بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

عن مراسم تنصيب القيصر الجديد

الملك عارياً

انتهى منذ ساعات حفل تنصيب الجنرال والذي أعلن مرارا وتكرارا أنه غير آبه بالسلطة ولا بكرسي الحكم، إلا أنه لا يستطيع تجنب تلك الأصوات الداعية لخوضه الانتخابات، تلك الأصوات التي بدت جلية في اليومين الأولين للانتخابات والتي اضطرت بعدها لجنة “تطبيخ” العملية إلى مد الانتخابات ليوم ثالث بسبب الحر ومحصول الأرز على حد قول مصطفى بكري أحد أئمة العسكر هذه الأيام.

حفل تنصيب السيسي تكلف حوالي 10 ملايين جنيه ويشمل رفع كفاءة الطرق والشوارع المؤدية إلى ميدان قصر القبة، وزراعة أشجار ونباتات حولية ومعمرة مزهرة على الطريق، ورفع كفاءة الأعمدة الكهربائية وإعادة دهانها، وإزالة كل العبارات المسيئة من على جدران المنشآت الحكومية والميادين، فضلاً عن اعتبار يوم الأحد إجازة رسمية لجميع المواطنين على الرغم من تلك الدعوات المنادية بالعمل والإنتاج. لا توجد أرقام دقيقة لحجم تلك الخسائر التي ضربت ذلك الاقتصاد “الهش”، ولكن إذا كانت تلك الإجازة التي منحها رئيس الوزراء ابراهيم محلب للعاملين بالدولة “استجابة لرغبة الجماهير للمشاركة في الانتخابات الرئاسية” قد كلفت خزينة الدولة ما يزيد على ملياري جنيه، فيحق لنا أن نطلق خيالنا لنتصور حجم الخسائر المالية التي ستضرب الاقتصاد جراء حفل تنصيب من لا يستحق!

المؤشرات العمالية كانت حاضرة في حفل تنصيب السيسي وإن لم يكونوا من المدعويين: فعمال سيراميكا كيلوبترا العاشر من رمضان أعلنوا الإضراب أمس السبت ولمدة 3 ساعات بسبب عدم حصولهم على الأجر المتغير وفق ما ينص عليه القانون، فضلاً عن تلك الإجراءات التعسفية والتي شملت أفراد النقابة بنقلهم من أماكن عملهم الأصلية إلى مناطق متفرقة. على الجانب الآخر يواصل، لليوم الرابع على التوالي، عمال السويس العالمية للنترات “سينكو” الاعتصام والإضراب وسط تهديدات ومحاولات قذرة من الجيش الثالث الميداني لفض الاعتصام وتهديد العمال بالسلاح. عمال كريستال عصفور لم يكونوا أوفر حظاً من زملائهم، فقد فُصل 14 عاملاً من الشركة بسبب مشاركتهم في إضراب عمالي، ثم اعتدى أمن الشركة يوم السبت الماضي 1 يونيو على العمال. وفي اليوم االتالي لقرار رفع اسم مصر من القائمة السوداء (قائمة الدول التي تنتهك حقوق العمال وتخالف اتفاقيات العمل الدولية) فُصل 6 من أعضاء النقابة المستقلة في شركة “النترات” في السويس على إثر إضراب عمالي. وسبق ذلك اعتقال قيادات عمالية من هيئة البريد على إثر إضراب عمالي.

وفيما يقبع حوالي 41 ألفا و163 شخصا وفق لإحصائيات ويكي ثورة في سجون الدولة العسكرية، تتعالى الأيادي بالتصفيق الحار لتنصيب الفرعون الجديد وتتعالى هتافات الفرح بوأد الثورة. وها هو ملك السعودية يحض السيسي في رسالة تحمل في جنابتها الوصايا الخمس لقتل الثورة :

“إن شعب جمهورية مصر الشقيق عانى في الفترة الماضية فوضى، أسماها البعض، ممن قصر بصره على استشراف المستقبل بالفوضى الخلاقة، التي لا تعدو في حقيقة أمرها إلا أن تكون فوضى الضياع، والمصير الغامض، الذي استهدف ويستهدف مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها”. وأضاف الملك السعودي “إن الفوضى الدخيلة علينا، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، قد حان وقت قطافها دون هوادة، وخلاف ذلك لا كرامة ولا عزة لأي دولة وأمة عاجزة عن كبح جماح الخارجين على وحدة الصف والجماعة”.

أما الرئيس الأمريكي فقد استبق الزيارة بالإعلان عن تطلعه للعمل مع عبد الفتاح السيسي المنتخب ديموقراطيا، أما ملوك وأمراء الخليج العربي فقد كانوا حاضرين، من الإمارات إلى البحرين مرورا بالكويت، ولما لا، فالثورات كانت منغصة لعروشهم.

الوضع الحالي يمكن تلخيصه في بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي : “إن رئيس الوزراء نتنياهو تحدث للرئيس المصري المنتخب عن الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين وعن الحفاظ على اتفاق السلام بينهما”. فيما ذكر مكتب بيريز أنه: “شكر الرئيس السيسي الرئيس بيريز على كلماته الدافئة” في ختام الاتصال بينهما!
من صديقي العزيز إلى الكلمات الدافئة.. لم يتغير إلا القليل!

حفل تنصيب السفاح يأتي بينما رفاقنا يقبعون في سجون العسكر. فها هي ماهينور المصري تطالب بالحرية للمعتقلات على الرغم من صدور حكم قضائي بحقها، فيما كان حلم لؤي قهوجي، وعمر حاذق، وإسلام حسانين، أن يقف قاتل خالد سعيد، في قفص الاتهام، وأن تقتص المحكمة لأيقونة الثورة. لم يكن أي منهم يتخيل أنه هو من سيقف في قفص الاتهام، ينتظر حكم القاضي، ولم يتصوروا أن يكون الحكم هو الحبس سنتين، لهم حضوريا ولخمسة نشطاء آخرين غيابيا، بتهمة التظاهر خلال جلسة محاكمة خالد سعيد. فها هو لؤي القهوجي يبعث برسائله الساخرة من ظلم وضعف وتفاهة تلك الدولة التي فرقته عن أحبائه، فيما سيظل حسين إبراهيم الطالب بكلية إعلام أكاديمية الشروق يبعث بتلك الاستغاثات من سجن الاستئناف على أمل نقله إلى سجن أبو زعبل، لن ننسى أحداث كوم الدكة الصغار بالإسكندرية والذين يتعرضون يوميا للتعذيب والضرب من أفراد الأمن. لن ننسى رفيقنا أحمد الفراش والذي ضاقت عليه الأرض بما رحبت فقرر التحليق، سنتذكر أحمد القزاز الطالب بكلية الهندسة قسم حاسبات بجامعة بورسعيد، وعبد الله الشامي مدير مكتب غرب أفريقيا في قناة «الجزيرة»، والمحبوس على ذمة عدد من القضايا.

لقد جاء حفل التنصيب ممزوجا بالابتسامات المزيفة وتلك الرائحة العطنة المتصاعدة من هؤلاء القتلة، لقد قرروا أن الثورة انتهت، وأن الجموع من الشعب خارج الغرف المزينة، عليهم الطاعة والقبول والاستسلام للأمر الواقع، عليهم العمل والمزيد من العمل لكي يملأوا جيوب أولئك ممن انتفخت بطونهم من قوت وعرق الكادحين. جاء تنصيب السيسي ليمهد لفترة قد تكون هي الأعنف في تاريخ الثورة المصرية، عنف أصبحت فيه الدماء هي اللغة الرسمية للحوار.