من أين تأتي كل هذه الكراهية والعنف؟
خواطر فتاة في مجتمع يكرهها

لم تقم الفتاة بفعل أي شئ ليطلق على الفيديو “فضيحة”..
الفيديو هو انتهاك لها إضافة للانتهاك الوحشي غير الآدمي.. إضافة لاغتصابها وتعريتها كاملا.. إضافة للجروح والكدمات.. إضافة إلى توقف حياتها طويلا عند تلك الحادثة..
كل ما قرأته وتعلمته عن الماركسية والنسوية وأصل اضطهاد المرأة تبخر وبقى سؤال واحد: ما مصدر كل هذه الكراهية والعنف؟
المشهد يذكرنى بمجموعة من الأطفال ممسكين بجرو صغير.. يربطونه بحبل من الرقبة ويمعنون فى ضربه وتعذيبه وجره، بل ويصممون على لمس أعضائه أو جرحها بعصا خشبية، وسط استنكار واستهجان المارين.. لكن لا أحد ينهرهم أو يمنعهم..
نحن لسنا جراء صغيرة نحن بشر.. إنسان..
المرأة بشر غير كامل بالنسبة لهم أو ربما ليست بشرا على الإطلاق. التصميم البيولوجى لجسدها هو السبب، الله هو السبب. جسدها وأعضاؤها لا توحي على الإطلاق بأنها على قدم المساواة مع الرجل..
نحن مرضى كلٌ منّا يبرر أو يبحث أولا الفيديو قديم أم حديث، مؤيدة للسيسي أم مرسي..
هي بشر..
الغضب يملؤنا نحن النساء، أيضا الشعور بالعجز مؤلم والاستهانة واستباحة أجسادنا. ولكننا لا نتمنى أبدا لأى شخص أن يغتصب أو يهان أو يمر بتجربة مماثلة.. الأسوياء منا على الأقل..
ما الذى يدفع امرأة أخرى محمية في الأستوديو بأن تصرح بكل بساطة “ما الناس مبسوطة وبتهيص”؟ ما المبرر؟!
بالنسبة لنا البشر أصبحوا خطرين، التجمعات خطيرة والمواصلات وكل شئ.
الوعى مشوه، والمضطهدون ليسوا النساء فقط. كل ما هو أنثوي وغير ذكوري مضطهد ويستحق العقاب..
كل الرجال الذكوريين المحبين للنساء هم جنس أرقى.. كل من هم دون ذلك “درجة ثانية”..
الاغتصاب والتحرش لا يدور حول إشباع الرغبة أو الشهوة. يدور حول فرض السيطرة. حول القوة. إنسان يجد من هو أضعف فى نظره ليقهره ليشعر بأنه طبيعى.. ليس مطحون دائما هو طاحن أحيانا..
أتساءل الآن، ما مدى نفع العقاب اليوناني بسحق الخصيتين للمغتصب والمتحرش؟ هل سيردعه أم سيمعن ذلك فى إذلاله وبالتالى عنفه؟
كشيوعية ماركسية، أملك التحليل لهذا الحدث: الرأسمالية التي خلقت القوالب الثنائية لتحافظ على الأسرة.. تسليع المرأة وتاريخ طويل من الاضطهاد والإقصاء منذ المجتمعات الأولى..
التبريرات أيضا ناتجة عن قرون من الهيمنة الذكورية على العقول.. حتى الثوار منا والرفاق.. تأتي مثل هذه المواقف لتواجهنا بالترسبات في أعماقنا، ترسبات العنصرية والذكورية الناتجة عن طريقة تربيتنا ونشأتنا. تواجهنا بها، منّا من يدركها ويحطمها، ومنّا لا يراها ويمعن في تعليقات لا ترقى للآدمية..
ومنّا من يتمنى للمذيعة الحمقاء التعرض لموقف مشابه، على سبيل المثال لا الحصر..
أتذكر كل هذه التحليلات والقراءات وأنا فى الطريق ذاهبة إلى البيت.. تتبخر جميعها مع أول شخص يقترب ليقطع عليّ أفكاري ويهم بلمسي، لا لشئ إلا ليراني فزعة منكمشة على وشك البكاء..
فأعود وأتسائل.. لماذا كل هذه الكراهية؟ ما مصدر كل هذه الكراهية والعنف؟
الظابط الذى أخذها ليركض بها.. أين سلاحك الآن؟ لماذا لم تقتل أحد الوحوش؟ أو بالأحرى، أين التشكيلات والجيوش المجيشة التي تتحرك لتقبض على شخص واحد من بيته؟
ربما لأنهم ليسوا العدو. العدو فقط هو من يصرخ يسقط حكم العسكر، ولكن من يهتف يحيا السيسى – حتى لو كان الشيطان بعينه – لا يجوز قتله..
التبريرات والتعليقات ربما تكون هى الأقسى على الإطلاق، فالإخواني يقول أن الله ينتقم لحرائر رابعة..
حقا! تضعون الله وراء هذا!!! ينتقم مِمَّن ولِمَن؟!
والشماتة عند آخر: “أهم بتوع السيسي خلي السيسي يحميكوا”..
وآخر يقول إن هذه غلطة الأهل، كيف يسمحون بنزولها وسط هذا الحشد؟
أو حتى غلطتها هي أنها إمرأة.. هي تعرف أنها فتنة وعورة.. تعرف ذلك جيدا.. كيف تنزل على الملأ هكذا؟ ألا يكفي أننا متهاونون كفاية لنتركها حية؟
“على من يحارب الوحوش أن يحذر ألا يتحول إلى وحش هو الآخر”.