بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

وليّ العهد والسيسي: مكاسب سعودية وخنوع مصري

السيسي يستقبل ابن سلمان في مصر
السيسي يستقبل ابن سلمان في مصر

زيارة ولي العهد السعودي الأسبوع الماضي لمصر والضجة التي صاحبتها، وتكدُّس شوارع القاهرة جرَّاء مرور الموكب الملكي، عكست بكل وضوح طبيعة العلاقة بين نظام الثورة المضادة في مصر وكفيله السعودي.

فقبل وصول الأمير لمطار القاهرة، كانت المحكمة الدستورية العليا تطلق حكمها بإلغاء الأحكام القضائية بشأن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة، لتعتبر الاتفاقية التي تنازل النظام بموجبها عن جزيرتيّ تيران وصنافير من أعمال السيادة وتؤكِّد سريانها. وفي تجاوزٍ لكل القواعد الديبلوماسية وقف رئيس الجمهورية أسفل سلم طائرة الأمير لاستقباله.

وبينما جرى تسويق الزيارة التي استمرت لثلاثة أيام كتأييدٍ من بن سلمان للسيسي أثناء الانتخابات الرئاسية، الخالية من أي منافسة، بدا واضحًا أن الزيارة ليست إلا استعراضًا لنفوذ ولي العهد في كبرى دول المنطقة تمهيدا لتنصيبه ملكًا، حتى أن مكاسبها فاقت مكاسب زيارة الملك الأب التي حصلت خلالها المملكة على جزيرتيّ تيران وصنافير، حيث أذاعت وكالة رويترز للأنباء خبر اتفاق تقديم النظام 1000 كم مربع للأمير في جنوب سيناء كجزءٍ من مشروع نيوم الذي أطلقه الأمير كمُسوِّغٍ اقتصادي لتوليه العرش. وهو ما لم يصدر به نفيًا واضحًا من النظام في مصر، بل اقتصر الأمر على تصريحاتٍ غامضة، واعتمد النظام على نفي الأمير نفسه، بينما اكتنف الغموض كالعادة الاتفاقيات التي أُبرِمَت خلال الزيارة.

الفارق بدا واضحًا بين زيارة بن سلمان للقاهرة، وزيارته للندن، التي عقد فيها صفقة الـ43 طائرة مقاتلة، وسط حملات معارضة لزيارة قاتل أطفال اليمن ومظاهرات وصفت الأمير، الذي استُقبِل في القاهرة استقبال العظماء، بمجرم الحرب.

الزيارة عبَّرَت عن التحوُّل في قواعد العلاقة بين النظامين المصري والسعودي، ليس فقط في توقُّف المنح والمساعدات التي أنقذ بها النظام السعودي نظام الثورة المضادة قبل ثلاث سنوات، ولكن في طريقة ولي العهد في استرداد ما قدمته المملكة مُضاعَفًا، عبر الاستفادة من الامتيازات التي يحصل عليها في مصر كأكبر مستثمرٍ عربي.

لم يكن دعم نظام السيسي الهم الأساسي لولي العهد في زيارته، فالزيارة تبدو كإحدى حلقات جولة بن سلمان تمهيدًا لتنصيبه ملكًا، خلفا لأبيه، خاصةً بعدما قام بالترتيبات الداخلية، فقبل وصوله للقاهرة استقبل رئيس وزراء لبنان، وانطلق من القاهرة إلى لندن، ثم يلتقي بترامب في واشنطن، في جولةٍ تبدو ضرورية لترتيبات توليه العرش. والذي لن يحدث بطبيعة الحال إلا بصفقةٍ كارثية على حساب القضية الفلسطينية لم تتضح أبعادها بعد، ولكن المُؤكَّد أن دور نظام السيسي فيها مركزي. يحتاج بن سلمان مباركة لندن وواشنطن، وبالتالي إسرائيل لتوليه العرش، وهو ما يبرم من أجله صفقات استثنائية في ضخامتها، ويفتح خزائن المملكة على مصاريعها أمام ترامب وتريزا ماي. ولا يتوقَّف الأمر عند الصفقات الاقتصادية، فالصفقة السياسية تبدو أهم وأخطر، وبدأها ترامب بالفعل بنقل بقرار نقل السفارة الأميركية في الكيان الصهيوني إلى القدس المحتلة، وسط ردود أفعال فاترة من قبل الأطراف العربية، ولن يتولَّى بن سلمان العرش إلا بإتمام هذه الصفقة.

لقد ظهر دور النظام السعودي منذ اللحظة الأولى في الثورات العربية كقائدٍ للثورة المضادة، عندما توجَّهت طائرة بن علي إلى المملكة كمأوى وحيد للطغاة. وترسَّخَ هذا الدور مع الوقت بدعم وتأييد الثورات المضادة في مواجهة كل الثورات، حتى لعبت القوات السعودية دورًا مباشرًا في قمع الثورة في البحرين. وبعد انتصار الثورات المضادة، تسعى المملكة اليوم لقيادة نظام إقليمي يقوم على مجموعةٍ من النظم السلطوية، تفاديًا لانطلاق الثورة مجددًا، وتصفية أهم قضايا المنطقة التي كانت ولا تزال أحد أهم مُحرِّكات الشارع في المنطقة.