بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

افتتاحية العدد 127 من جريدة الاشتراكي

النظام في أزمة

منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، أسس نظام السيسي مشروعيته لدى المصريين بناءً على القمع الهمجي فيما أسماه “الحرب على الإرهاب”، وبنى تماسكه وشعبيته على دعايته الرجعية، وعلى الدعم الخليجي، وعلى أوهام المشاريع الاقتصادية التي تجلب رخاءً مزعومًا، وعلى الحلف الواسع الذي عمل كمظلة للانقلاب من قبل 30 يونيو.

لكن لا يبدو نظام السيسي اليوم، من حيث تماسكه وشعبيته، كما كان عليه منذ أكثر من عامين ونصف. فالنظام دخل بالفعل في أزمة عميقة، على مستويات عدة، أجهزت على أغلب شعبيته في مدى زمني لم يتوقعه بعضٌ من أكثر الثوريين تفاؤلًا، وتهدد استقرار نظامه.

لم يعد حلف 30 يونيو مستقرًا، فقد أصابته الكثير من التشققات إثر الأزمات والخلافات من داخله والأزمة العامة التي يعيشها النظام. الأصوات المتعالية التي تنتقد السيسي في الإعلام ليست إلا تعبيرًا عن الخلافات داخل الدولة وداخل حلف 30 يونيو بشكل أوسع. كبار رجال الأعمال الفلول، من ناحية، بدأوا في التململ غير راضين عن الاضطرابات وغياب الاستقرار السياسي الذي بدوره ينفِّر الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي يأتي على حساب مصالحهم وما كانوا يطمحون له من نظام السيسي. ومن ناحية أخرى، فإن تدخل القوات المسلحة بنصيب كبير في المشروعات الاقتصادية يخصم أيضًا من مصالحهم، علاوة على الفشل الاقتصادي والارتفاع الصاروخي لسعر الدولار الذي يؤثر على عملياتهم الاقتصادية.

حتى القوى المدنية الانتهازية التي اعتمد عليها السيسي في حلف 30 يونيو، ما أُطلق عليه “الجناح الديمقراطي” للدولة، فقد تخلصت من أغلبهم الدولة نفسها حين انتهى الغرض منهم، والبعض الآخر بدأ يضجر من الأوضاع القائمة وتزايد عنف وقمع الدولة والأزمة الاقتصادية الآخذة في التصاعد.

أما عن الكتل الضخمة من الجماهير التي استند النظام إلى تأييدها، فهي الأخرى بدأت منذ وقت طويل في التشكك في قدرة السيسي على حل المشاكل الاقتصادية، خاصةً مع ازدياد الأسعار وانكشاف أوهام المشاريع التي شرع النظام في تنفيذها. كما لم يعد الصمت هو الخيار الوحيد المفروض على هذه الجماهير، فبدأت في الاحتجاج على ممارسات القمع والتعذيب والقتل المفتوح في الشوارع، مثل أهالي الأقصر والدرب الأحمر، واحتشاد الأطباء للدفاع عن كرامتهم في جمعية عمومية لم يسبق لها مثيل في تاريخ نقابتهم.

وكذلك فإن هذا القمع لم يتوقف عند الفقراء والعمال فحسب، بل أن تُهم مثل “خدش الحياء” و”ازدراء الأديان” صارت تلاحق الأدباء والمثقفين، مثلما حدث مع أحمد ناجي ومن قبل فاطمة ناعوت، مما يفضح ادعاءات النظام بالعلمانية والديمقراطية، حتى أمام مؤيديه السابقين من المثقفين. لم يكتف النظام بذلك، بل سعى في إطار بطشه بالجميع لاستفزاز الأقباط أيضًا الذين طالما ابتزهم لتأييده بادعاء حمايتهم من غول الطائفية، حينما حكمت محكمة بني مزار بالسجن على الأطفال الأقباط الأربعة في المنيا بتهمة ازدراء الأديان.

لم يرتكز نظام السيسي فقط على دولته والجماهير المؤيدة له والقوى المدنية التي التفت حوله، بل لم يكن ليثبت أركانه منذ البداية من دون الدعم الوفير الذي تلقاه من دول الخليج المساندة لقوى الثورة المضادة في المنطقة. لكن من الواضح أن نبع الأموال الخليجي لم يعد يضخ ما يكفي لإنقاذ السيسي من أزماته، خاصةً مع انخفاض سعر البترول، وإهدار السيسي المليارات في مشاريع غير ذات جدوى اقتصادية.

بالإضافة إلى كل ذلك، فإن الورطة الاقتصادية التي يقع فيها السيسي، مع انخفاض سعر الجنيه وتدهور السياحة وغيرها من الأسباب، تُعمِّق من أزمة نظامه بشكل كبير. وفي المقابل، يحاول النظام الهروب من هذه الأزمات إلى الأمام بتطبيق المزيد من الشروط الاقتصادية المُجحِفة، برفع الدعم عن الخدمات الأساسية، وتطبيق قانون الخدمة المدنية على موظفي الدولة، مما قد يفتح الباب أمام المزيد من الاحتجاجات الاجتماعية نتيجة الضغوط الاقتصادية الرهيبة التي يتعرض لها الفقراء والعمال.

إن الجدران الصلبة التي وضعها نظام السيسي في طريق الثورة، منذ الانقلاب العسكري، بدأت بالفعل في التشقق لتكشف من خلفها عن طريقٍ جديد يمكن للحركة الجماهيرية أن تبدأ في التوحد فيه ضد هذا النظام الذي يسرق بيد ويقتل بأخرى. لكن النضال الجدي وطويل النفس ضد هذا النظام يستلزم بديلًا سياسيًا يدافع عن الحريات السياسية والحقوق الديمقراطية، تمامًا كما يدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء والعمال، ليجمع شتات الثوار المتناثرة ويقود بوصلة التغيير بالخوض في المعارك – الكبيرة منها والصغيرة – لتوحيدها ضد الاستبداد السياسي والنهب المُنظَّم لقوت يوم المصريين.