بعد مرور عام.. الكنائس المحترقة تمتلئ بالنفايات

في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي شهدت مصر موجة من أسوأ الهجمات الطائفية في تاريخها الحديث وزادت حدتها بعد الفض العنيف لاعتصامي النهضة والرابعة. بعد أسابيع من التحريض وخطاب الكراهية البغيض ضد الأقباط على منصة رابعة، انطلق أنصار الرئيس السابق لينتقموا من الأقباط الذين كانوا السبب في رأيهم في عزل الرئيس بقيادة بابا الكنيسة.
هوجمت الكنائس والمدارس ودور الأيتام والممتلكات والجمعيات القبطية في أنحاء مصر وبخاصة في الصعيد لما يقارب الثلاثة أشهر في وسط غياب تام للأمن واستغاثات من الأقباط في وسائل الإعلام ولكن دون جدوى.
تعهدت القوات المسلحة في منتصف شهر أغسطس 2013 بإعادة بناء الكنائس المحروقة والتي وصلت بحسب تقديرات إلى 60 كنيسة. فماذا حدث بعد مرور عام؟
يظهر كاهن كنيسة “الراعي الصالح” والتي أنُشئت في عام 1830 بالسويس في أحد التسجيلات مع وكالة رويترز بتاريخ 15 اغسطس 2014 ليقول: “هذا هو حال الكنيسة بعد سنة بأكلمها.. في الزبالة”، قالها وهو يشير إلى كومة مخلفات تجمعت داخل الكنيسة، ثم يكمل قائلاً: “سمعنا أن الفريق السيسي أمر بترميم وبناء الكنائس.. لكن لحد دلوقتي مفيش أي خطوة عملية ولا في أي اتصال بيني ومابين أي جهة”.
في المنيا، والتي شهدت الموجة الأسوأ من الهجمات، وضعت الجيش لافتة تشير لأن أعمال الترميم في كنيسة “الأمير تدرس” ستنتهي في 30 يونيو 2014 وهو مالم يحدث حتى الآن بحسب تقرير لجريدة الشروق. تضيف الجريدة أيضاً أنه لا يوجد جدول زمني محدد للانتهاء من أعمال الترميم.
بجانب الكنائس، فالكثير من الأقباط لم يتم تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، أو في أحسن الأحوال وبعد نشر مشكلاتهم في الإعلام، حصلوا على مبالغ ضئيلة جداً مقارنةً بما خسروا في أعمال النهب والتخريب. البعض لم يتمكن أصلا من العودة وقت الانتخابات إلى قراهم حتى يتمكنوا من التصويت خوفاً من الإسلاميين بحسب التقرير.
تقديرات أخرى ترى أن ما تم إعادة بناؤه يمثل أقل من 10% من الكنائس، بحسب وكالة أونا.
في الأسبوع الماضي استقبل السيسي البابا تواضروس وممثلين للكنائس المصرية. أثناء المقابلة طالب البابا السيسي باستكمال أعمال الترميم والبناء مما يوحي بإحساس الكنائس أن عملية الترميم لا تسير على ما يرام.
في أثناء الهجمات على الكنائس في العام الماضي، عرض الجيش المصري على الصحفيين الأجانب أن يقلهم في جولة بالطائرات الهليكوبتر ليشاهدوا الحرق والتخريب ويقدموا تقريرهم بحسب مات برادلي مراسل جريدة وول ستريت جورنال. الجميع آنذاك تعجب بالطبع من اهتمام الجيش بتسخير قواته لنقل الصحفيين بدلاً من التدخل لحماية الكنائس، فيما بدا أنه محاولة لاستغلال هجمات الإسلاميين على الأقباط للتغطية على أخبار القتل والقبض العشوائي من قبل قوات الشرطة.
لازلنا نتذكر استغاثات أقباط دلجا في وسائل الإعلام حتى تتحرك قوات الشرطة أو الجيش لحمايتهم. وبالرغم من تمكن مراسلين أجانب من الوصول هناك ونقل الوضع الكارثي وتأكيد استغاثات الأقباط، إلا أن قوات الأمن انتظرت مرور حوالي شهران ونصف حتى تتدخل في دلجا بعد أن سيطر عليها إسلاميون متطرفون وهاجموا ممتلكات الأقباط وأجبروا بعضهم على ترك منازلهم والبعض الآخر على دفع جزية مقابل بقائهم.
تاريخياً، للدولة المصرية تاريخ طويل في التمييز والتواطؤ، سواء بالصمت أو بالمشاركة، في زيادة معاناة الأقباط، فمنذ ثورة 1952 لم تشهد مصر رئيس وزراء مسيحي أو وزير دفاع أو داخلية، فضلاً عن التمييز داخل أجهزة الدولة والمناصب الحساسة في الأجهزة السيادية بجانب الجامعات والمناصب القيادية في المحافظات.
كلنا نتذكر، على سبيل المثال، كيف صمتت الدولة على الاعتداءات على الأقباط في الكشح بمحافطة سوهاج في آواخر التسعينات مما أدى إلى مقتل 19 قبطي، وتم تبرئة أغلب المتهمين وإصدار أحكام مخففة بحق 4 آخرين بل واتهام رجال الدين مسيحيين بالتورط في العنف، أو في الإسكندرية بعد عرض أحد الكنائس مسرحية تتحدث عن تحول أحد المسيحيين للإسلام، حيث قام متطرفين بمحاصرة الكنيسة لأيام تحت مسمع ومرأى الأمن.
لازلنا نتذكر كيف صعد خطاب ديني متطرف في السبعينات قادم من صحراء الخليج بدون تدخل من الدولة، بل على العكس حدث هذا مع موجه من الإفراج عن المتطرفين في صفقة سياسية للقضاء على اليساريين والشيوعيين. ومع تصاعد حدة تطرف الخطاب الديني وقفت الدولة صامته تستغل إنتشار الكراهية لتجبر الأقباط على التمسك بالنظام السياسي وتخيفهم من أي محاولة للتغيير ولتظهر بصورة البطل الذي يحميهم من التطرف. وحين قاوم بعض الأقباط محاولة تحجيمهم داخل الكنيسة وخرجوا ضد الدولة مطالبين بحقوقهم قامت بمجرزة ضدهم في ماسبيرو في أكتوبر 2011.
ما لا يبعث على الأمل هو ما قاله السيسي في مقابلة قبل انتخابه رداً عن التمييز الواقع ضد الأقباط داخل الجيش، فكان رده هو النفي القاطع والصريح لأي تمييز على عكس الحقيقة بالطبع. ومع تقديسه الواضح لأجهزة الدولة الذي وصل إلى مطالبته بعدم استخدام كلمة “تطهير” في مواجهة الفساد لأنه تعبير “مؤذي” لهذه المؤسسات، لا يبدو أننا أمام رئيس يرى أن هناك مشكلة في التمييز ضد الاقباط في هذه المؤسسات التي لا تحتاج لتطهير على حد قوله.
مر عام بالكمال والتمام في خلاله تلقى النظام المصري أكثر من 20 مليار دولار مساعدات خليجية منذ يوليو 2013 بحسب السيسي وفيما يبدو، لم يتم تخصيص أي قدر منها إلى عمليات الترميم أو تعويض ضحايا الهجمات. في الوقت ذاته تستعد الحكومة المصرية لاستقبال 12 مليار دولار آخرين من الخليج بدءاً من أكتوبر القادم سيتم توجيههم إلي مشروعات متعددة ليس من بينها أيضا مشروع ترميم الكنائس.
يمكننا الآن أن نضيف “المتاجرة بآلام الأقباط” و”عدم الإيفاء بالعهود” إلي قائمة إخفاقات وجرائم الدولة المصرية في ملف الأقباط إلى جانب “التمييز” و”التواطؤ بعدم حمايتهم”.
-روابط تم الإشارة إليها:
راعي كنيسة السويس يتحدث عن أعمال الترميم التي لم تبدأ: http://youtu.be/E1clu1GPFzo
تقرير جريدة الشروق: http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=08082014&id=1dd1f591-3d51-4ab6-b27d-a18eb6e09b5f
تقرير وكالة أونا: http://onaeg.com/?p=1845430
مقابلة البابا والسيسي: http://alhayat.com/Articles/4013862
الجيش يعرض على صحفيين أجانب مشاهدة حرائق الكنائس من الهيليكوبتر: https://twitter.com/MattMcBradley/status/369465013351616514
السيسي ينفي وجود تمييز ضد الأقباط في الجيش: http://youtu.be/k01QuZxjWWg
السيسي: مساعدات الخليج لمصر أكثر من 20 مليار دولار: http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0DN0B820140507
أموال الخليج تتدفق على القاهرة في أكتوبر: http://www.almasryalyoum.com/news/details/501712#