بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

لماذا نرى أحكام البراءات للقتلة وأحكام الإدانة للثوار؟

لماذا القضاة ليسوا ثوريين؟

جنايات الإسكندرية تبرئ 6 من رجال الشرطة متهمين بقتل 80 متظاهرا خلال ثورة يناير. وفي نفس الوقت قضت محكمة جنح المنشية بالإسكندرية منذ أكثر من 20 يوماً بحبس 9 من النشطاء السياسيين لمدة عامين وغرامة 50 ألف جنيه لكل منهم على خلفية اتهامهم بالاشتراك في وقفة احتجاجية ضد قانون التظاهر أمام محكمة جنايات الإسكندرية يوم 2 ديسمبر الماضي أثناء جلسة محاكمة المتهمين بقتل خالد سعيد.

الموضوع ليس موضوع ورق مُقدم إلى هذا القاضي أو ذاك، الموضوع لا يتعلق فقط بإنتهاكات القوانين الوضعية، والتي ترى من وجهة نظرها معاقبة مجموعة من الداعيين لوقفة احتجاجية واطلاق سراح الضباط القتلة، الموضوع يتعلق بذلك الشامخ الجالس على مقعده الأثير، مرتديا روبه الأسود كتاريخه، متكئا على يديه “المرتجفة” ليصدر الأحكام بما يتوافق مع مصالح جلاديه.

إن وجود ما يسمى “جزافاً” بالقضاء المستقل هو محض كذب، هو بالفعل مستقل عن المؤسسات الأخرى إن لم يكن ذلك موجود حرفياً، ولكنه ليس مستقلاً بالفعل عن الدولة المحكومة برأس المال وقوانينه، في الواقع يعيش القضاة “الإصلاحيين” منهم أو “الانتهازيين” على هذا الهامش الضيق والمختلط (الخضوع للدولة ورجال الطبقة الحاكمة، وهامش من استقلال “شكلي” كضرورة ومتنفس لحماية الدولة الرأسمالية وبقائها)، في المقابل فإن أي دولة رأسمالية “ذكية” تحرص على وجود هامش معقول لاستقلال قضائها حتى يستقر الاستثمار وللحيلولة دون قيام ثورات شعبية، حتى ولو كلفها ذلك بعض التضحيات، كمحاكمة بعض المسئولين الفاسدين مثلاً من وقت لآخر، أو مثلما نرى حالياً من عرض بعض رموز الطبقة الحاكمة لمحاكمات جنائية تكن البراءة هي نهاية مطافها. فالحفاظ على الهدف استقرار النظام، هو أهم من هذه التضحيات البسيطة.

على الجانب الأخر فإن القضاة يريدون الحفاظ على مراكزهم، وهذا لا يعني سوى أن يصروا باستماتة على استقلالهم وحماية نزاهتهم، ولكن في المقابل فإنهم يصطدمون بأهمية الحفاظ على مراكزهم بضرورة الرضوخ أكثر وأكثر لمطالب النظام، فالمخلوع على سبيل المثال كان يريد منهم مباركة انتخاباته المزيفة، وهو ما حدث في انتخابات 2005، لقد وافق القضاة على الإشراف على هذه الانتخابات، بدون أي ضمانات، وبعد استبعاد رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية حوالي 1700 قاض من الإشراف على الانتخابات، والذي بدأ في سلسلة من المساءلات التأديبية لمجموعة من القضاة “الاصلاحيين”.

هذه الإشكالية تجعل من صفوف عامة القضاة إما “إصلاحيين متذبذبين” وإما “إنتهازيين” أما هذا القاضي “الثوري” والمفترض وجوده، فهو لن يوجد بين هاتين الثنائيتين، لن يوجد لأنه لن يستطيع العيش والنضال من موقعه، فإما أن يتحول إلى ذلك الإنتهازي البشع أو هذا الإصلاحي، أو تنتهي حياته المهنية على أيدي النظام بجرة قلم.