بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عن الهيمنة الذكورية على المجال السياسي

طلبت إحدى طالبات الدراسات العليا إجراء لقاء مع مجموعة من النساء اللاتي يعملن في العمل السياسي كجزء من بحث علمي عن أوضاع الثورة المصرية، وأجريت معها لقاء أنا ومجموعة من الرفيقات، وحين سألتها لماذا تخصيص مقابلة نساء، أجابت: “لأن معظم من قابلت كانوا رجالا وﻷنني من لقائي معهم لمست عدم رؤيتهم للنطاق الأوسع من الاضطهاد، فهم لا يرون اضطهاد المرأة والأقباط والنوبيين وغيرهم”.

لقد توصلت لهذا الانطباع بعد لقاء العديد من “النشطاء” وهو ما وجدته مثيرا للاهتمام، وأجد فيه جزءا من الإجابة عن سؤال طرحته من قبل: أين كانت الحركات والأحزاب من قضايا المرأة ومطالبها؟

تهميش المطالب
كثيرا ما كانت تُواجه مطالب المرأة بأنها ليست أولوية، وأن انتصار الثورة وتحقيق مطالبها الرئيسية “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية” هو الأولوية الحالية وهو ما سيفتح الطريق فيما بعد إلى حقوق ومطالب المرأة.

من الذي قيّم مطالب المرأة أنها مطالب ثانوية؟ وهل مطالب الثورة الرئيسية والتي من ضمنها الحرية تعني الحرية للذكور فقط؟ أم تعني الحرية السياسية فقط ولا ضرورة للحرية في العيش والملبس والجسد؟ هل يمكن تحقيق انتصار حقيقي للثورة ونحن في خلال العملية الثورية نهمّش ونضطهد فصيل دون الآخر؟ ماذا عن النساء اللاتي شاركن في الثورة طامحين أن يعشن حياة آدمية دون تفرقة فوجدن تهميشا لمطالبهن فقط لأنها تحمل نون النسوة؟

الأغرب هو تبني بعض ممن يطلقون على أنفسهم “ماركسيين” لهذا المنطق، لا داعي الآن للحديث عن مطالب المرأة، وكأن الصراع الطبقي كالعصا السحرية سيمحو الذكورية والعنصرية والطائفية ولذلك دعونا نصب كل طاقتنا في اتجاه دفع الصراع الطبقي.

بالطبع لاعلاقة ولا أساس لصحة هذا الكلام. أولا: الصراع الطبقي لن يقوده ويناضل به الذكور المسلمين السنة فقط، بل الذكور والإناث والأقباط والمسلمين السنة والشيعة وغيرهم من كافة الطوائف والأديان والمعتقدات والتعريف الجندري، وبالتالي ما الذي سيدفع كل هؤلاء إلى التناغم والنضال من أجل هدف واحد إن لم يروا في هذا الهدف مخلصا لمعاناتهم واضطهادهم، وبالتالي يجدوا من يناضلون بجانبهم يؤمنون في حقهم في المساواة ولا يمارسون التمييز ذاته؟

ثانيا: دائما ما يتلخص مصدر هذه الأفكار في عبارة “أفكار الطبقة الحاكمة لتشتيت الكادحين والمضطهدين” وهذه حقيقة؛ فالطبقة المُهيمِنة تنشر أفكارها التي تمكنها من السيطرة على جموع المضطهدين واستمرار قهرهم، إلا أن هذه الافكار ليست رداء يخلعه العامل/ة وغيرهم فور احتدام الصراع الطبقي، فلا تأثير هذه الأفكار واحد على الجميع ولا تغييرها عملية بسيطة، بل هي عملية مركبة، فقد نجد من يتجاوب بسهولة مع رفض كافة أشكال الطائفية ضد الأقباط إلا أنه يرى اليهود خنازير! أو من يتصدى للتحرش إلا أنه يمنع رفيقته من التقدم في الصفوف الأمامية في المعارك لحمايتها!

وبالتالي فعملية خلخلة وهدم هذه الأفكار هي مزيج بين نقاشات عميقة وتجارب عملية، والأهم دفع لتبني مطالب الفئات الأكثر اضطهادا بوضوح وتفتيت فكرة “كلنا سواء في الاضطهاد”.

الأداء الذكوري داخل الأحزاب
بالطبع هذا الأداء من تهميش مطالب المرأة لم يختلف كثيرا عن الأداءات داخل الأحزاب والحركات – أعني هنا بالطبع الأحزاب “المدنية” والأكثر “تقدمية”، إن جاز التعبير – فلم يكن هناك اهتمام حقيقي بتمثيل للنساء في الأحزاب والحركات، وبقيت الصورة المهيمنة على الشاشات والمتحدثين وغيرهم في العموم من الرجال.

ويأتي بالطبع الهجوم الكاسح على فكرة “الكوتة” بدعوى الوقوف ضد “التمييز الإيجابي”، وبالرغم من وجود تعليقات لديّ على هذه الفكرة، إلا أن هذه الأحزاب لم تطرح سؤال: لماذا لا يوجد الكثير من النساء في عضويتها؟ كيف يمكن التواصل معهن بشكل أفضل؟ ما الذي يعوق تصعيدهن في مناصب قيادية وأكثر أهمية؟ لماذا تُحصر النساء في أعمال “السكرتارية” في أغلب الأحيان؟

هذا بجانب عدم محاربة ووضع قيود على التصرفات الذكورية من كلمات وتعبيرات وأفعال، لخلق مناخ على الأقل يعكس ما يدعون إليه.

أخيرا، المرأة تواجه تحديات في كسر هذه القيود والأفكار الذكورية، فهي الأخرى تعرضت لسنوات وتراث مرير من تهميشها وتحقيرها أصبح جزءا من أفكارها وتكوينها. هي الأخرى تشكك في قدرتها على تولي مناصب لم تحتلها من قبل امرأة. هي الأخرى خائفة من الكثير من العقبات من الأسرة والمجتمع. إلا أن حلم مجتمع أفضل دفعها لتحدي بعض هذه الأفكار.

روابط ذات صلة:
عن الوعي النسوي
الذكوريون الثوريون
لماذا نناضل ضد اضطهاد الاقباط
كافحوا التحرش