بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

فوق صوت المعركة

استيقظنا أول أمس على كارثة حقيقية ضربت مصر وأعلنت تحول جديد مرعب في الواقع السياسي، سواء في مصر أو في المنطقة العربية، وهي الهجوم الذى شنته “الدولة الإسلامية – ولاية سيناء” على كمائن الجيش المصري في منطقة الشيخ زويد (15 كمين)، ثم تطور الأمر ليصل إلى قسم شرطة الشيخ زويد في محاولة من الدولة الإسلامية للسيطرة على المدينة كأول محاولة حقيقية لذلك والتي راح ضحيتها ما بين 60 إلى 70 شهيد من المجندين غير المجهّزين بتسليح يناسب طبيعة “الحرب على الإرهاب في تلك المنطقة”.

الجيش الخاضع لمعاهدة كامب ديفيد، التي تقيد إدخال أي أسلحة ثقيلة إلى سيناء، لم يُسلِّح الجنود المنبوذين في الصحراء بما يحميهم بالنسبة إلى التركيز على التسليح الذي يَدُكّ به الجامعات والاحتجاجات ليحموا ثرواتهم ومصالحهم. ولسخرية القدر أن صحيفة إسرائيلية تنشر تقريراً بعنوان “إسرائيل تطلق يد مصر فى سيناء“. نعم، إنهم لا يتحركون إلا بموافقة إخوانهم في البطش والجريمة!

من هنا نستطيع أن نقرأ الشواهد على الأحداث ونبني تصورات عن قبح وبشاعة الواقع والمستقبل.

فبعد شهور طويلة من القمع والتنكيل بأهالي سيناء والاضطهاد الدائم الواقع عليهم، من اعتقالات والقصف والقتل والتعذيب وهدم البيوت وإخلاء المدن والتهجير القسري، فضلا عن معاملتهم كمواطنين درجة ثانية وإعلان الدولة المصرية من خلال إعلامها الرسمي عن تصفية البؤر الإرهابية وقتل من فيها، حتى بدون تقديمهم للمحاكمة، رغم تبين في أكثر من مرة أن أولئك الإرهابيين الذين تم تصفيتهم ما هم إلا مواطنين سيناويين قتلهم الجيش بطشا وظلما، بعد كل هذا ظهرت لنا حقيقة الأمر؛ أن الدولة لم تقم بتصفية الإرهاب كما كانت تدعي، بل كانت تخلق الظروف الموضوعية التي ينمو فيها الإرهاب ويترعرع.

ظهر ذلك جليا في الهجوم الكاسح على الكمائن وقتل المجندين ودحر قوات الجيش ودفعها إلى الانسحاب، حسب ما ذُكر من منطقة الاشتباك بعد سقوط عشرات المجندين المغلوبين على أمرهم والموضوعين بين مطرقة النظام وسندان داعش. كل هذا ظهر في الاشتباكات؛ فالدولة الإسلامية زادت قوتها عدة وعتادا، واستطاعت ضرب 15 كمين بالتزامن في نفس الوقت، ما لا يدع مجالا للشك أن الدولة المصرية كانت تكذب بخصوص القضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة فى سيناء لتحصل على المزيد من الدعم والشعبية لقمع التحركات الاحتجاجية والمطلبية والسياسية وكل من تسوّل له نفسه بالاعتراض على الحاكم الإله عبد الفتاح السيسي.

حدث كل هذا على حين غفلة من الجميع، فبعد أيام من مقتل النائب العام وتصريحات زعيم الثورة المضادة بأن يد العدالة مغلولة بالقوانين وأن ذلك سينتهي، وما ترتب عليه من تعديل قانون الإجراءات الجنائية، أبرزت هذه المذبحة الضعف الحقيقي للدولة. إنها لا تفلح إلا في قتل العزل والأبرياء ولكنها لا تستطيع التصرف أمام الجماعات المسلحة التي تسكن الجبال.

هذه الدولة فاشلة وكسيحة؛ فالجنرالات الذين يقودونها لا يهمهم إلا إسكات كل الأصوات وتدمير الثورة وما نتج عنها وابتلاع الاقتصاد والمطالب والحقوق الجماهيرية إلى اقتصاد القوات المسلحة والاندماج في السياسات الليبرالية العالمية لتحقيق المزيد من القوة والنفوذ للطبقة الحاكمة المجنونة.

لم يكن في نية الدولة حقا أن تلبي الاحتياجات الجماهيرية من حرية وعدالة اجتماعية، تلك الوعود الزائفة التي حشدت عليها الجماهير لإسقاط مرسي من السلطة وانتزعت تأييد الجماهير للقمع العنيف الذي ارتكبته في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري، والذي لا يزال جاريا إلى يومنا هذا.

الآن تلوم الدولة الإرهاب، وهي الكيان الإرهابي الأكبر الذي يقتل المعارضين بالمئات والآلاف، ويعتقل عشرات الآلاف ويلفّق لهم التهم، ويكيل لهم من التعذيب أبشع ما يمكن تصوره. الدولة، بقمعها وقتلها، هي التي خلقت رغبة الانتقام التي يتبناها كل من يشارك في تلك العمليات الإجرامية على الجنود في سيناء. صار الإرهاب بديلا يفتح ذراعيه للكثير من الشباب اليائسين من التغيير الجماهيري والمشتعلين برغبة الانتقام من الدولة. لكن ليس بالعنف والقمع فقط ينمو الإرهاب ويترعرع، بل بالخطاب الأيديولوجي الرجعي الذي عملت الدولة في فترات طويلة على تبنيه وتوفير التربة الخصبة له. ألا يتبنى الأزهر خطابا شديد الرجعية والطائفية أيضا؟ ألم تفتح الدولة المجال الإعلامي للسلفيين لنشر أفكارهم الطائفية والعنصرية المسمومة ليلا ونهارا؟ استعانت الدولة المصرية أيضا بالإسلاميين كثيرا من قبل لضرب حركة اليسار تارة، ولاحتواء المطالب الجماهيرية تارة أخرى.

ما حدث أول أمس كان إعلانا جديدا عن التحول العنيف الذي ظهر على الساحة، حيث الصراع بين كيان فاشي مسلح يريد إنشاء خلافته المزعومة على جثث ومطالب الشعب، ودولة عسكرية قمعية لا تعرف سوى السلاح والدم. تحوّل القمع من الاستناد إلى التأييد الشعبي إلى صدور الشعب نفسه، ثم تحول الأمر لأن تعلن وسائل الإعلام بشكل مباشر عن “تصفية مجموعة من قيادات الإخوان”، هكذا بدون محاكمة حتى، ليتضح بعد ذلك أنهم محامون مسئولون عن رعاية المعتقلين وأسر الشهداء، كما لو كانت تخبرنا بأن هذا مصير كل من يعارض النظام، بعدما تساءل الرئيس المجرم لماذا لم يتم إعدام مرسي وقيادات الإخوان وأنه يجب أن نثأر للنائب العام.

كل هذا لا يجب نزعه من السياق، فالقمع والظلم والعنف ودعاية الدولة وأجهزتها الأيديولوجية هم الحاضنة الرئيسية للإرهاب. والدولة التي لا تجد حلا لأزماتها المزمنة غير القبضة الحديدية هي صانعته وأمه.

الواقع الآن هو أن الجماهير تصطف خلف الدولة والجيش ليؤدي بنا الطريق إلى مستنقع الدماء العفن الذي هو بكل تأكيد ليس طريق الثورة، فهو يزيد الجماهير إحباطا وابتعادا عن الرغبة في التغيير. والأسوأ من ذلك أن ينقسم الثوريون أنفسهم حول الأمر، أن ينادوا بالاصطفاف خلف الجيش والدولة ضد الإرهاب، وأن يكفوا عن طرح الرؤية الثورية الجذرية بأن السيسي والدولة هم صانعوا الإرهاب و داعش ما هي إلا نتيجة لذلك.

نعم، هناك أصوات يجب أن تعلو فوق صوت المعركة؛ صوت الثورة والمطالب الاجتماعية التي يجب أن تكون طرفا في المعركة. فبالرغم من أن الثورة قد هُزمت وأنكرتها الجماهير وتخلت عنها، إلا أن الدور الحالي لنا كثوريين أن نقاوم دعاية الدولة الكاذبة والمخادعة، أن نناضل في كل مكان كي نقنع الناس بأننا مازلنا خياراً وأن الثورة لازالت هي الحل الحقيقي الوحيد للمعاناة والاضطهاد والظلم والقهر والفقر.

واجبنا كثوريين أن نفضح النظام وكذبه وتدليسه وأن نفضح الأسباب الحقيقية للإرهاب.

واجبنا كثوريين أن نبرز أن الجنود الذين يواجهون الإرهاب ما هم إلا أبناء الجماهير الكادحة الذين يلقي النظام بهم إلى التهلكة دون ما يلزمهم للدفاع حتى عن أنفسهم، وأن نبين كيف أنهم غير مؤهلين لحرب لا طاقة لهم بها.

مهمتنا أن نفضح النظام الذى يضع قدراته العسكرية في مواجهة الصدور العارية والأقلام والحرية والطلاب والعمال، وأن مصلحة الشعب هي في استعادة الحرية وفي الدعوة إلى التمسك بكل مكتسبات الديمقراطية فى البرلمان والرقابة الشعبية والانتخابات والتمثيل السياسي الواسع والعميق، وأن مواجهة الرجعية ليس باللجوء إلى الدولة والديكتاتورية.

مهتمنا أن ننادي في كل مكان بأن الحل فى ثورة الجماهير الكادحة، وليس العنف الفردي الذي هو في جوهرة احتقار فج وتعالي عليهم، وأن العنف والقتل ليس حلا.

مهمتنا أن نبني منابر للدفاع عن المضطهدين والمهمشين الذين يعانون من القهر على خلفيات دينية أو عرقية أو جنسية، مهمتنا أن نجابه الدولة على مستوى الأفكار والدعاية جذريا، كما واجهنا جبروتها في الشوارع والاشتباكات في فترات المد الثوري. مهمتنا الآنية هي أن ننظم أنفسنا وأن نبني الجبهات للدفاع معتقلينا وأن نعد لمقاومة سياسية واجتماعية لهذا النظام.

هذا هو الدور الحقيقي الآن، فنحن – الثوريون – المنوط بنا الآن إعلاء الصوت الثوري على صوت المعركة ولا بديل عن ذلك إلا الهلاك.