تسليع الخدمة الصحية وضرورة المقاومة الاجتماعية
في ظل الهجمة الشرسة علي حقوق الفقراء، والتزامًا ببرنامج صندوق النقد الدولي، صدَّق مجلس الوزراء بتاريخ ٣ أبريل الجاري على مشروع قانون التأمين الصحي الشامل الجديد الذي تُروّج له الوزارة، ومن خلفها الحكومة والطبقة الرأسمالية الحاكمة، باعتباره هو الحل الشامل لكل مشاكل المنظومة الصحية وتدني مستوى الخدمة بتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بحجة أن تدخل الدولة يخلق مناخًا غير تنافسي وطاردًا للاستثمار.
جرت عدة محاولات لتمرير هذا المشروع بصيغٍ مختلفة، وفي عصورٍ مختلفة، كان آخرها في ديسمبر الماضي، وتم رده للحكومة بعد مجهودٍ كبير يُحسَب لنقابة الأطباء، ولجنة الدفاع عن الحق في الصحة، ونجاحهما في حشد رأيٍ عامٍ مناهضٍ للمشروع، والمطالبة بتعديلات جوهرية علي نصوصه تنحاز للمرضى الفقراء.
والآن تسعى الدولة من جديد لتمرير هذا المشروع الكارثي دون أدنى تعديلٍ جوهري في نصوصه، مستغلين حالة الإحباط الكبيرة الناتجة عن هزيمة ثورة يناير والقمع الأمني غير المسبوق في تاريخ مصر وأيضًا حالة الخواء السياسي الحالي.
ولا يزال القانون ينص على:
طرح فكرة الشراكة بين القطاع العام والخاص في تقديم الخدمة التي ستتم بطريق “التعاقد” مع المستشفيات الحكومية أو الخاصة التي ستنطبق عليها “شروط الجودة” والتجاهل التام لاي نص علي عدم جواز إغلاق أو بيع أو مشاركة القطاع الخاص في المستشفيات الحكومية بأية صورة من الصور بالتالي فالمقصود بمصطلح “الجودة” في القانون سيكون دعم احتكار القطاع الخاص للخدمة، واحتكاره للتعاقدات، فهو بابٍ خلفي للاستغناء عن المستشفيات الحكومية و خصخصتها أو بيعها كأصول، بدعوى عدم تحقيقها لمعايير الجودة هذه.
كما يهدد هذا القانون حقوق ومكتسبات مقدمي الخدمة الصحية إما (بشكل مباشر) فلا يوجد ضمان بالحفاظ على أي حقوق مكتسبة للأطباء والعاملين بالمستشفيات التي سيتم التعاقد معها و(بشكل غير مباشر) عبر سياسات معايير الجودة التي ستمهِّد الطريق لغلق الكثير من المستشفيات الحكومية، ومن ثم خصخصتها، وبالتالي سقوط حقوق الأطباء العاملين بالمكان والاستغناء عنهم، وهو ما يتماشى مع تصريحات الحكومة الحالية حول التوجه العام للتخلص من نصف الجهاز الإداري للدولة تقريبًا وتمرير قانون العاملين المدنيين بالدولة الذي يجيز الفصل من الخدمة بدون قرار وزاري.
كما يضيف القانون آعباء جدية علي المشتركين بالتأمين الصحي بفرض مساهمات تمثل نسبة مئوية من تكلفة العلاج فى العيادة الخارجية تصل إلى 20% من سعر الدواء، و10% من سعر الأشعات و5% من سعر التحاليل بدون حد أقصى واعتبارها قسما أساسيا من تمويل الخدمة وشرطًا أساسيًا في تقديمها ودون نص صريح علي حق غير القادرين في العلاج مما سيُشكِّل عائقًا ضخمًا أمام تقديم الخدمة الصحية لقطاع ضخم من الشعب المصري في دولة يقع نصف عدد سكانها تحت خط الفقر.
هذا علاوة على ارتفاع الاشتراك اساسا لقطاعات عدة مثل الزوجة التي لا تعمل حيث صار اشتراكها بنسبة 2.5% من إجمالي أجر الزوج، كما ارتفع اشتراك الابن إلى 0.75% من أجر الأب، وبموجب القانون يُلزَم أصحاب المعاشات بدفع اشتراك الزوجة والأبناء المُعالين ومساهماتهم.
لا يمكن التعامل مع هذا القانون بمعزل عن باقي القرارات والقوانين التي يقوم النظام الحالي بتمريرها، سواء داخل قطاع الصحة مثل حثّ السيسي الحكومة على خصخصة مستشفيات التكامل الصحي أو قراره بزيادة نسبة خدمة العلاج بأجر بـ٧٠ مستشفي عام ومركزي كمرحلة أولى، أو تحرير سعر الدواء وضم مستشفيات الجيش و الشرطة للموازنة الصحة كرقم مغلق، رغم انفصال موازنة الجيش الكلية عن موازنة الدولة، مما يعد بمثابة “بيزنس” جديد للجيش عبر الاستثمار في مجال الصحة على حساب المرضي الفقراء، أو خارج القطاع الصحي مثل تعويم سعر العملة و رفع الدعم عن المحروقات وبيع شركات القطاع العام وحتى بيع جزرتي تيران وصنافير.
تسعى حكومة الجنرالات، تحت غطاء كثيف من الشعارات الوطنية الزائفة، لتقديم نفسها لقوى الليبرالية الجديدة والرأسمالية العالمية والبنك الدولي كشريكٍ قادرٍ على تمرير سياساتها الاحتكارية وشروطها المعادية للفقراء التي فشلت حكومة مبارك في تمريرها بالكامل من قبل، وذلك لضمان استمرار تدفق المنح والقروض وضمان أن تقوم مؤسسات الليبرالية الجديدة العالمية بالقبول بدمجهم في بنيتها الاقتصادية، وتوسيع نفوذهم السياسي علي المستوى المحلي والإقليمي والدولي. وكل ذلك يتطلب من جبهة المقاومة للمشروع توسيع دائرة تعاطيها مع الموقف وفقًا لهذه الرؤية بما يسمح بالانفتاح علي كل القطاعات المقاومة لسياسات الليببرالية لجديدة والرافضة لإجراءاتها القمعية النيوليبرالية علي كل المستويات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية.