ملامح من الذكورية

“بنت دكر بمية راجل”..
“ابن وس**”..
“ابن مَرَه”..
البنت الجدعة مقياس جدعنتها الرجولة..
“بنت آه بس دكر”..
هذا الرجل شخص سيء،هو ذكر، ولذلك لا يعيبه أى شئ غير أن أمه إمرأة سيئة.
أباك امرأة..
الثقافة المصرية تخبرنا بوضوح أن المرأة ﻻ ترتقي لتساوي الرجل، مهما فعلت ومهما حققت، سيظل الرجل رجلا، والمرأة مجرد مرأة.
يظهر هذا التقسيم وهذه التفرقة الفجة في كل نواحي الحياة، في الجامعة وفي العمل وفي الشارع، تنتمي لأي طبقة كانت أو ثقافة، ستجد هذه الأفكار متغلغلة حتى العظم.
الشعب المصري الوسطي الجميل يدعي أنه يكرم المرأة، بإبعادها عن شتى المجالات! “المرأة مكانها البيت مش الشارع، عشان تتهنى وتتستت”!!
أي هراء هذا؟!
هذا التقسيم الفج ظهر أيضا منذ أربع سنوات تحت العنوان السخيف “دور المرأة في الثورة”!
ياللهول، خرجت المرأة من البيت! دعونا نحتفي بوجودها الجميل وسطنا.
ولكن وسطنا فقط، لا يمكن أن تكون أمامنا، أو معنا في الصفوف الأولى.. “البنات يرجعوا ورا يا جماعة”، “مش عاوزينكوا تتبهدلوا”.
عزيزي “الشهم” اﻷحمق: إحنا بنتبهدل عادي على فكرة!
نسجن ونغتصب، ويتم تعريتنا، وتهشم عظامنا بالهراوات مثلكم تماما!
يمارس ضدنا عنف ممنهج كل دقيقة وكل يوم.. اتركوا لنا حرية الاختيار! دعونا نقوم بالعمل “المقصور على الرجال” مرة!
ولما كانت المرأة عظيمة ومكرمة هكذا، لماذا كل الألفاظ الذكورية والشتائم لا تعرف سبة لا تتضمن أمك وأختك وأعضائهن التناسلية وحياتهن الجنسية؟
حاولت تكرارا أن أفهم ماذا يقصد شخص ما عندما يسب أحدهم ويصف أبيه بأنه إمرأة! أيفهم أحدكم ليوضح لي؟ ما هي الإهانة والشيء البشع في أن تكون إمرأة؟ لماذا أيضا لا يوصف الرجال بالعهر مثلا؟!
تسير عاداتنا وتقاليدنا على نفس النهج. مكان المرأة سجنها الجميل – البيت، ومكان الرجل أي أرض يشاء.. يحق للرجال الخروج يوميا والبقاء خارج منزله حتى وقت متأخر، الفتيات “ما يصحش”.
معظمنا سمع جمل كثيرة مثل: “عيب البنت ترجع بيتها متأخر”، “الناس ف الشارع يقولوا إيه”، “لما واحد ييجي يخطبك نقوله إيه.. طول النهار ف الشارع”؟ “أنا عاوزة اللي ييجي يتقدملك أقوله بنتى متربية فى البيت”..
وكثير من هذا الهراء غير المفهوم.
“شعر البنت تاجها ماينفعش يتقص” و”تصبغي شعرك؟! لما تبقي تتخطبي”.
حياتنا توقفت بالكامل انتظارا للفارس الذي سينتشلنا من جهنم، على الأرجح ليضعنا في جهنم أخرى.
عاداتنا وتقاليدنا تجهزنا من الدقيقة التي نولد فيها ناقصين قضيب – ياللعار – لشئ واحد فقط: الزواج، والرجل الذي سيختار من سوق الجواري إمرأة لمتعته وخدمته، وليضعها في سجن جميل “متشطب سوبر لوكس” و”يستتها”، وتبدأ دورة حياة أمها و جدتها من جديد بين المطبخ والغسيل والأطفال..
المجتمع يرجم كل من تحيد – ومن يحيد – عن هذا الخط، حتى وإن كانت أعدادهن\م في ازدياد.. يرفضهن ويلفظهن كل يوم وكل دقيقة.
حتى مجتمع التقدميين والثوريين لم يسلمن منه.. حتى من يعرفون جيدا المعاناة التي نعيشها والتفرقة ضدنا والظلم بإسم الثقافة والعادات والتقاليد يتبعون نفس النهج.
خرج مبارك ببراءة فتتغير صورة ‘بروفايل’ كثير من “الثوريين” لصورة للمخلوع مكتوب عليها “** أمك يا مبارك”!!
هذه المواقف مؤلمة ومخزية أكثر من أي شيء آخر.. من المفترض أنكم تناضلون معنا ضد الاضطهاد والذكورية، وتعرفون أهمية أن نتوقف عن هذا النوع من السباب!
أحقا تناضلون ضد الاضطهاد والذكورية؟؟
باستخدامنا لهذا السباب، نساهم فى إعادة إنتاج الذكورية وترسيخها فى المجتمع بدلا من التصدى لها ومحاربتها.
على قدر ما نكره مبارك لكن أعزائي يجب أن نعترف بأن أعضاء أمه التناسلية ليست لها أي ذنب في جرائمه من قريب أو بعيد..
تتوالى هزائمنا علي أيديكم رفاقي.. مازلنا نجد من يقولون: “مش وقته كلام نسوي! لنراعي وعي الطبقات التي نشتبك معها في نضالها”!
كفى مبررات وأعذار..
كرفاق وأصدقاء وأحباء، متى سيكون الوقت الملائم إذا لنربيهم ونربى أنفسنا على لفظ الثقافة القذرة المتأصلة فى كل منا!
إذا لم يواجه كل منا الرواسب الرجعية بداخله، ستظل تعيقه وتشوه كل ما يحاول فعله.. كل النضالات التى نشتبك معها وكل مواقفنا.. وكل كلمة ومقالة ونقاش..
ناهيك عن الحفاظ على انحطاط وعي الطبقات التي نشتبك معها،.. هي خيانة للنضال وبحسن نية.. هي خيانة منا لمصالحهم الحقيقية..
يجب أن نعترف أيضا أن اللغة ضاقت علينا بما رحبت..
اللغة ليست مجرد انعكاس مباشر لنا وتعبير عن أفكارنا.. كلامنا يحمل عنفا جنسيا وإهانات، ليست للمرأة فقط ولكن لكل ما هو ليس بنموذج الرجل “الدكر” الذي يريده المجتمع..
كلامنا حاضن لأفكار معينة تراكمت وترسخت عبر عقود من الاضطهاد الطبقي.. ولن تنهار وحدها لمجرد حدوث تغيرات اجتماعية أو لأننا توقفنا عن التفكير بهذه الطريقة.
ولكننا “نفسنا نشتم بس منعرفش شتايم مش ذكورية”!
دعونا إذا نبتكر سبابا جديدا.. دعونا نطوع اللغة لتحمل أفكارنا نحن.. دعونا نزيل تقسيم الضمائر فلا أكون هي ولا يكون هو بل نكون نحن، وبغض النظر عن عددنا..
الفكرة ليست مجنونة ولا تحتاج بالطبع الانتظار حتى يتحقق المجتمع الاشتراكى، بل هي معركة ممكنة تماما، بل واجبة، مثلما تغيرت اللغة الألمانية مؤخرا لتلغي تقسيم الضمائر وتستخدم ضمائر موحدة لكل الاشكال الإنسانية والهويات.
أذكر هذا كمثال.. المعارك كثيرة، فهل تمدون أيديكم معنا؟