وزير العدل والدولة الطبقية ودستور “أسيادنا”

بعد تصريحات سمسار العدالة “وزير العدل” عن رفضه أن يكون ابن عامل النظافة قاضيا – ومع كل تصريح مشابه – حدثت عاصفة من الانتقادات بعضها يتمحور حول مخالفة كلام الوزير لنصوص الدستور التي “تضمن” المساوة بين المواطنين في الحقوق و الفرص والواجبات، كما ” تحظر ” تلك النصوص التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعي!
السؤال هو: هذا الدستور دستور من؟ وهل “يضمن” بالفعل المساواة بين الجميع ؟! وما هو واقع الحال في مصر بالنسبة لبعض النصوص “الكويسة”؟
بداية كيف نتصور أن “ورقة” مكتوبة تسمى الدستور حتى لو كان أفضل الدساتير يمكن أن يكون ملزما للطبقة الحاكمة التي تملك المال و السلاح. هذه الطبقة لا تعترف إلا بدستور الأسياد دستور “رأس المال” ، وأي دستور آخر، وأي بند يخالف مصالحها، لا مكان له إلا تحت أقدام رجال الأعمال و القضاة وعجلات دبابات الجيش. وهنا سأكتب عدة مواقف سريعة لتوضيح إلى جانب من يقف الدستور وإذا كانت نصوص الدستور ملزمة حقا أم لا:
الدستور يحظر التمييز بين المواطنيين على أساس الدين
وفي هذا الشأن نكتب وعلى سبيل المثال رغم وجود آلاف الأمثلة .. عندما خرج الأقباط في مسيرة سلمية “مصرح بها ” إلى ماسبيرو يطالبون أولا بإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة وبحماية الكنائس ثانيا .. فدهستهم مدرعات الجيش في مذبحة دولة طائفية بإمتياز .
دستور الدولة الطائفية يخبرنا أنه لا تمييز في مصر على أساس الدين.. وواقع الحال أن أي مواطن مسلم يستطيع أن يحوَل منزله أو أي قطعة أرض أو رصيف الشارع أو طرقات المترو أو حوش المدرسة أو أي مكان آخر إلى مسجد لإقامة الصلاة، في حين يلزم على المواطن المصري المسيحي أن يحصل على تصريح من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لبناء كنيسة يقيم فيها صلاته.
هل هذه هي المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين يا دستور “الأسياد”؟!
الدستور يقول: للعمال وأصحاب الأعمال تأسيس منظماتهم بشكل حر
وواقع الدولة الطبقية أن هناك مئات من جمعيات رجال الأعمال واتحادات الصناعات تعمل بكل حرية تجتمع وتقرر وتضغط لتحصل على نصيب أكبر من كعكة الطبقة الحاكمة؛ تضغط فتقرر بيع القطاع العام دون أن يتهمها الأمن بالإخلال بالنظام العام؛ تقرر هي كيف تكون قوانين العمل لصالحها وضد أي حقوق للعمال؛ تجتمع دون أن يراقبها الأمن بل يحميها وينفذ أوامرها؛ تهدد بسحب الاستثمارات والخروج بها إلى الخارج أي تهدد بعمل “إضراب” رأسمالي دون أن تتهم بتخريب الاقتصاد الوطني؛ تستطيع مخالفة كل القوانين كل يوم من قانون المزايدات والمناقصات والضرائب والجمارك وقوانين العمل والبيئة والدستور نفسه، دون أن يُقبض على أي من السادة رجال الأعمال!
في المقابل تحارب الدولة نقابات العمال وتراقب اجتماعاتها وتفصل قادتها وتمنع نشاطها؛ وإذا أضرب العمال – وفقا للدستور – قامت ضدهم الطبقة الحاكمة ولم تقعد تكيل لهم الاتهامات بتخريب الاقتصاد والإخلال بالنظام العام و إثارة الاضطراب الاجتماعي إلى آخر القائمة التي تعرفونها. وفي نهاية المطاف، إذا لم يتوقف العمال عن ممارسة “حقهم الدستوري” في إقامة النقابات وتنظيم الاضرابات يتدخل الجيش أو الشرطة لقمعهم بالحديد والنار والزج بقادتهم في السجون، كما حدث ويحدث يوميا.
هل رأيتم مرة واحدة الجيش أو الشرطة تلقي القبض على رجل أعمال لأنه خالف قانون العمل وأهدر فتات الحقوق الوارده فيه بتهمة الإخلال بالنظام العام؟! لا، ولم ولن يحدث أبدا في ظل دولتهم الطبقية.
وفي هذا السياق نأتي إلى تصريح سمسار العدالة وزير العدل بأن أبناء عمال النظافة لا يجوز تعيينهم في سلك القضاء مهما نبغوا أو تفوقوا.
مخطئ من يعتقد أنها هفوة أو سوء تقدير أو غباء من وزير؛ إنه منطق تفكير جميع أجهزة الدولة الرأسمالية .. موقف وزير العدل هو تصريح من ” طبقة ” و يعبر عن طبقة من كبار ضباط الجيش والشرطة والقضاة والإعلاميين وكبار الموظفين . بل إنه سهل علينا النقد والتحليل بأن أعلن بعدها، مدافعا عن نفسه، بأن هذا الوضع لا ينطبق فقط على القضاء بل هو الممارسة المتبعة والمعتادة في الجيش والشرطة كذلك.
رأس الدولة الطبقية، عبد الفتاح السيسي،خير نموذج على موقف وزير العدل. ابنه الأكبر ضابط في المخابرات والآخر ضابط في الرقابة الإدارية، وعندما تحدث عن حل مشكلة البطالة لم يصل تفكيره لتشغيل أبناء الفقراء إلى أبعد من “عربية الخضار”.
لا أمل لنا نحن – عمال وأبناء عمال، وموظفين وأبناء موظفين، فلاحين وأبناء فلاحين، ومضطهدين من الأقباط والبدو والنوبيين – لا أمل لنا في هذه الدولة الرأسمالية الطبقية الطائفية ولا بديل أمامنا إلا الثورة الاجتماعية لنسقط هذه الدولة الطبقية العفنة التي تحيا على ما ننتجه نحن من ثروة.
ونؤكد للمرة المليون أن صراعنا معهم لا هو صراع هوية ولا غيره، صراعنا معهم صراع طبقي، ولن يتوقف هذا الصراع أبدا إلا عندما نسقط هذه الطبقة من رجال الأعمال والقضاة وكبار الضباط على يد ثورة تلغي الطبقات.