بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

حصاد قضاء الثورة المضادة

القضاء المصري الفاسد

بعد انقلاب 3 يوليو 2013 أحرز القضاء المصري العديد من النقاط في منافسته مع الشرطة على لعب دور الأقذر أو “رأس حربة الثورة المضادة في مصر”؛ فقد كشر القضاء عن وجهه الصريح كمؤسسة من مؤسسات الدولة في مصر يتمحور دورها الأساسي حول حماية الدولة الطبقية التي تمارس الاستبداد والاستغلال ضد ملايين المصريين من أجل حفنة صغيرة من رجال السلطة ورجال الأعمال تمثل الطبقة الحاكمة في مصر.

لم يختلف دور القضاء المصري كثيرا في السنوات الأخيرة ولكن ما اختلف بعد الانقلاب هو وضوح دوره كأداة هامة إن لم تكن الأداة الأهم في يد الثورة المضادة للإجهاز على الثورة المصرية بسبب تكثيف أحكامه وقراراته المشينة؛ فتسارعت وتيرة البراءات وقرارات إخلاء السبيل لرموز نظام مبارك الذي قامت ضده الثورة بل امتدت لمبارك نفسه ونجليه كما شملت وزراءه وقيادات الداخلية وضباط الشرطة قتلة المتظاهرين؛ فلم تكفِ جرائم الفساد والاستبداد وقتل المتظاهرين التي قام بها هؤلاء المجرمين حتى يحكم القضاة عليهم أحكاما تتناسب مع جرائمهم السياسية والشخصية في حق الشعب المصري وأفراده.

ولاستكمال دوره في حماية النظام لعب القضاء المصري دورا كبيرا في التنكيل بمعارضي سلطة الثورة المضادة في مصر بمختلف اتجاهاتهم السياسية؛ فأصدر ضدهم أحكاما بالسجن طويل المدة بتهم ملفقة مثل تكدير السلم العام وقطع الطريق أو تهم لا تستوجب العقوبة لمخالفاتها لأبسط قواعد حقوق الإنسان بل لمخالفتها لدستور الدولة نفسه مثل خرق قانون التظاهر القمعي والتجمهر وهي التهم التي اعتاد النظام حبس معارضيه بها، وبجانب الذين صدر ضدهم الأحكام بالحبس من معارضي النظام هناك الآلاف الذين تم حبسهم احتياطيا على ذمة قضايا سياسية لشهور طويلة دون وجود أية أدلة حقيقية تدينهم سوى تحريات المباحث أو تحريات الامن الوطني (الاسم الجديد لأمن الدولة) تلك الأجهزة القذرة التي هي خصم تقليدي لمعارضي النظام ليتخطى عدد من تم حبسهم احتياطيا أو الحكم عليهم بالسجن خلال فترة ما بعد الانقلاب الخمسين ألف معتقلا منهم أسماء معروفة من رموز ثورة يناير مثل علاء عبدالفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة وماهينور المصري ولؤي القهوجي.

وقد وصلت “بجاحة” القضاء المصري أن قام أحد القضاة وهو سعيد يوسف صبري الملقب بقاضي إعدامات المنيا بإصدار أحكام إعدامات جماعية في حق أكثر من 1200 شخص من معارضي النظام في قضيتين فقط وبالتأكيد ليست هذه أحكام الإعدام الوحيدة المسيسة خلال الفترة الماضية!

وبجانب الأحكام المسيسة الفجة فقد قام قضاة السلطة بالعديد من المخالفات الإجرائية الأكثر فجاجة والتي توضح مدى انحيازهم للنظام بشكل قذر، مثلما حدث في قضية وقفة مجلس الشورى عندما وافق القاضي على إجراء المحاكمة في معهد أمناء الشرطة رغم أن الشرطة طرف في القضية وقام بغض الطرف عن منع الشرطة لعلاء عبدالفتاح ووائل متولي وحمادة نوبي من الدخول فحكم عليهم غيابيا بالسجن 15 عاما فقبضت عليهم الشرطة من أمام أبواب مكان المحاكمة فور صدور الحكم الغيابي الذي ينم عن تواطؤ قذر بين القاضي والداخلية حتى في إجراءات المحاكمة فما بالنا بالأحكام! المثال الآخر وفي نفس القضية هو فضيحة القضاء المصري عندما سمح نفس القاضي لممثل النيابة دون اتخاذ أي موقف ضده بعرض فيديو شخصي لعائلة علاء عبدالفتاح وعندما تحولت القضية لقضية رأي عام وتصدرت مانشتات فضيحة القضاء المصري للصحف العالمية تنحى القاضي في الجلسة التالية وأحال وكيل النيابة للنيابة!

ولا يكتفي قضاة السلطة بالقتل والشروع فيه من خلال أحكام الإعدام المسيسة ضد معارضي النظام بل يشرعون في القتل بأساليب قذرة أخرى مثلما حدث من القاضي المجرم محمد ناجي شحاتة الذي رفض نقل أحمد دومة المضرب عن الطعام وقتها من السجن للمستشفى عندما تدهورت صحته في شهر أكتوبر الماضي ولم يستجب للطلب سوى بعد يومين عندما تحولت قضية حياة دومة المهددة لقضية رأي عام، وهو نفس القاضي أيضا الذي يستمر في تأجيل قضية محمد سلطان المضرب عن الطعام منذ أكثر من عام ويرفض الإفراج الصحي عنه معرضا حياته لخطر محدق.

ولا يقتصر قمع القضاء المصري على النشطاء السياسيين ومعارضي النظام بل امتد دوره هو والنيابة العامة إلى العمال الكادحين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة من خلال الإضراب أو الاعتصام في شركاتهم ومحال عملهم، فخلال العام الماضي تم حبس العديد من العمال والموظفين مثل موظفي البريد وعمال شركة شبكات ناتجاس في الإسكندرية لمطالبتهم بحقوقهم من إداراتهم، بل وصل الأمر أن تفاوض محافظ الإسكندرية اللواء طارق المهدي مع العمال ليفضوا اعتصامهم مقابل أن يخلي سبيل زملائهم وهو ما كان بالفعل؛ ليعطي هذا مثالا بسيطا على إحدى الجهات التي تعطي للقضاة ولوكلاء النيابة أوامرا بحبس أو إخلاء سبيل من يريد النظام.

ولم تكن هذه حالة التدخل الوحيدة من النظام في أحكام القضاء،؛ فملايين المصريين قد استمعوا خلال الفترة الماضية إلى أحد تسريبات مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل وهو التسريب الخاص بكالمته مع اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية يطلب منه فيه التدخل لتبرئة ضابط الشرطة المجرم إسلام عبدالفتاح حلمي ابن زميلهما عبدالفتاح حلمي ضابط الجيش السابق الذي قتل مع سبق الإصرار والترصد 37 معتقلا في سيارة ترحيلات أبو زعبل في أغسطس 2013 أو قضية “الحاجة وتلاتين واحد اللي كانوا في عربية الأمن المركزي دي” بلغة عباس كامل وممدوح شاهين في المكالمة!

من متابعة أحكام القضاء المصري يتضح أيضا أن قضاء السلطة لا يستقوي سوى على “الغلابة” بأحكام السجن الطويلة التي يصدرها القضاة على الغارمين والغارمات (سجناء وسجينات الدين) لأنهم لم يستطيعوا سداد ديونهم البسيطة التي اضطروا لها من أجل أمور حياتية ضرورية مثل إجراء عملية جراحية ضرورية في دولة لا توفر خدمات صحية مجانية حقيقية للشعب الذي تحكمه أو لمساعدة ابنة على الزواج، فيتم حبسهم لمدد قد تصل ل 10 سنوات من أجل دين قد لا يتجاوز نفس عدد السنين من آلاف الجنيهات، وفي نفس الوقت نجد كبار رجال الأعمال المتهمين بقضايا فساد كبرى تتجاوز الملايين للمليارات يتم إخلاء سبيلهم مثلما حدث مع رجل الأعمال المجرم أحمد عز ومثل رئيس الوزراء المصري الحالي إبراهيم محلب المتهم في قضية القصور الرئاسية أثناء رئاسته لشركة المقاولون العرب مع المخلوع حسني مبارك ولكن القضاء المصري تركه حرا ليعيث في الأرض فسادا في منصب جديد أكبر وهو رئيس الحكومة المصرية، وكذلك قضايا التهرب الضريبي المتورط فيها كل رجال الأعمال تقريبا حيث لا يدفع رجال الأعمال الضرائب السنوية المسحقة عليهم والتي تقدر بالملايين فتغض الدولة وقضاؤها الطرف عنهم ولا تحاسب سوى الغلابة والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم.

ما ترتكبه منظومة القضاء في مصر بواسطة قضاتها هي جرائم في حق العدالة وفي حق الشعب المصري من قضاة ارتضوا أن يقوموا بالدور الذي رسمته لهم سلطة الثورة المضادة للقضاء على الثورة وما تمثله من أمل في عدالة حقيقية وفي الحرية للشعب المصري، قضاة لم يصبهم أي خجل وهم يبرؤون القتلة وكبار الفاسدين وفي نفس الوقت يحبسون الأطفال والطلبة والشباب وكبار السن بتهم سياسية وتهم ملفقة تتعلق بمعارضتهم للنظام، ولعل الثورة تكون قد ساعدت قطاعات واسعة من المصريين في فهم حقيقة قضاء النظام ودوره الحقيقي في حماية هذا النظام؛ فلا يأمنوا له مستقبلا مثلما حدث في ثورة يناير ولا يسلموا له في موجات مد ثورتهم المقبلة زملاء القضاة من مجرمي النظام لمحاسبتهم على جرائمهم، بل ليقيموا محاكمهم الثورية بنفسهم لتحاسب مجرمي السلطة ومن ضمنهم المجرمين من القضاة، ولينتخبوا قضاتهم من وسط جماهير الشعب الثائر ممن لديه دراية قانونية لتحقيق العدالة الحقيقية التي قامت من أجلها الثورة.