بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

القضاء والنقاء الطبقي

عدسة - معتز زكي

دائماً ما تتغنى الدولة المصرية وأذرعها المختلفة بسعيها لتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز، وأن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سببٍ آخر. وأدعت دوماً أن القضاء هو الضامن الأول والأخير لتحقيق هذه المساواة، فهو حصن المصريين في مواجهة الظلم والبطش.

ولكن، على مدار عقود من الحكم العسكري، أثبت القضاء المصري أنه أداة طيعة للطبقة الحاكمة في توجيه يد الظلم نحو الطبقات المضطهدة، وأنه حصنها الحصين في مواجهة محاولات الفقراء والكادحين لرفع الظلم الاجتماعي الواقع عليهم، بل أنه مثّل “جدار عازل” ضد أي محاولات لإعادة تشكيل تلك الطبقة الحاكمة، ليحافظ على “نقائها الطبقي”.

قضاء الطبقة الحاكمة
نجح القضاء المصري في تقنين فساد الطبقة الحاكمة وتحصينها في مواجهة الطبقات الكادحة. وبعد انقلاب 3 يوليو، لم يكن من القضاء إلا أن يسير على نهج الدولة والطبقة الحاكمة في الجهر بالعداء للفقراء والكادحين من العمال والفلاحين.

وهو الأمر الذي بلغ ذروته مع صدور قرار مجلس القضاء الأعلى في أكتوبر 2014 باشتراط أن تكون أهلية المتقدم لوظيفة معاون نيابة من أصحاب المؤهلات العليا، وهو ما أوقف استكمال إجراءات تعيين 138 عضو نيابة عامة من بين أبناء العمال والفلاحين من حملة المؤهلات المتوسطة ومن ليس لديهم مؤهل.

وكأن الطبقة الحاكمة أعلنتها صريحة، “سلك القضاء وغيره من مناصب الدولة هو حكر على أبنائها دون غيرهم، فنحن الدولة، والدولة نحن”.

وإن كان هذا القرار قد صدر قبل أشهر معدودة، لكنه كان سائداً وسارياً على مدار العقود الماضية. فعند تفحص نتائج الدراسة التحليلية التي أعدها “فتحي فكرى”، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، تحت عنوان “اتجاهات المحكمة الإدارية العليا في التعيين بالوظائف القضائية”، سنجد أنها تطرقت للعديد من الأمثلة التي حملت ظلم اجتماعي راسخ، ومخالفات صارخة في التعيين بالوظائف القضائية خلال العقود المنصرمة، سواء من خلال التدخل الأمني، أو استبعاد مرشحين لفقر الوالد تحت مسمى سوء السمعة، وهو ما توضحه الأمثلة الآتية:

  • أفادت التحريات الأمنية حول مرشح لوظيفة معاون نيابة إدارية، اتهام ابن عمته في قضية تبديد رقم 11124 لسنة 2003 جنح سمسطا، وهو الأمر الذي أفضى إلى حرمانه من الوظيفة، وباللجوء إلى القضاء كانت المفاجأة أن آخر رقم في جدول الجنح لعام 2003 هو رقم 10491 ولم يصل رقم قيد الجنح إلى الرقم الوارد بالتحريات.
  • تم استبعاد أحد المرشحين للتعيين في النيابة الإدارية بسبب تغريم والده 10 جنيهات في إحدى القضايا.
  • تم رفض تعيين أحد المرشحين لهيئة قضايا الدولة لاتهام عمه في جريمة قتل قبل ميلاده بـ 20 عاماً.
  • في المقابل، نجد أن قد صدر قرار جمهوري بتعيين أحد المرشحين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة ويُدعى صلاح الدين أحمد بدر، وقد اتضح بعد ذلك، من خلال الإفادة الرسمية الصادرة عن كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية أنه التحق بها عام 1992 وتخرج فيها عام 1999 أي بعد 7 سنوات بتقدير مقبول بنسبة 51.8%.

القضاء والدولة
يوضح ما سبق بجلاء أن القضاء هو أحد أدوات القسر التي تمتلكها الدولة، وتحتكر من خلالها عناصر القوة في المجتمع.

ودائماً ما تقدّس الطبقات البرجوازية مؤسسة القضاء، انطلاقاً من تقديسها لفكرة “الدولة”، فهم يطرحون أن الدولة جهاز محايد يعمل على التوفيق بين المصالح المتعارضة للأفراد المتنافسين لتحقيق الخير للمجموع.

ولكن تاريخ الرأسمالية وواقعها يخبرنا بأن الدولة ما هي إلا مؤسسة لإخضاع الطبقات المُستغلَة لمصالح الطبقة السائدة. وهو الأمر الذي ارتبط – في الأصل – بنشأة الدولة. فعند تتبع تتطور المجتمع البشري، نجد أن نشأة الدولة اقترنت بانقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة المصالح. وانطلاقاً من تفاوت قوة هذه الطبقات، فقد تمكنت الطبقة الأقوى من خلق مؤسسات للقسر والعنف المنظم، أسمتها “الدولة”، استطاعت من خلالها ترسيخ نظام اجتماعي يضمن استمرار سيادتها واستغلالها للطبقات الأضعف.

ومن ثم، فإن الدولة لم تنشأ للقضاء على التناقض بين الطبقات، وإنما للإبقاء عليه لمصلحة طبقة ضد طبقة أخرى.

فالدولة على حد وصف ماركس “ليست أكثر من مجلس إدارة المصالح المشتركة للبرجوازية بأسرها”. لذا، فإن الطبيعة الطبقية للدولة تنعكس على تكوينها، فنجد أن المناصب العليا في الجيش والشرطة والقضاء وأغلب المؤسسات الحكومية السيادية يشغلها بالأساس أبناء الطبقة الرأسمالية، وذلك للمحافظة على الصلات الاقتصادية والاجتماعية مع تلك الطبقة. وفي الوقت ذاته تُحرّم على أبناء الطبقات الدنيا الولوج إلى هذه المؤسسات.

وفي هذا الإطار فقط، يجب أن نفهم دوافع الانحياز الفاحش من قبل القضاء المصري للطبقة الرأسمالية، وكذلك فهم الدفاع المستميت من قبل الأذرع الإعلامية للطبقة الرأسمالية عن قدسية الدولة وقضائها، الذي لم يجد الحرج بأن يصرّح بأنه جدار للفصل الطبقي.