بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

رؤيتنا (تقرير سياسي دوري تصدره حركة الاشتراكيين الثوريين) – 13 يونيو 2018

الاشتراكيون الثوريون

بين تضييق القبضة الأمنية ومواصلة الهجوم على معيشة الفقراء
تتوالى هجمات نظام السيسي منذ بداية ولايته الثانية على الحريات والحقوق. فبعد شطب الآلاف من مُرشَّحي النقابات العمالية لتصبح الغالبية العظمى من اللجان النقابية خالية بشكل شبه مطلق من الكوادر النقابية الشريفة ذات الخبرة، تحول النظام للهجوم على الصحافة وحرية الرأي والتعبير. جاء ذلك مع إقرار 3 قوانين جديدة سيُعاد بموجبها تشكيل المشهد الإعلامي وهي قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام، وقانونيّ الهيئتين الوطنية للصحافة والإعلام والمنوط بهما الإشراف على وإدارة الإعلام المملوك للدولة. تمنح القوانين الجديدة سلطاتٍ غير مسبوقة للمجلس الأعلى للإعلام التابع للأجهزة التنفيذية، في حجب المواقع وإلغاء التراخيص وغلق المواقع الإلكترونية، وتحويل الصحفيين والكتاب على مواقع التواصل للمحاكمة. يستمر هذا التضييق مع مواصلة حملات الاعتقال للنشطاء، وما رأيناه أخيرًا من هجوم البلطجية على حفل إفطار القوى المدنية.

من الجانب الآخر، أعلن وزير الكهرباء عن زيادة أسعار الكهرباء بنسبٍ تتراوح بين حوالي ٧٪ لأعلى شريحة (استهلاك الأغنياء) إلى ٦٩٪ على أقل شريحة (استهلاك الفقراء). وننتظر خلال الأيام المقبلة زياداتٍ جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز، فضلًا عن زياداتٍ سابقة شملت تذاكر المترو وفواتير المياه. إذن، تواصل الدولة العصف بمستوى معيشة الجماهير بالاستمرار في رفع الدعم عن السلع والخدمات الحيوية، وفي الوقت نفسه تُضيِّق الخناق على إمكانية المقاومة (مهزلة الانتخابات النقابية) أو حتى التعبير عن معارضة تلك الإجراءات (قوانين الإعلام والصحافة ومواقع التواصل).

تأتي قرارات تضييق الخناق ورفع الأسعار أيضًا في سياق التحضير السياسي لمعركة تغيير الدستور لمدِّ فترات الرئاسة حتى يستمر السيسي في السلطة بعد فترته الثانية (مد الفترة من ٤ إلى ٦ سنوات وفتح عدد الفترات لما يتجاوز الفترتين).

لقد أصبح من الواضح أن المعركة بالنسبة للسيسي لم تعد حتى على مستوى التبريرات الأيديولوجية حول تهديد الإخوان المسلمين أو الإرهاب أو “بقاء الدولة” أو حماية البلاد من الانزلاق لحرب أهلية مثل سوريا وليبيا، بل حرب يشنها النظام ضد الفقراء لتحميلهم ثمن أزمة الطبقة الحاكمة ولتدمير كل ما تبقى من معارضة لوأد أي مقاومة ولتمهيد الطريق لتثبيت الديكتاتورية العسكرية لليبرالية الجديدة (الرأسمالية بوجه عسكري قبيح).

ولكل ذلك، فمن الواضح أن السنوات الأربع المقبلة سيتحدَّد فيها ملامح فترة تاريخية طويلة نسبيًا. فإما بناء القدرة على مقاومة هذا الهجوم على المستوى الاقتصادي والسياسي أو دفع الثمن الفادح لو تمكَّن النظام من تثبيت حكمه الديكتاتوري.

الأردن ونجاح المقاومة
انتصار الحركة الجماهيرية الأردنية في إرغام الملك على التراجع عن قرارات الحكومة يؤكِّد أن المقاومة ممكنة وأن قرارات الإفقار الاقتصادية وسياسات صندوق النقد الدولي ليست قدرًا ولا ضرورة حتمية لا بديل لها.

فبعد أقل من عامٍ من رفع الحكومة الأردنية لأسعار السلع الأساسية والوقود والطاقة والضرائب (منذ يناير ٢٠١٨ رفعت الحكومة ضريبة المبيعات بنسبة ١٠٪ على ١٦٤ سلعة بما في ذلك الألبان والخضروات والفواكه، وتضاعف سعر الخبز وارتفعت أسعار الوقود خمس مرات وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة ٥٥٪)، لم تعد الجماهير الأردنية قادرةً على تحمُّلِ المزيد من “الإصلاح الاقتصادي”، فمع طرح الحكومة في ٧ مايو ٢٠١٨ مشروع قانون الضرائب الجديد، الذي يُوسِّع شرائح ضريبة الدخل ويُدخِل شرائح جديدة كانت معفاه في السابق، أخذ مجلس النقابات المهنية خطوةً جريئة بالدعوة لإضراب قبل نهاية الشهر. وعندما فشلت محاولات رئيس الحكومة في إثناء المجلس عن قرار الإضراب دون التخلي عن مشروع القانون، بدأ الإضراب في ٣٠ مايو بانضمام ٣٣ نقابة وجمعية في إضراب عام ومسيرات ضخمة لإسقاط الحكومة. وفي اليوم التالي مع تنفيذ الحكومة للزيادة الشهرية في أسعار الكهرباء والوقود طبقًا لاتفاق الصندوق الدولي، كانت مبادرة الإضراب كافية لتشجيع جماهير الفقراء على التظاهر والاعتصام في مختلف مدن الأردن وأضيف لمطلب إسقاط مشروع الضرائب مطلب إلغاء زيادة الأسعار وإسقاط الحكومة!

قوة وتنظيم وصمود الحركة وانتشارها أدوا في أقل من ٢٤ ساعة إلى إصدارِ أمر ملكي بإلغاء زيادة الأسعار. ولكن الحركة استمرت حتى قدَّمَت حكومة هاني الملقي استقالتها وسحب رئيس الوزراء الجديد مشروع قانون الضرائب “لإعادة دراسته”.

إذن فنحن نتحدَّث عن انتصارٍ كامل لحركةٍ جماهيرية عربية في ٢٠١٨ بعد ٥ أعوام من الهزائم المتتالية. خطورة هذا الانتصار على الديكتاتوريات العربية وثورتها المضادة أصبح واضحًا حين تدخَّلَت السعودية والكويت والإمارات لإنقاذ النظام الأردني بحزمةِ مساعداتٍ ستتجاوز 2.5 مليار دولار. هل ستنجح قوى الثورة المضادة في قمع هذه الحركة الجديدة، وهي نفسها القوى التي لعبت الدور الرئيسي في دعم الثورات المضادة منذ 2011، أم ستكون الحركة الأردنية شرارة لاندلاع حركات مشابهة في المنطقة؟ هل نشهد بداية نهاية سنوات الهزيمة والتراجع؟ أم لحظة استثنائية؟ مجرد ومضة من الضوء ستُطفئ سريعًا؟ وماذا نفعل كيسارٍ في المنطقة العربية لتغيير توازن القوى لصالح الجماهير والثورة؟

قمة الدول السبع
ربما أشارت أزمة قمة الدول السبع في كندا إلى مأزق يواجه الرأسمالية العالمية في الفترة المقبلة. فالدول الصناعية الكبرى المشتركة في القمة تُمثِّل أكثر من ٤٠٪ من إجمالي الناتج المحلي عالميًا و٦٢٪ من صافي الثروة عالميًا (٢٨٠ تريليون دولار). كبرى الدول الرأسمالية هذه تُشكِّل العصب الأساسي لحلف الناتو وكان مؤتمرهم السنوي أحد الوسائل الدبلوماسية الأساسية لإدارة الاقتصاد العالمي الرأسمالي ولتنسيق العمل تجاه مختلف التحديات والأزمات منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي (من الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة حتى تسعينيات القرن الماضي، إلى الهجرة والحركات الإسلامية في القرن الحالي، وصولًا إلى أزمة الركود الكبير في عام ٢٠٠٨).

لكن أن يتحوَّل المؤتمر السنوي لهذا التحاف إلى تبادل الإهانات بين الرؤساء وعدم الاتفاق على بيانٍ ختامي وتوعُّد الرئيس الأمريكي بفرض المزيد من الجمارك على السلع الأوروبية وتصعيد ما يمكن أن يتحوَّل إلى حربٍ تجاريةٍ شاملة، فهذا هو الأمر غير المسبوق تاريخيًا. بالطبع يبدو الأمر للوهلة الأولى مواجهة بين ترامب المجنون، وقادة أوروبا واليابان العقلاء. ولكن الأمر أعقد من ذلك. فجميع هؤلاء القادة يديرون منظومةً رأسماليةً تشهد تغيُّراتٍ هيكلية وأزماتٍ وتحدياتٍ لم يواجهوا مثلها من قبل. فهناك أولًا الصعود الاقتصادي الهائل للرأسمالية الصينية والذي يُهدِّد بتغيير موازين القوة ليس فقط في المجال الاقتصادي والتكنولوجي بل عاجلًا أم آجلًا في المجال العسكري والجيوستراتيجي.

هذا التحدي نرى بداياته في الهيمنة الصينية الحالية على مشاريع الطاقة وإنتاج الكهرباء في مختلف الدول الأفريقية والأسيوية، بل دخولها أيضًا إلى سوق الطاقة في الجنوب الأوروبي وأمريكا اللاتينية. والمشكلة بالنسبة للرأسماليات الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، ليست فقط حجم الاستثمارات الصينية (١٢٣مليار دولار في ٨٣ مشروع في مختلف أنحاء العالم بين ٢٠١٣ و٢٠١٨) بل أيضًا في استخدامها لتكنولوجيا شديدة التطوُّر في نقل الطاقة (ما يسمى تكنولوجيا الكابلات فائقة الجهد)، بل محاولات شركات الطاقة الصينية لإنشاء شبكات لنقل الطاقة على المستوى القاري.

وهناك نموذجٌ آخر للتحدي الصيني وهو في مجال الكومبيوترات فائقة السرعة، وهي التي تُعتَبَر مُكوِّنًا أساسيًا في النقلة الصناعية الآتية نحو الذكاء الاصطناعي والروبوتات (من ٥٠٠ أسرع كمبيوتر عالميًا تمتلك الصين اليوم ٢٠٢ في مقابل ١٤٣ للولايات المتحدة). هذه فقط نماذج قليلة لمجالات التفوُّق الصيني في الإنتاج والتكنولوجيا الرأسماليين وما تُشكِّله من تحدي حالي للرأسمالية الغربية وخطر تنافسي داهم على المدى الطويل.

وعلى مستوى آخر يُعبِّر التشنُّج الأمريكي والتوتُّر الأوروبي عن المشكلات طويلة الأمد التي أحدثها الركود الكبير منذ ٢٠٠٨. فعلى الرغم من تجاوز الأزمة المباشرة وعودة النمو الاقتصادي وانخفاض معدلات البطالة، فقد فجَّرَت تلك الأزمة وتبعاتها موجاتٍ من الغضب الجماهيري تجاه سياسات العولمة والليبرالية الجديدة. وهو غضب انعكس في انهيار شعبية الأحزاب الوسطية التقليدية وصعود للشعبوية اليمينية من جانب، وفي بعض البلدان ليسار معادي لليبرالية الجديدة من جانبٍ آخر. إذن فعودة السياسات القومية الحمائية هو نتيجةٌ لتغيُّر التوازنات القديمة للرأسمالية العالمية، والتوابع السياسية والاجتماعية لأزمة الركود الكبير منذ ٢٠٠٨، وليس مجرد تعبير عن جنون وغرور ترامب.

قمة ترامب وكيم
أكَّدَت القمة غير المسبوقة، بين دونالد ترامب وكيم جونج أون رئيس كوريا الشمالية، حالة السيولة والتقلُّب التي يتصف بها النظام السياسي العالمي اليوم. فمن التهديد بالحرب والدمار النوويين إلى الصداقة وغداء العمل والمصافحات والابتسامات.

ولكن يخطئ من يظن أن المشكلة الكورية قد وصلت إلى حلٍّ وأننا سنشهد تفكيك النظام الكوري الشمالي لأسلحته النووية في مقابل مساعدات اقتصادية أمريكية في المستقبل المنظور. فالتاريخ يشير إلى أن التخلي عن أسلحة دمار شامل لا يؤدي إلا لدمار شامل لمثل تلك النظم (العراق وليبيا نموذجين) أو استمرار الحصار والضغط من أجل المزيد والمزيد من التنازلات (إيران نموذجًا).

وأيضًا فالقضية الكورية (الانقسام والنظام الانعزالي المستبد في الشمال) هي نتاجٌ لتاريخ طويل من الاستعمار والإمبريالية وصراع القوى الكبرى (من الاستعمار الياباني إلى التدخُّل العسكري الأمريكي إلى النفوذ والحماية الصينية والروسية للنظام في الشمال). كل هذه القوى مازال لها مصالح متناقضة في شبه الجزيرة الكورية ستقف عقبة أمام أيِّ حلٍّ أمريكي للقضية.

من غير المُتوقَّع تجاوز الوضع الحالي دون تدخُّل ووحدة الجماهير الكورية في الجنوب وفي الشمال. فمصلحة الغالبية العظمي من العمال والفقراء في الكوريتين تكمن في السلام وتجاوز الانقسام. أما مصلحة الطبقات الحاكمة في الجانبين فتتعلَّق باستمرار الانقسام والتنافس العسكري والتحالفات الإقليمية المتنازعة.