بعد امتناعه عن التصويت في مجلس الأمن
النظام يعتبر العنف الجنسي أمرًا عاديًا

امتنعت مصر، يوم الجمعة الموافق 11 من مارس، عن التصويت على قرار مجلس الأمن بمكافحة جرائم العنف الجنسي التي ترتكبها قوات الأمن في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والذي اعتُمِدَ بموافقة جميع الدولة المشاركة عدا مصر.
ليس غريبًا على ممثلي الدولة المصرية إبهارنا بقرارات من شأنها تعزيز جرائم العنف والعنف الجنسي داخل وخارج محيط الدولة، في حال وُجِدَت المصلحة السياسية التي من شأنها أن تُدِر مزيدًا من الأموال لعناصر الدولة، خلف تلك القرارات.
تخضع قضية العنف والاستغلال الجنسيين في عمليات حفظ السلام، كسائر القضايا المطروحة داخل منظمة الأمم المتحدة، لملابسات سعي الدول الأعضاء خلف مصالحها المتباينة.
تنقسم الدول الأعضاء داخل الأمم المتحدة إلى شقين، شق الدول الغربية المتقدمة، والتي تتحمل الجزء الأكبر من التمويل، وشق آخر وهو الدول النامية، والتى تمثل الأغلبية داخل المجلس. وفي عمليات حفظ السلام، تشارك جميع الدول النامية بالقوات، فيما تتحمل الدول الغربية قرابة ثلثي تمويل العمليات.
وبالطبع، ترى مصر مصلحتها، كدولة نامية، في أن تتمكن من الحصول على مزيد من التمويل المستمر لقواتها، حيث ستُعقد في مايو المقبل مفاوضات بشأن موازنة عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة. وبالتالي ترى مصر أن تركيز المنظمة على قضية العنف الجنسي في عمليات حفظ السلام في الوقت الحالي أمرًا قد يحول بينها وبين تمكنها من الحصول على حصة وفيرة من التمويل أثناء المفاوضات، حيث قد تتأثر حصة مصر من التمويل نتيجة بحث المنظمة لمدى جدية الدول الأعضاء في التصدى لجرائم العنف الجنسى التي ترتكبها البعثات. وفي حال أسوأ قد يقوم مجلس الأمن بتوقيع إجراءات عقابية على القوات المتورطة في جرائم العنف الجنسي، بدءًا من استبعاد مشاركة تلك القوات في بعثات جديدة، وحتى حبس الأموال عن الدول المتورطة قواتها في تلك الجرائم.
وفي سياق آخر، ترى الخارجية المصرية في القرار الأمريكي بشأن التصدى لجرائم العنف الجنسى، سحبًا لمزيد من صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتركيزها في يد مجلس الأمن، وهو ما تخشاه مصر لكونها عضوًا مؤثرًا في الجمعية العامة التي تتمكن مصر داخلها من التأثير على عدة تجمعات وجمع أصوات تلك التجمعات في صفها، بعكس الوضع داخل مجلس الأمن الذي تسيطر فيه الدول المتقدمة على القرارات النهائية للمشاورات المغلقة.
وهكذا، فإن المصالح السياسية التى تُمكِن الدولة من الحصول على مزيد من الأموال لصالح عناصرها، دائمًا ما تكون السبب الرئيسي وراء أي قرار تصعقنا الدولة به.
أما عن التصدي لجرائم العنف والاستغلال الجنسيين، فإن النظام الذي اعتاد استخدام العنف الجنسي والاغتصاب للتنكيل بمعارضية، نساءً ورجالًا، داخل السجون، واعتاد استخدام التحرش آليةً لفض تظاهرات النساء كفض مظاهرة الأربعاء الأسود، 25 مايو 2005، ويتغاضى عن تفشي حوادث التحرش الجنسي والاغتصاب داخل المجتمع، ولا يملك حتى القوانين الرادعة لتلك الظواهر، هو نظام لا يمكن أن نتوقع منه ولو تصويتًا لصالح قرار بمكافحة العنف والاستغلال الجنسيين، بل هو نظام يرى مصلحته في التطبيع مع العنف الجنسي حتى يصير أمرًا اعتياديًا يحق للدولة ممارسته في حق معارضيها بشكل منتظم وممنهج.