بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

ما قل ودل

داء سيادة وزير العدل ودواءه البسيط

إن الدولة الرأسمالية، ليست دولة الشعب ككل، إنما هي دولة الطبقة الحاكمة التي تحافظ على علاقات الاستغلال وتعيد إنتاجها. هي دولة رجال الأعمال وكبار ملاك الأراضي وكبار الجنرالات وكبار المسؤولين في الحكومة.

هذا ما قاله كارل ماركس منذ قرن ونصف، وهو أيضا ما قاله بصراحة شديدة وزير العدل المصري عندما جزم بأن الطالب المتفوق في الحقوق لن يُسمح له بدخول سلك القضاء إذا كان أبوه من الطبقات الفقيرة لأن القضاء ليس تابعا للشعب ككل إنما للطبقة الحاكمة فقط. وكان التبرير الذي قدمه في ذلك أقذر ما يمكن إذ قال إن ابن البواب إذا انخرط في الدوائر الطبقية الأعلى منه، والتي يأتي منها القضاة، سوف يصاب بعقد نفسية. أي أن تبريره هو ببساطة إن الدولة دولة الطبقة الحاكمة بالفعل وأي محاولة لتغيير هذا الوضع ستكون في غير مصلحة الطبقات الدنيا لأنها ستصاب بالذهول من الغنى الذي ستجد نفسها محاطة به.

ولعلنا نتساءل لماذا الإصرار على الفجاجة في الإعلان عن التمييز الطبقي للدولة؟ لماذا الإصرار على أنها دولة الباشوات رجال الأعمال وأبناء رجال الدولة وشماشرجيتها و”الكبارات” وبس!؟ فنحن نرى لهفة من الدولة ورجالها على الإفصاح علنا عما كانت تفعله مداراة وأن تضفي على ممارساتها الطبقية صفة الشرعية والقانونية، مثل قرار مجلس القضاء الأعلى بوقف تعيين وكلاء نيابة بسبب أصولهم الاجتماعية (اللي مش على قد المقام). هذا هو الوضع الذي تجد الطبقة الحاكمة المصرية نفسها فيه بعد الصدمة النفسية / السياسية التي حاقت بها بسبب ثورة يناير، التي زعزعت عروشهم وأطارت قلوبها فرقا ولو لحين، وهو أيضا عرضا لنجاحهم في هزيمة تلك الثورة. الطبقة الحاكمة تجد نفسها في حالة تريد أن تثبت وجودها وشرعيتها على مستوى الخطاب (نعم نحن الأسياد) وعلى مستوى القانون (ممارساتنا الطبقية هي معيار الحق)، وكأنها تخطاب بذلك الجموع التي أرعبتهم في يوم والجموع الأكبر التي سوف تقض بيوت العنكبوت التي يعيشون فيها وتسقط من فوق رؤوسهم اللوحات المهيبة المكتوب عليها “الظلم الطبقي أساس الملك”.

ما يحسب لوزير العدل أنه صرح بالمنطق السائد، منطق الدولة الطبقية. أعمال السيادة، أعمال الحكم، ينبغي أن تكون لرجال الطبقة الحاكمة، أو أبنائهم. كيف يكون المجتمع طبقيا إلى أقصى حد، كالمجتمع المصري، وتكون دولته معادية للطبقية أو تكون دولة الشعب كله. بل كيف يكون القضاء المصري والجالسون على منصته غير طبقي إذا كانت القوانين التي يطبقها، ويفسرها، قوانين طبقية بحتة. كيف لقاض يحكم على غارم لا يستطيع رد دينه بالسجن ولا يحكم على من وضعه في هذا الوضع، إلا أن يكون من “أبناء الناس” الذين لم يقعوا فريسة لدين من ثلاثمائة جنيه جربوا الحبس بسببه. كيف يحكم قاض بالسجن على من سرق ليأكل ولا يحكم بحبس من جوعه، إلا أن يكون من ابناء الطبقة التي تعيش من عرق الآخرين وتشبع من جوعهم. هذا هو القضاء الطبقي في كل مكان في العالم. ولن يكون الحل بإسكات وزير العدل، ولا إخراس القائمين على القضاء. فهذا لن يغير من ممارساتم شيئا ولن يغير من طبيعة العلاقات الطبقية في المجتمع شيئا. وبالتأكيد لن يحل مشكلة الاكتئاب التي طرحها السيد الوزير.

فإن أردنا قضاء عادلا حقا؛ قضاء يكون حربا على الفساد والمفسدين، قضاء يكون السند للمظلوم لا الظالمم؛ قضاء يحكم لصالح العمال لا سارقيهم؛ قضاء يحلل إضراب المظلوم عن العمل لا قضاء يستجدي نصوص الفقه ليحرمه؛ قضاء يحكم بقوانين عادلة لا بالمكالمة التليفونية الشهيرة؛ قضاء يفرج عن المعتقلين ظلما لا يسوق المئات ظلما إلى المشنقة للحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة جميعا، فليس أمامنا إلا قضاء ينشأ من ثورة اجتماعية عارمة ضد الطبقية ودولتها الظالمة. قضاء نفخر بأن من يقومون عليه هم من خيرة أبناء وبنات هذا الشعب ممن خرجوا ونبهوا ونبغوا من بين صفوف هذا الشعب. لا من بين أبناء طبقة الحكام أو تنابلة الحكام أو شماشرجية الحكام.

وإلى السيد الوزير الذي يخشى على أبناء الطبقات الكادحة من الاكتئاب إن هم تبوؤوا مناصب هم لها كفؤ من حيث المهارة والتعليم ولكنها محجوزة لأبناء الطبقات العليا: لا تخف ولا تحزن، فإن ثورة اجتماعية قادمة سوف تساوي بين المواطنين تحيل المرضى (بداء الطبقية العضال) من أمثالك إلى مهن “بسيطة” لا يؤثر فيها ذلك المرض على إنتاجهم بشكل مباشر، مثل تنظيف الشوارع، مع العمل على توعيتك بالمساواة بين البشر طبعا وبالتأكيد تحت إشراف لصيق من أحد أبناء الشعب لأنك، بمرضك هذا، قد تنحاز إلى تنظيف شوارع الزمالك أكثر من بولاق. أما منصب القضاء الرفيع، والذي نضع في يدي من يتولاه حياة المواطنين وأرواحهم وإحقاق الحق وإنجاز العدالة، فإن أمثالك لا يجب أن يقربوه