلابة لمواجهة الثورة المضادة ومقاومتها بأشد ما يكون من الإصرار والعزم، لتنتصر الثورة في موجاتها المقبلة، حتى وإن تأخرت هذه الموجات.. فالجماهير لن تسكر بخمر السيسي طويلاً.