بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

يومان لإخلاء منزلك ومتاعك قبل أن يقصفوا دارك

تفجير منازل أهالي رفح المصرية المهجّرين قسرًا
تفجير منازل أهالي رفح المصرية المهجّرين قسرًا

هذا هو نص بيان الإخلاء الموجه لأكثر من 680 منزل من منازل قاطني مدينة رفح المصرية على الشريط الحدودي الشرقي لتبدأ بذلك حلقة أخرى من حلقات مسلسل تغريب أهالي سيناء داخل بلادهم أكثر وأكثر..

لم يكن التهجير سوى حلقة ليست هي الأبرز في تلك المؤامرة العنصرية تجاه فصيل شعبي أقل ما يوصف أنه أكثر الفصائل تمسكهم بكونهم جزء من شعب مناضل، فطوال العقود الماضية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد الخائنة وعودة سيناء مرة أخرى إلى داخل الخريطة الجغرافية لمصر، لم يحظى أهالي سيناء من الدولة المصرية بشئ سوى الوعود بالتنمية والمتزامنة دومًا مع القبضة الأمنية والتعتيم على القضية السيناوية والتشويه لصورة أهالي سيناء وتصويرهم بالهمجية والجهل المفرط، بل ومعاملتهم كطبقة دنيا من طبقات المجتمع المصري مع سلبهم حقوق المواطنة والتملك لأراضيهم.

وعلى تباع ذلك يتزامن أيضاً غياب الخدمات الاساسية وعدم وجود بنية تحتية تناسب حياة آدمية بداية، بمياه النيل التي تقصرها الدولة على سكان الوادي النيل وإقليم القناة وتستأثرها بعيداً عن أهالي سيناء، مروراً بالخدمات الصحية والمؤسسات العلاجية التي لا تصلح سوا مكاناً لراغبي الموت نتيجة لعدم توافر الإمكانيات الصحية أو الرقابة على تلك المؤسسات، حالها مثل حال قوات الدفاع المدني التي لم تحرك ساكنا عند حدوث السيل في 2010 تاركة بذلك مئات الملايين من الجنيهات المصروفة على المنشآت الحكومية ومنازل الأهالي تذهب لتصرف مع مياة الأمطار في البحر دون أدنى تحرك للدولة، نهاية بالمؤسسات الأمنية الغائبة عن الظهور إلا لقمع المواطنين بدلاً من أداء دورها الرئيسي المنوطة به وهو حمايتهم كما ينص دستور الطبقة الحاكمة المكتوب.

عقود من العنصرية والإهمال والتجاهل وتعمد التشويه يصل إلى الجريمة في حق أجيال من فصيل كافح من أجل حريته من محتل صهيوني لطالما حاول استمالته، فصيل لطالما تمسك بكونه شريكا في الحياة والحرية مع كافة المصريين.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد قيام ثورة 25 يناير وبعد أن استطاع ذلك الفصيل أن يتنفس حريته مثل باقي طوائف الشعب ويظهر على شاشات التلفزيون وإعلان قضيته وظلم الدولة له طوال العقود الماضية وإجرامها في حقه، لم يلق شئ من مؤسسات الدولة غير وعود أخرى بالتنمية لا تمت للواقع بصلة في نفس الوقت الذي تحاسبه فيه الدولة على فشلها في تأمين أجهزهتها الأمنية بدلا من حمايته. فاتفاقية كامب ديفيد التي تعطي الجانب الصهيوني تفوقا كليا من حيث نوع القوات وأعدادها تعطي أيضًا تفوقاً لأي فصيل إرهابي مسلح في المنطقة، الشئ الذي جعل شمال سيناء مرتعاً لتجار البشر المهربين من أفريقيا لدولة الكيان الصهيوني ولتجارة السلاح والمخدرات والأعضاء البشرية، وهو الأمر الذي كان يتم تحت موافقة الأجهة الأمنية التي تقبض نظيره مرتبات لمجرد وجودها.

ثلاث عقود من الإهمال الامني والتضييق السياسي أبرزتها 25 يناير كما أبرزت وكشفت الخمارعن مشاكل عميقة في المجتمع المصري و لكن بدلا من محاسبة المجرم الحقيقي على التخاذل والتواطؤ في حماية قواتها والمواطنين قررت الدولة في عهدي المخلوعين محمد مرسي ومحمد حسني مبارك – مرورا بالمجلس العسكري – أن تحمل المواطنين ثمن أخطائها بدلا من تعويضهم.

لم تكتفي الدولة بكل ما عانوه بل وفضلاً عن ذلك اخترعت مصطلحاً يبرر قبضة الأمنية المتزايدة في السنتين الماضيتين ألا وهو “الظروف الاستثنائية”، والمتمثلة في حالة طوارئ دائمة تتطلب قطعا لشبكات المحمول المصرية وشبكات الإنترنت وإغلاق كوبري السلام وإيقاف سلع استهلاكية وحظر ليلي لفترات طويلة وقبضة أمنية محكمة نتج عنها وجود 16 ألف معتقل سيناوي في سجون العسكرية – أغلبهم دون تهم أو دليل أو بأدلة ملفق – بالإضافة لقصف لمنازل الآمنين وحرق مزارع الزيتون بدعاوي أمنية لقربها من كمائن أجهزة الأمن، ليكون أمرًا غير مكتوب بالتهجير بعد عقود من التضييق الأمني والسياسي والاقتصادي. ولكن بالرغم من ذلك ظل أهالي سيناء متمسكين بكونهم جزء من شعب مصر، متحملين اتهامات إعلام الدولة بالخيانة.

إن طبيعة ما يعيشه أهالي سيناء من تضييق أمني وحملات اعتقالات واسعة يشنها النظام قد يكون هو أبرز الأسباب وراء وجود “بعض” المتطرفين إن لم يكن هو السبب الأوحد لوجود فكر متطرف مُصنّع محلياً لدى جهاز أمن الدولة، نظراً لما عانوه في السجون والمعتقلات دون دليل أو ذنب منطقي سوى أنهم ولدوا في سيناء المغضوب عليها من قبل الدولة. وبالرغم من ذلك نجد أن منفذ عميلة القواديس التي استشهد على أثرها 25 فرد من القوات المسلحة هو هشام العشماوي ظابط الصاعقة السابق متهم في مذبحة الفرافرة.

إن استمرار معاناة السيناوية اليوم ليس اختياراً بل أمر واقع مفروض على النظام لتكون لتلك الحرب المزعومة على الإرهاب ما تستمد منه المبررات التي تشرع قضبة الدولة الأمنية المنطلقة في جامعات وميادين مصر، وخصوصا بعد الإحراج الذي تلقته المؤسسة العسكرية بعد فشلها في بسط قوتها وحماية مواقعها، فتشن المؤسسة العسكرية اليوم حرباً كاملة على الأهالي بصورة أبشع مما مضى، لتقوم بعمليات تهجير حرفي لبيوت أهالي رفح المصرية بدعوى وجود الأنفاق التي أنشئت تحت عيون وإشراف دولة مبارك عندما كان السيسي رئيسا لجهاز المخابرات الحربية، ولتبدأ بالفعل بتهجير سكان 680 منزل على الشريط الحدودي لـ 13.5 كيلومتر من الساحل حتى حي كرم أبو سالم بعمق 500 متر كبداية!

“خد 300 جنيه وشوفلك شقة مفروش لحد ما ندرس وضعك”.
هكذا صرح أحد الظباط المشرفين على عملية الترحيل القسرية لأحد أصحاب المنازل المطالبين بأخلاء ديارهم في أقل من 48 ساعة، قبل أن يتواجد الطيران المصري برفح لأول مرة منذ تمرير معاهدة كامب ديفيد ليقصف منازل مواطني رفح المصريين! مع وعود بتعويض المتضررين من التهجير بـ 900 جنيه نظير بدل تأجير بدل سكن بواقع 300 جنيه شهريا بمدينة العريش، بتعويضات مستقبلية بـ1200 للمتر المسلح الواحد و900 كتعويض لمتر الحوائط الساندة.

ولم يكن ذلك آخر تصريح مستفز من جانب الدولة، فقد صرح محافظ شمال سيناء أن قرار إخلاء 500 متر غير نهائي بعد اكتشاف نفق بعمق 1700 متر داخل العمق المصري، ليقضي على آمال باقي أهالي المدينة بالبقاء في أرضهم وحياتهم مسببًا هلعًا شاملًا لأهالي رفح المصرية، حتى من لم يتم حصر منزله ضمن العمق المقرر إخلاؤه، ليخرجوا بعد نفاذ صبرهم تاركين بلدتهم نازحين نحو مستقبل غير معلوم هروباً من تعسف أمني مستمر طوال ثلاث سنوات.

وما لا يدريه أي مشاهد بعيد عن الموقف، فإن أهالي سيناء أيضاً لا يفطنون بعد ماذا تريد الدولة منهم.. ديار تُهدم وبيوت تُقصف ومزارع تُحرق هو جزاء أبناء سيناء المناضلين الذين طالما رفضوا استمالتهم من العدو الصهيوني في عهد الاحتلال، والتي لم تقدر الدولة جهود ثباتهم كعنصر أساسي من الشعب المصري في وجه معتدٍ خارجي بل وعاقبتهم طوال عقود على انسحابها في 67 وفشلها في حمايتهم كمواطنين مصريين، كما تحاسبهم الآن على فشلها في حماية قواتها المتواجدة في شمال سيناء. لتضرب الدولة المصرية مثلاً في صناعة هي الأبرز في مصر: صناعة الإرهابيين والأرهاب التي يدفع ثمنها الجنود والمواطنين السيناوية.