بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الثورة المضادة.. الجماهير.. ما العمل؟

“وجاءت الانتخابات الرئاسية مع مشاركة جماهيرية واسعة ليتم تتويج السيسي رئيس للجمهورية باكتساح يقارب من 93% وسط فرحة شعبية عارمة”.

هذا هو المشهد الذي تحاول كذبا أن تصدره الآلة الإعلامية للثورة المضادة في الصحف والبرامج التليفزيونية لتختصر انتخابات الرئاسة، لكن الواقع مختلف وأكثر تعقيدا ويجب علي الثوريين في كل لحظة من لحظات الصراع، سواء كان في مرحلة الصعود أو مرحلة الهبوط والتراجع الثوري، تحليل اللحظة بشكل جيد للوصول إلى التكتيك المناسب بهدف كسب خطوات في اتجاه الثورة وبناء الحزب الثوري.

هذه الخطوات قد تكون مجرد سنيتمترات قليلة أو أميال مرتبطة بالظرف الموضوعي لواقع الثورة، هل تشهد تصاعد، هل ينتشر العمل المطلبي وسط صفوف الطبقة العاملة والحركة الجماهيرية، أم إنها مصابة بحالة من الإحباط والخمول وهجوم بقوانين استبدادية للثورة المضادة وسط سلبية الجماهير وضغف المقاومة. لذا يجب النظر إلى مشهد انتخاب السيسي وتحليله للوصول إلى التكتيك المناسب لعمل المجموعات الثورية.

التهليل للعرس الديمقراطي واكتساح السيسي والمشاركة الواسعة يتناقض بشدة مع المشهد استخدام النظام لكل أدواته في حث الجماهير على المشاركة في انتخابات الرئاسة سواء عن طريق الإعلام ودعاية أن “الوطن يضيع”، والفتاوي الدينية التي تحرم عدم المشاركة أو عن طريق منح إجازة عمل للتصويت ثم مد يوم آخر، أو الترهيب بفرض غرامة 500 جنيه للمقاطعين، وفي حالة من الارتباك ملحوظة بسبب اللجان الخاوية والعزوف عن التصويت وتراجع واضح في جماهير التفويض.

بالطبع مشهد اللجان الخاوية لا يعبر عن انتصار دعاية المقاطعة التي أطلقها تحالف دعم الشرعية، فكتلة المقاطعة كتلة واسعة تشمل داخلها تيار الإسلام السياسي لعدم اعترافهم بالانتخابات تحت دعوى “شرعية مرسي”، كما تضم كتلة كبيرة من الجماهير التي فقدت الثقة في قدرتها علي التغيير ولم تجد في صندوق الانتخاب أي تعبير عن مصالحها، وهي كتلة محبطة تضم بداخلها جزء من جماهير التفويض وجمهور شارك في المعارك الثورية السابقة، لكن نتيجة إحباطها اختارت أن تنسحب من المشهد السياسي.

الخطورة في هذا الأمر أن وجود هذة الكتلة بحجم كبير لا يصب في مصلحة الثورة كما يحاول أن يصوره تيار الإسلام السياسي، بل بالعكس تصب في مصلحة الثورة المضادة، فأفضل ما تتمناه الدولة الديكتاتورية، من أجل فرض كل قوانينها المعادية للجمهور، هو حالة الاستسلام وإحباط الجماهير وانعدام المقاومة، هذة الكتلة قد تخرج من إحباطها وتعود للمشهد مرة أخرى إذا وجدت بديل حقيقي يعبر عن مصالحها.

أما الكتلة الجماهيرية التي اختارت أن تذهب إلى الصناديق فالأغلبية الكبرى منها اختارت التصويت للثورة المضادة وقائدها السيسي، لكنها أيضا كتلة هشة تحمل بداخلها تناقضات، فمنهم فلول الحزب الوطني ورجال الأعمال ورجال دولة مبارك وغيرهم من عناصر الثورة المضادة.

هذه الكتلة تضم أيضا قطاع من العمال والفلاحين، وانضمامهم لجمهور الثورة هو الأمر المنطقي، لكن نتيجة عدم قدرة الثورة حتى الآن على الانتصار وتقديم حلول لهم تحولت هذه الكتلة إلى معاداة الثورة، واختاروا الاستقرار الوهمي المتمثل في السيسي. هذة الكتلة المصوتة للسيسي قد تتشقق داخليا مع أزمة اجتماعية طاحنة تفضح الإدعاءات حول السيسي بكونه المنقذ. هذا التشقق قد يؤدي إلى إحباط هذة الكتلة من العمال والفلاحين أو ميلهم إلى التغيير، وبالطبع سوف يستمر تواجد كتلة رجعية من منتخبي السيسي ومؤيدي الثورة المضادة، وهذا الاستمرار مرتبط بعدة عوامل منها مدى عمق الأزمة وتأثيرها على تماسك الطبقة الحاكمة وتواجد الأحزاب السياسية وتأثيرها على العمال والفلاحين.

الكتلة الأخيرة من الجماهير التي اختارت أن تذهب للصناديق وبهدف التصويت ضد الثورة المضادة وقائدها السيسي، هذة الكتلة مهما كانت صغيرة إلا إنها غير محبطة وغير متأثرة بدعاية النظام، بل اختارت أن تدخل معركة صعبة غير متكافئة وتحاول جاهدة أن تعمل على الخصم من رصيد الثورة المضادة والتصويت ضد مرشحها. هذ​ه​ الكتلة، وفي هذه المرحلة، تمثل الطليعة الثورية بكل ما تحتويه من تناقضات من ثوريين وإصلاحيين، لتظل المعركة الرئيسية الآن هو العمل على وحدة هذة الكتلة مع الكتلة الثورية المقاطعة وعدم التبعثر لتكوين نواة لمعارضة ضد النظام وبناء جبهة متحدة من كل القوى الثورية ويسار الاصلاحيين.

هذه الكتلة التي تسعى لتكوين جبهة معارضة يجب أن تجتمع على شعارات واضحة من قضايا الحريات والمعتقلين السياسيين وقانون التظاهر وضد التقشف وعدم العدالة في توزيع الثروات مع حرية كل اتجاه في طرح وجهة نظره في تحليل كل القضايا.

والمهم أن تعمل هذه الكتلة على استغلال كل المساحات المتاحة مهما كانت صغيرة لتوسيع قاعدتها والتقدم لخطوات ضد الثورة المضادة. هذه المساحات قد تكون انتخابات المحليات أو مجلس الشعب أو النقابات وغيرها من أجل كسب أكبر قطاع من الجماهير على الأفكار الثورية وليس لقناعة أن مقاعد المحليات أو البرلمان هو الطريق للتغيير.

مرشح الثورة المضادة، الذي سيتقلد الحكم بعد عدة أيام، لا يملك عمليا برنامج اقتصادي ينحاز للفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه عوامل ستساعد عمل هذه الكتلة إثر أزمات اقتصادية طاحنة ستواجه نظام السيسي ولن يستطيع الخروج منها إلا بتشريد وإفقار الملايين للحفاظ على أرباح رجال الأعمال من سياسات تفشف تشمل كل القطاعات وخفض الدعم والأجور واتقليل الإنفاق على الصحة والتعليم، بالإضافة للاستبداد السياسي.

باختصار، المعركة الآن للثورة هي الحفاظ على الكتلة الثورية مهما كانت ضعيفة في تلك اللحظة، وبناء الظرف الذاتي لانتصار الثورة المتمثل في الحزب الثوري والجبهات الثورية. ومهما كانت هذه المجموعات ضعيفة في هذه اللحظة، إلا إنها النواة اللازمة للبناء عليها ومحاولة توسيعها استعدادا للموجة القادمة من الثورة.