بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الثورة المضادة تصنع برلمانها

الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي ستبدأ إجراءاتها بعد أيام، يمكن اعتبارها كأحد أهم خطوات الثورة المضادة لاستكمال سيطرتها على كافة مؤسسات الدولة. فالثورة المضادة التي استطاعت الاستيلاء على السلطة في الثالث من يوليو 2013 وشرعت في وضع الدستور وانتخاب قائدها رئيسا للجمهورية، واستعادة سطوة آلة القمع وهيمنت على الإعلام والقضاء، تسعى عبر الانتخابات البرلمانية لتشكيل برلمان يضفي عليها شرعية ديمقراطية زائفة، كالتي تمتع بها وزير الدفاع قائد الثورة المضادة، ضد ثورة يناير وليس ضد الإخوان. لذا فمن المنتظر أن تشبه الانتخابات البرلمانية في نتائجها على الأقل الانتخابات الرئاسية، أي اكتساح غير مسبوق لممثلي الثورة المضادة، وفتات غير مؤثر للمعارضة الإصلاحية التي لا ترفض بشكل جذري الثورة المضادة وتكتفي بالنقد الحذر والإبقاء على جسور مع السلطة.

في هذا السياق جاء قانون انتخاب مجلس النواب بقواعد حاسمة تضمن هيمنة تحالفات الثورة المضادة دون أي مخاطرة بصعود قوى من خارجها، أو حتى وجود كتلة برلمانية تربك خطط السلطة، فقد حدد القانون عدد مقاعد البرلمان بـ 540 مقعداً يُجرى عليها الانتخاب، بالإضافة إلى 27 نائباً يمكن أن يعيّنهم رئيس الجمهورية ومن بين المقاعد الـ 540، سيتم الانتخاب بالنظام الفردي على 420 مقعداً، فيما سيجري الانتخاب على 120 مقعداً بنظام القائمة المطلقة. معنى ذلك أن معظم نواب البرلمان سيتم انتخابهم بالنظام الفردي، ما من شأنه أن يزيد من تأثير المال السياسي والرشاوى الانتخابية والنفوذ والاعتبارات العائلية والقبلية في انتخاب 80% من المقاعد البرلمانية. سيعني هذا أيضا، وهو الأهم، تراجع أهمية البرامج الانتخابية في المعركة لصالح الاعتبارات السابق ذكرها. فالانتخابات بالنظام الفردي تتحكم فيها التربيطات ونفوذ الأشخاص أكثر من البرامج المطروحة.

يمثل الانتخاب بالنظام الفردي أيضا إهدارا لصوت الأقلية، فالفوز على مقاعد الفردي يكون بالغالبية المطلقة، أي بأكثر من 50% من إجمالي الأصوات الصحيحة، ولو بصوت واحد. وبالتالي، فإذا حصل المرشح الخاسر على 49% من الأصوات، فإن هذه النسبة التي تقترب من نصف الناخبين لن يكون لها أي تمثيل في البرلمان.

ولا يختلف الأمر بالنسبة للقوائم أيضاً، ذلك أن التنافس بين القوائم سيقتصر على 120 مقعدا فقط بنسبة  20% من المقاعد المنتخبة، وستكون مقسمة على 4 دوائر على مستوى الجمهورية. وستتم هذه الانتخابات بنظام القوائم المطلقة، أي أن القائمة تفوز بالكامل إذا حصلت على أكثر من 50% من الأصوات، ما يهدر بالتالي تمثيل أصوات الأقلية حتى لو اقتربت من نصف الناخبين.

بذلك يتجه القانون بالبرلمان إلى أن يكون بصوت واحد واتجاه واحد، فمن خلال إهدار الكتل التصويتية للنسب الأقل من نسب الفوز، ستختفي أصوات المعارضة أو تكاد من البرلمان. وفي المقابل فإن القانون، عبر منحه 80% من المقاعد للنظام الفردي، سيعطي الفرصة الأكبر في الفوز ليس لأصحاب البرامج الانتخابية أو التوجهات السياسية والاجتماعية، ولكن لأصحاب الإمكانيات المادية وأصحاب النفوذ القادرين على التأثير في اتجاهات التصويت. كان نظام القوائم النسبية على أغلب مقاعد البرلمان يعطي الفرصة لوجود تنوع في البرلمان، فكل قائمة تحصل على عدد من المقاعد يتناسب مع الأصوات التي حصلت عليها، وبالتالي يكون هناك فرصة لتمثيل الأقلية بنسبتها في البرلمان.

كذلك لا يتوقف التصويت على الأشخاص وحسب، بل يكون للبرنامج الانتخابي الذي تحمله القائمة قيمة أكبر في التصويت. ولكن ما ظهر من القانون هو الاتجاه لهيمنة الثورة المضادة على البرلمان بالكامل.

وبعد، قد يعني ذلك بشكل مباشر للكثير من الثوريين أن معركة البرلمان القادمة غير مجدية. ولا يجب الاشتباك معها حتى لا نمنحها الشرعية، وبالتالي يكون الموقف الصحيح هو مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي تديرها الثورة المضادة لصالحها، وبالتأكيد سيظهر موقف آخر يعتبر أن المقاطعة ستعزل الثوريين وتحرمهم من التفاعل مع الشارع خلال المعركة، وتحرمهم من طرح رؤيتهم وبرامجهم وموقفهم من الثورة المضادة للجمهور خلال المعركة الانتخابية، وبالتالي يجب خوض تلك المعركة والاشتباك معها.

كلا الموقفين يستند بالتأكيد إلى مبررات وجيهة، ولا يمكن اعتبار أيهما صحيحا أو خاطئا بشكل مطلق. كما أن طرح موقف متعجل والتمسك به دون النظر إلى متغيرات الواقع، سيحرم الثوريين من الاستفادة من الكثير من التحولات التي تجري وتحتم تغيير في المواقف من المعارك الجارية.

يجب قبل اتخاذ موقف نهائي من الانتخابات البرلمانية حتى في ظل هذا القانون ومجمل الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية التي خلقتها الثورة المضادة النظر في بعض النقاط الحاسمة في العملية الانتخابية. أول تلك النقاط، هل ستشهد هذه المعركة إقبالا جماهيريا أم عزوف؟، بالتأكيد إذا كانت هذه المعركة ستشهد عزوفا من الجماهير بما يعني فقدان الثقة في العملية الانتخابية ككل وافتقاد البرلمان للشرعية الشعبية فالموقف الأقرب للصحة سيكون المقاطعة، أما لو ظهر أن تلك المعركة ستشهد إقبالا فمن الضروري أن يحاول الثوريون  التفاعل مع هذا الإقبال الجماهيري عبر برامجهم ومواقفهم. الأمر الثاني، هل ستمثل الانتخابات البرلمانية فرصة حقيقية للتفاعل مع الشارع أم ستدار في نفس المناخ الأمني الذي تتعرض فيه المعارضة للملاحقة والاضطهاد، ولا يُفتح المجال إلا لقوى الثورة المضادة وحلفائها؟. إذا مثلت الانتخابات فرصة حقيقية للثوريين للتفاعل مع الشارع فلا ينبغي تفويتها بالطبع، أما إذا أديرت المعركة في مناخ أمني يمنع الوجود بين الجماهير والتفاعل مع الشارع فإن رفض المعركة والتشهير بها سيكون الطريق الأمثل للثوريين.

التغيرات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أيضا لها دورا هاما. فموجة الغلاء العنيفة التي أطلقتها الموازنة العامة للدولة قبيل الانتخابات البرلمانية قد تعني فتح الطريق للدعاية الثورية خلال المعركة خاصة في المناطق الفقيرة، وقد تعني أيضا تصاعد الغضب الشعبي بما يعني إعاقة الانتخابات البرلمانية ورفضها على الصعيد الجماهيري.

ليست هذه سوى أمثلة الهدف منها توضيح أنه لا يوجد موقف مسبق صحيح بشكل مطلق من الانتخابات البرلمانية. ولكن توجد أهداف ومبادئ يمكن بناء الموقف عليها، أساسها هو الاستفادة من كل مساحة يمكن التقدم فيها من جانب الثورة في ظل هيمنة الثورة المضادة، ومحاولة التفاعل مع الجماهير بصبر في كل فرصة، وأنه في ظل غياب المعارك الكبرى التي تحول المسار فلابد من خوض كل معركة صغيرة استعدادا للمعارك الكبرى.