بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عار الخيانة وخطيئة الاستسلام

لا يمكن فهم حالة التوحش غير المسبوق للجيش والداخلية إلا في ضوء الواقع الجديد، ألا وهو توحد الطبقة الحاكمة في صف واحد، وتراجع عناصر الخلاف بينها في الوقت الحالي.

لقد كان السبب الرئيسي لنجاح الثوار منذ 25 يناير، في الصمود لثمانية عشر يوما، هو توحدهم حول هدف واحد دون مواربة (إسقاط مبارك) حيث لم يكن من نصيب أي شخص يذهب للتفاوض مع عمر سليمان بإسم الثوار سوى رفع الأحذية وطرده شر طردة من الميدان.

في المقابل، انتابت الطبقة الحاكمة حالة من الارتباك والتشققات الناتجة عن اختلافها في اختيار الحلول الأنسب لمصالحها في مواجهة الثورة. وانتهى الأمر كما نعرف، باختيار الإطاحة برأس النظام في سبيل إنقاذ النظام ككل، ثم محاولة تنصيب أقرب الرؤوس إليه: عمر سليمان، ثم طنطاوي، أو أحمد شفيق.

الثورة المضادة
واكب ذلك سعيا مضنيا لشق صف الثوار، وهو ما نجحوا فيه بالفعل، واستقطبوا إليهم الإسلاميين فتعالت هتافاتهم في يوليو2011 “يا مشير انت الأمير”، واستطاع الثوار بالعرق والدم أن يثقلوا على أعداء الثورة مهمتهم، وأن يدفعوا في اتجاه خطوات إيجابية، جنى ثمارها غيرهم.

وكان صعود مرسي دليلا على أن الطبقة الحاكمة القديمة لا تزال في حالة الارتباك ولم تلتئم التشققات في داخلها. لكن التحالف بين العسكر والإسلاميين لم يستمر، لرغبة كل منهما في التهام القدر الأكبر من كعكة السلطة – والثروة أيضا – إلى أن نجح نظام مبارك في استرداد عافيته، والبدء في الدفع للإطاحة بالشريك الملتحي في السلطة، هذا الشريك الذي لم يدخر جهدا لا في مقاومة الثورة بالقتل والاعتقال ووضع دستور مناهض للثورة، ولا في مواصلة ولاءه سيء السمعة للنظام القديم، بكل أركانه، من العسكر إلى البيروقراطية إلى الرأسماليين، لذلك ليس من المبالغة أن نعتبر الإخوان قد مارسوا الانتحار السياسي، منذ أن ذهبوا للجلوس مع عمر سليمان، وحتى اللحظة الأخيرة لخطاب مرسي، الذي أبى أن يعترف بأخطائه، ولا حتى أن يصارح نفسه قبل الجماهير بخطيئة تحالفه مع نظام مبارك، حينما اختزل الأمر في الحديث عن “شرعيته” ضد “الواد اللي بياخد عشرين جنيه ويقطع الكهربا”، و”بلطجي البساتين”.. إلى غير ذلك.

فعندما خرجت الجماهير في 30 يونيو خرجت بدافع الضغوط التي عاشتها طيلة حكم الإخوان، فبعد أن حلمت بالاستقرار بعد ترددها على صناديق الاقتراع أكثر من مرة، وجدت أن وضعها لا يتحسن بل يزداد سوءا.

وقبل أن تتصاعد حركة الجماهير أكثر، وقبل أن تنضم الحركة العمالية لصفوف المواجهة، كما حدث في الأيام الأخيرة قبيل تنحية مبارك، سارع السيسي في قلب المنضدة على الجميع، فأعلن عزل مرسي، ولحس كل وعوده للقوى الثورية التي حشدت ضد الإخوان بقصد استمرار الثورة. بينما شاركت قطاعات كبيرة من الثوار في موجة 30 يونيو بغرض تعميق الثورة وانتزاع مطالبهم، لا من أجل تقوية وتدعيم النظام المباركي بزعامة السيسي.

استند السيسي في موقفه إلى أمرين، أولهما هو اصطفاف النظام القديم بكل أركانه في مواجهة الإخوان، فقد أنفق الرأسماليون مليارات في الدعاية المباشرة ضد الإخوان، ثم في تصوير 30 يونيو باعتبارها “ثورة جديدة”، ثم اعتبارها “الثورة الحقيقية” مقابل تشويه ثورة 25 يناير، وهو ما فتح مساحة لتنفيذ مذابح بشعة واعتقالات بالجملة، بينما تصاعدت موجة التحريض أكثر وأكثر للمزايدة حتى على النظام في الدعوة للمزيد من الذبح.

أما الأمر الثاني الذي استند إليه السيسي فهو ضعف الجبهة التي اصطفت في الشارع ضد الإخوان، فقوى الفلول تدعمه دون قيد أو شرط طالما فتح الفرصة أمامها للعودة إلى مجدها أيام مبارك. وبينما انقلب معسكر السلفيين في معظمه على الإخوان، بقيت الأطياف الأخرى ضعيفة وتفتقر إلى التنظيم القوي والانتشار الجماهيري، ولا يُعفى من ذلك أحد.

الاستسلام خطيئة
لكن، حتى لو كان الضعف حقيقة يجب الاعتراف بها، فإنه لا يبرر أبدا الخطيئة التي ارتكبها الليبراليون والمحسوبين على اليسار بالارتماء تحت أرجل العسكر التي غاصت في الدماء حتى الركب.
لقد توصل هؤلاء إلى تصور يخدّر ضمائرهم، وكأن الثورة هي معركة ضد “قوى الظلام” المتمثلة في الإخوان، وأن عليهم الوقوف مع “قوى النور”، التي تتكون – وياللعجب – من العسكر والداخلية والفلول والسلفيين!

وفي المشهد أيضا، نجد بعض من اختاروا التنحي جانبا، معلنين أن المعركة الدائرة لا تخصهم، وأن عليهم الانتظار حتى يقضي الفلول والعسكر على الإخوان، ليستأنفوا بعدها الثورة الطاهرة النقية، ضد الفلول والعسكر “على نضافة”. وقد ادعى هؤلاء أن المعركة الاجتماعية وحدها كفيلة بأن تتطور تلقائيا لتدفع بالثور دفعا، وبمعزل عن “المعركة السياسية وأوحالها”، وهو مبرر آخر للهروب من معركة حتمية. كما أن من العبث القول بأن مواجهة الثوار للعسكر وحلفائهم تصب في مصلحة الإخوان، بل بالعكس، فالثوار يعارضون السلطة العسكرية من منطلقات الثورة وأهدافها وليس بدوافع رجعية كـ”عودة مرسي” وما إلى ذلك.

بينما تتصاعد وحشية النظام وتتعالى صيحات التحريض في الأبواق الإعلامية الموالية له، ويزداد الشحن والتشويه ضد الثورة، لا يمكن أبدا التراجع. فلو كان الموت والاعتقال مصير متربص بالثوار، فإن التراجع يظل خطيئة لا تغتفر، ولن تعفي أحدا من المصير نفسه.

كل لحظة صمود هي لحظة تُضاف إلى عمر الثورة.