تعلم الصهيونية بدون معلم

“إصرار حماس على قصف إسرائيل وراء استمرار عمليات القصف على غزة”.
“العرب لم يكونوا طيبين كفاية مع اليهود في البداية، لذلك يحصل ما يحصل الآن”.
قد يظن بعض القراء أن نصا من الاثنين السابقين هما بالتأكيد لقيادي صهيوني في حزب يميني أو ما شابه، في الواقع الأول هو لرئيس حزب التجمع السابق رفعت السعيد، الذي يصفه البعض، تجاوزا، بأنه ماركسيا، أما الثاني فهو للمخرج المتحرر وودي آلان.
في وقت الحروب، وعندما تبلغ المأساة ذروتها، لا يكون هناك رفاهية للتنظير المعقد، ولا هناك رفاهية لتفسير النوايا والتسامح في الخطوط الحمراء. هناك طرفان، مُعتدِي ومُعتَدى عليه، وعلى الجميع أن يحدد موقفه، إما مع هذا أو مع ذاك.
في الواقع هناك تصور ساذج مفاده أنه المحسوبين على أصحاب القوة (سلطة، احتلال، جيش ما.. إلخ) يكونوا مستفيدين بشكل مباشر أو راضخين لابتزاز ما. كأن مثلا نقول أن فلانا يتحيز للدولة لأنه مستفيد. في الحقيقة هذا تصور كرتوني للأمر. ليس الموضوع دائما كذلك، وهذا ما تدل عليه الأمثلة أعلاه. رفعت السعيد اختار بمحض إرادته أن يصطف إلى جانب الصهاينة. لا يستطيع أحد الادعاء بأن السعيد موعود بأن يكتب اسمه على مستوطنة ما، مثلما تحول لحارس في أمن الدولة سابقا مقابل بضعة مقاعد في مجلس شورى مبارك. السعيد وضع نفسه مكان الصهاينة، ورأى جماعة من “المخربين” يختطفون بعضا من أبنائه، وحفاظا على ماء وجهه أمام “الشعب المختار”، فعليه أن يصد هذه الأعمال الإرهابية، ويدافع عن أمنه القومي، حتى لو قتل في سبيل ذلك آلاف المدنيين، وقصف المستشفيات والمدارس والمقار الإعلامية. هكذا اختار السعيد، وهو في كامل قواه العقلية، أن يكون صهيونيا سياسيا.
وفي هذا السياق يتجلى أخطر ما نشهده هذه الأيام. المسألة لا تقف عند حدود الحصار الجغرافي الذي يفرضه نظام السيسي على القطاع المقاوم، ولا حتى محاولة إضفاء الشرعية على العدوان من خلال المبادرة المصرية الأخيرة.. بل الأمر تعدى ذلك لأن يُصنع رأيا عاما مصطفا إلى جانب الصهيونية بشكل واضح.
الخلافات الأيديولوجية والسياسية مع حركة حماس، وذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، واضحة ويطول الجدال فيها، لكننا هنا لسنا في معرض البحث عن نهاية هذا الخلاف، بل بدايته.
بكلمات أخرى، أصابنا إعلام الدولة، والدائرون في دوائره بوجع الرأس في الحديث عما تريده حركة حماس.. لكن لم يقل لنا أحد من هؤلاء عما يريدونه هم. في الوقت الذي تلقي فيه “حماس” الصواريخ على المحتل، ويقتل فيه الناس في القطاع، يخرج علينا هؤلاء بالنبش عن الخلافات مع الحركة، وانتمائها للمشروع الإخواني.. يطلوا علينا بترديد نفس مصطلحات واتهامات المتحدث المخبول باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي. في الوقت الذي لا مجال فيه للتردد، اختار هؤلاء أن يكونوا في محل الهجوم على المقاوم، بترديد نفس دعايا المعتدي.. ببساطة، اختاروا أن يكونوا مدافعين عن الصهيونية.
ومن هنا، فلا عجب أن يمر حكم قضاء الثورة المضادة باعتبار “حماس” حركة إرهابية دون اعتراضات تُذكر، لتنضم مصر بذلك لنفس المعسكر الذي يضم إسرائيل نفسها.
هنا، يجدر بالذكر الإشارة لموقف “الاشتراكيين الثوريين” من الأمر. نحن لسنا في أي معسكر يشاركنا فيه الصهاينة، نحن في المعسكر المقاوم، وندعم كل من يدعمه، ونناهض كل من يناهضه. نحن نريد حل الدولة الواحدة، دولة ديموقراطية اشتراكية، لا تتحقق إلا بالمقاومة المسلحة والشعبية والثورية، وعلى هذا الدرب نلتقي مع كل من يحمل بندقية أو قلم أو لافته في وجه المحتل.