السيسي وإعلامه: مرحبا بكم فى كوريا الشمالية

لستُ مصدومًا في “بيان المبايعة” الذي أصدره نقيب الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة، في 26 أكتوبر الماضي، المُعلن فيه التفويض الإعلامي للدولة في حربها ضد الإرهاب؛ فهولاء الموقعون أدناه، وهم معروفون بالاسم للجميع، لم يتفوهوا بكلمة واحدة في حضرة الواصي الأعظم عبد الفتاح السيسي عندما طالبهم في أحد لقاءاته معهم، أن يحتذوا بالنموذج الكوري الشمالي في مساندة الإعلام للدولة.
ما كشفته كواليس اللقاءات التي جمعت الرئيس بالسادة الإعلاميين، لم تكشفه البيانات والتقارير التي تصاغ فور كل اجتماع وتحجز لصاحبها مانشيت اليوم في جريدته، فالرجل استغل تهافتهم على الجلوس في حضرته في كل لقاء ليباغتهم بمقولة كشفت عن نواياه تجاه المنظومة الإعلامية بأسرها حين قال “أريدكم أن تنظروا لشكل الإعلام في كوريا الشمالية، كيف يساند الدولة في معاركها ولا يسعى لتشويهها”.
“النقابة ستتبنى وضع خطة إعلامية، وتحديد خطاب إعلامى خلال الفترة المقبلة لمواجهة الإرهاب”، هذا ما خلص إليه لقاء رؤساء التحرير على لسان نقيبهم ضياء رشوان، في وقت يسود اتجاه عام داخل أروقة نظام الحكم بتسييد الصوت الواحد بذريعة “مصر تحارب الإرهاب”، وهو التجسيد الحي لما قاله السيسي بحاجته للإعلام الشمولي الذي يساند الدولة ضاربًا المثل بقوله “أنا عايزكم معايا زي ما كان الإعلام مع عبد الناصر”.
السيسي يعي جيدًا القيمة الجوهرية للإعلام التي أسقطها سابقه محمد مرسي من حساباته طوال عام حكمه، فالأول يعطي لك انطباعًا أنه يتصفح الجرائد المحلية والعالمية بشكل متعمق وأكثر تحليلًا، يلفت انتباهه عنوان صحفي يسخر من أزمة الكهرباء “الحكومة منوّرة” ويبدي استياءه من تناول الجرائد لأغراض زيارة البشير الأخيرة، بعكس الأخير الذي فقد قنوات التواصل مع كافة الوسائل الإعلامية باستثناء التي كانت تقف على مسافات متساوية بين جماعته ومعارضيها.
الخطاب الواحد الذي يريده السيسي ونظام حكمه لا يفرق بين موالٍ ومعارض بشرطة، فالجميع أمام كفة ميزانه سواء، ولعل ما حدث مؤخرًا مع الإعلاميين محمود سعد ووائل الإبراشي من تعطيل الإرسال ومنع الظهور، خير دليل على تطبيق الدولة لسياسة الصوت الواحد.
فرغم أنهما ممن يتخذون “الحرب مع الإرهاب” شعارًا لحلقاتهما على قناتي دريم والنهار اللتين لا تخلوان من شعارات “وحد صفك.. الإرهاب في وشك”، إلا أنهما نالا جزاء كثيرين ممن رفضوا أن يسبحوا في فلك النظام أمثال يسري فودة وريم ماجد وباسم يوسف الذين لم يجدوا بُدًا من الاستمرار تحت وطأة الحرب الزائفة على الإرهاب وتنحية حقوق الإنسان جانبًا ولأجل مفتوح.
إذا كان السيسي قد أعلن في آخر خطبته التي أعقبت حادث “كرم القواديس”، الذي راح ضحيته 30 مجندًا، أن الدولة تخوض الآن “معركة وجود” ضمن مخطط إسقاط مصر بتفكيك جيشها، فإن الإعلاميين الخاضعين لإملاءات النظام يخوضون أيضًا حربًا من نوع خاص وهي “حرب البقاء في المناصب”، فاستمرار السيسي يعني استمرارهم في مناصبهم طالما لم يخرجوا عن العهد الضمني بالمساندة في حربه.
فرؤساء التحرير الذين بادروا من تلقاء أنفسهم لمساندة الدولة في كل كليلة باستدعاء غير مكتوب من النظام، كتبوا على مؤسساتهم الصحفية العمل في كنف النظام طوال فترة الحكم، فلا أحد سيجرؤ فيهم على استعراض مهارات قلمه ضد النظام إلا في حدود المتاح والمتفق عليه، وهم يرون في ذلك أكثر أمنًا لهم؛ لأنهم يعلمون جيدًا أن بقاءهم سيكون مرتبطًا بعمر النظام فقط، وإذا سقط فلن يكون وجودهم مرغوبًا فيه من رؤساء مجالس إدارتهم الذين يعولون عليهم في قيادة سفينة التفويض فقط.
شعارات الحرب على الإرهاب – وإن كانت فرصة استمرارها إعلاميًا أوفر حظًا – فهي لن تستمر طويلًا في ظل ارتجالية الرئيس السيسي، وقرارته الأخيرة التي اعتبرت الدولة منشأة عسكرية ملكًا للجيش، ستزيد من دائرة الخناق حول عنق نظامه.
وللتذكرة، إرهاصات ثورة 25 يناير خرجت من رحم الإعلام البديل من جمهورالإنترنت، وليس من الجرائد الحزبية او الخاصة التي تتطوع حاليًا لتفويض النظام، فمن يمتلك حسابًا على فيسبوك أصبح لديه قدرة تفوق ما يتباهى به صاحب العمود المزيف في الجريدة الورقية.