بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

القاضي وابن الزبال وعبيد الإحسانات!!

الهرم الاجتماعي من منظور كل الطبقات الحاكمة في التاريخ مقلوب رأسا على عقب. فكلها طبقات كانت ولم تزل تعيش على عمل الطبقات الكادحة. باختصار شديد.

القضاة في المجتمع الرأسمالي يقومون بوظيفة تطبيق القانون الرأسمالي، وبذلك فإن لهم أهمية كبيرة بالذات لدى الطبقة الحاكمة، ولكنهم لا ينتجون سلعة أو خدمة يتقاضون عليها أجرا؛ بمعنى أن “العدل” لا يتم تبادله في السوق لمعرفة ثمنه ومن ثم راتب من يقومون بتطبيق العدالة، أو ربح من يقومون بتشغيل القضاة! بل إن رواتب القضاة، مثلهم مثل ضباط الشرطة والجيش، من وجهة نظر الرأسماليين، ومن وجهة نظر آدم سميث، تعد “نفقات عرضية للإنتاج”، أي نفقات لا تدخل في عملية الإنتاج ولكنها ضرورية لدوران عملية الإنتاج وانتظامها.

القضاة يتقاضون أجورهم من الدولة. والدولة تأتي بها من الضرائب التي تستقطع ممن يقومون بالفعل بإنتاج السلع والخدمات التي يتم تبادلها في السوق وتنتج ربحا. وهذا الاستقطاع يتم بطريق مباشر، أي أن الدولة تخصم جزءا من أجور العمال والموظفين، وأيضا تفرض الضرائب على أصحاب الأعمال الذين يراكمون ثرواتهم من عرق العمال. ومن ثم، تعطي القضاة تلك الرواتب التي تسمح لهم بمعيشة رغدة على حساب المنتجين، بالإضافة إلى التكريم الأدبي بالطبع.

إن القضاء بهذا المعنى يواجه الطبقة العاملة باعتباره جزءا من عملها “المغترب”، أي ناتج عملها الذي يُستخدم ضدها. يمكن للطبقة العاملة أن تواجه الطبقات التي تعيش على كدها مثل الضباط والقضاة وكبار المسؤولين وتقول لهم بالفم المليان، وبكل قوانين الاقتصاد، ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.

ولكن في المجتمع الرأسمالي، عبيد الإحسانات هم الذين يحكمون. ولذا يستخدمون كل الأسلحة الفكرية والتعليمية لإقناع الطبقة العاملة أنها هي التي تعيش بإحسانات الدولة والأثرياء. وطبعا إن لم ينفع هذا “التعليم” فهناك أساليب أخرى.

إن العمل المستقطع عنوة من الطبقة العاملة يوفر للقاضي المأكل والمشرب والكماليات ورغد العيش والسفر والامتيازات دون أن يكون للطبقة العاملة أي رأي أو تحكم في هذا. ولا رأي لها في القوانين التي يحكم بها، ولا في ضباط الشرطة الذين ينفذون هذه القوانين، ولا في رواتب ضباط الجيش الذين يثبتون فائدتهم النهائية للطبقة الحاكمة في الثورات عندما يثبتون أنهم “العامود الأخير” لخيمة النظام كما وصفوا في ثورتنا المهزومة السابقة. لا ينتج أي منهم أي سلعة، ولكن رواتبهم ومميزاتهم تعد، بالنسبة للرأسماليين، نفقات لازمة لعملية الإنتاج التي يتعيشون منها.

ولكن لماذا يضطر الرأسماليون إلى دفع كل هذه التكاليف إن كانت “عرضية” كما سماها آدم سميث؟ لأن عملية الإنتاج لا يمكن أن تدور وتنتظم دونهم. لأن عملية الإنتاج تقوم على القمع وعلى إفقار العامل واستغلاله. لأن هذه الطبقة الصغيرة التي تسبح على بحر من الثروة التي أنتجها الآخرون تخشى، عن حق وألف حق، من الثورة عليها. ثورة المنتجين. ثورة الفقراء. في نظام يقوم الإنتاج فيه على ظلم العمال يجب أن يكون هناك قاض يحكم بأن الإضراب ممنوع وجريمة جنائية وضد الطبيعة وضد الأخلاق وضد الدين وفقه درء المفاسد، إن احتكم الأمر. لا بد أن يوجد قضاة يعلنون أن سرقة رغيف عيش هو جريمة جنائية في حين يستأهل مبارك وكل نظامه ورجال أعماله التعويضات المادية والأدبية عما لحق بهم من أذى.

وكما شرح كارل ماركس عام 1863 فإن هذه الفئة ممن يتعيشون باعتبارهم نفقات عرضية للإنتاج، وضرب مثلا بالضباط، هم “… مفيدون ولهم ضرورة فقط بسبب اعتلال العلاقات الاجتماعية – إنهم يدينون بوجودهم للأمراض الاجتماعية” (من كتاب”نظريات فائض القيمة”).

لماذا ينظر القضاة باحتقار إلى الطبقات الكادحة؟ لأنهم يعيش من عملها! لأن وجودهم الاجتماعي باعتبارهم فئة مميزة وجزءا من الطبقة الحاكمة يقوم على “ضبط” عملية استغلال العمال. مثلما يحتقر الرأسماليون العمال، ومثلما احتقر الإقطاعيون الفلاحين من عبيد الأرض، ومثلما احتقر ملاك العبيد من السادة الديمقراطيين في أثينا العبيد.

فقط عندما ينعدل هذا الهرم. فقط عندما لا يكون القاضي “فوق” الطبقات الكادحة بل جزءا منها، عندما يكون راتبه جزءا من مخصصات نظام العدالة التي تقتطعه الطبقة العاملة من إنتاجها، عندما لا يكون راتبه ومميزاته مستقطعة عنوة من العمال وفي وجههم، ستكون العدالة.

في مجتمع لا يعيش فيه القضاة على فائض استغلال العمال والكادحين سيكون معيار تعيينهم وبقائهم في منصب القضاء هو إحقاقهم للحق، محاربتهم للفساد والظلم، الضرب على يد الظالمين، وبالتأكيد احترامهم للكادحين الذين يعيشون ويتلقون رواتب منصبهم من كدهم.