«مصر القوية» يعقد ندوة بعنوان «تحدي عودة السياسة»

عقدت مساء أمس الأحد، بمقر حزب مصر القوية بجاردن سيتي، ندوة بعنوان “تحدي عودة السياسة” تحدث فيها الباحث السياسي علي الرجّال، والدكتورة دينا الخواجة أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية. ناقشت الندوة الوضع السياسي في مصر وأفق وإمكانيات حراك سياسي مرة أخرى، بالإضافة إلى محاولات الدولة لقمعه ومنعه.
افتتح علي الرجّال الندوة بطرح نقطة مركزية في تحليله، وهي ضرورة إعادة قراءة 25 يناير والنظر إليها باعتبارها مرحلة لعودة السياسة بعد فترة طويلة من تأميمها بدرجات، بدأت فيما بعد انقلاب 1952 ومصادرة السياسة لصالح الدولة التي استحوذت على أدوات الإنتاج والسياسة وتحديد مجالهما، ليكون النقاش والحراك السياسي منحصراً فقط في صراع مصر ضد الإمبريالية.
استطرد الرجّال أن خلال هذه الفترة كان يُجمع العمال كلهم في تشكيل نقابي واحد تابع للدولة، والشعب كله ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي، ليُمنع أي صراع سياسي قائم على التعددية ويصبح التنظيم الطليعي والاتحاد الاشتراكي هو المعبر السياسي والحاشد الوحيد لمعركة الدولة المحددة سلفاً ضد الإمبريالية، ليظهر ما سُميَ بـ”الاستدعاء السياسي” الذي انهار بعد النكسة وفشل النظام سياسياً في معركته التي طرح نفسه فيها كقيادة، لتتكون ما يسمي بالمنابر السياسية في السبعينيات التي لم تنجح في قيادة انتفاضة 1977، لتصل مصر بعد اغتيال السادات إلى مرحلة الحرب على الإرهاب التي كان دور المواطن فيها، حتى المثقف سياسيا، هو مجرد المتابعة أو الانخراط في النقاش الوحيد المطروح سياسيا.
بُنيَ سدٌ أمام أفق التطور السياسي ليؤجل الصراعات تحت وطأة “معركة الحرب على الإرهاب”، ورغم دخول مصر في أزمة اقتصادية حادة، كانت تدفع بها نحو الإفلاس لولا حرب الخليج، إلا أنه تم تجاهل السؤال الأهم وهو الوضع الاقتصادي والاجتماعي وكيفية إدارة الموارد، لتتبلور فكرة عبثية عن فساد وشيطنة مصطلح “الصراع”، لتترسخ فوبيا “الصراع والتعدد السياسي”، هذه “الفوبيا” التي شاركت فيها حتى المعارضة الإسلامية متمثلةً في جماعة الإخوان المسلمين، لتجد أن كثيراً من التحليلات الإسلامية لنهاية الدول كانت بتفجر الصراع الذي يجب علينا تجنبه والتوحد في معركة غير واضحة المعالم، لنصل بعد فشل 25 يناير إلى نقطة يمثل فيها السيسي أحط درجات 1952 ليسعى لإلغاء التنظيم والسياسية وليس حتى مجرد تأميمها.
فيما رأت الدكتورة دينا الخواجة أن رؤية انتفاء السياسة في مصر وموتها هي رؤية خاطئة تحمل الكثير من المبالغة، فالمجال العام مغلق منذ أكثر من 40 عاماً لتصبح فترة 2011 – 2013 هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة. قبل 25 يناير كان المثقفون السياسيون يتنقلون بين لجان الحريات بالأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية ثم إلى حركات الاحتجاج. القاعدة هي إغلاق المجال العام، وما يحدث هو استمرار للقاعدة ولكن بحدة أكبر وتفريغ أكبر للمكونات السياسية من تأثيرها. لكن فرضية انتفاء السياسة، كما ذكرت الخواجة، تحمل الكثير من المبالغة، في الوقت الذي قامت حركة تدوين لمعتقلي مجلس الشوري وعلى رأسهم علاء عبد الفتاح والتي بلغت أكثر من 3 مليون تدوينة، الأمر الذي لم يحدث فيما بعد 2011.
كما طرحت الخواجة أيضاً نقداً لما أسمته ثنائية السياسة الرسمية وسياسة الميادين واحتفال المعارضة السياسية بحالة التوحد بين كل التوجهات في الميدان، ووصفتها بالثنائية المختزلة والقاصرة، لتتحالف الدولة مع التنظيم صاحب الظهير الاجتماعي في حين تجاهل الثوار ضرورة بناء ظهير اجتماعي وتجاهلوا أو فشلوا في خوض معارك صغيرة والبناء عليها. ضربت دينا الخواجة المثل بمعركة محمد محمود، التي تحولت إلى حرب شوارع مع الدولة غير واضحة الهدف ولا تبني ظهيراً اجتماعياً.
طرحت الدكتورة دينا فكرة أن سياسة الميادين قائمة بالأساس على التفاوض مع الدولة، ما يعني ضرورة بناء قاعدة اجتماعية أولاً، وطرح السيطرة على المصانع أو الإدارة الذاتية أو حتى خوض معارك داخل الجامعات لن يستمر ولن ينجح بدون قواعد اجتماعية قوية. ولكن الثوار مازالوا عالقين داخل سياسة الميادين في مقابل السياسة الرسمية التي يحتقرونها ويتطهرون من الدخول فيها.
استكملت الدكتورة دينا حديثها بأن مدخل “العيب” و”الحرام” هو مدخل خاطئ للتواجد السياسي، خصوصاً مع تواجدنا – شئنا أم أبينا – داخل منظومة السلطوية التي تحتوينا بالفعل. أما تصوُّر أن كون الثورة هي الأكثر طهارة وأخلاقية يعني أن الثورة ستنجح في نهاية المطاف هو تصور حالم وغير منطقي بالمرة. كما أشارت إلى أن الفترة الحالية هي فترة الانتصارات الصغيرة التي يجب أن نستخدمها لبناء قاعدة اجتماعية تتطلب سنوات من العمل.