مرة أخرى حول رفع الأسعار والتغييرات الوزارية

يبدو أن السيسي يمضي قُدُمًا في هجومه القاسي على معيشة الغالبية العظمى من المصريين، برفع أسعار كافة أنواع الوقود بنسبٍ كبيرة، وهو ما انعكس بشكلٍ مباشر في أسعار المواصلات وكثير من السلع الأساسية.
تصوَّرَ البعض أن الحكومة ستؤجِّل هذا الإجراء في ضوء أحداث الأردن. ولكن ذلك التصوُّر يُخطِئ فهم عقلية الديكتاتور، فهو يريد أن يتحدَّى الجماهير الفقيرة. يريد أن يهزم ما تبقى من إرادةٍ أو قدرة على المقاومة. فمازال السيسي يحارب أشباح ثورة يناير. يريد ذلك المزيج من الهزيمة والخوف واليأس. ولكن مرةً أخرى يجب التأكيد على أن حساباته خاطئة، وأن ثورة يناير والحركات الاجتماعية والعمالية التي فجَّرَتها مازالت حيةً في عقول وقلوب الملايين. نعم، بالتأكيد هناك خوفٌ وقلقٌ، وهو مُبرَّرٌ تمامًا وعقلاني في ظل دموية النظام، ولكن الوضع غير قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية، فما يُسمَّى بـ”الإصلاح الاقتصادي” مازال في منتصف الطريق وهناك المزيد والمزيد من رفع الأسعار في الشهور والأعوام المقبلة. بل سنواجه موجةً جديدةً وغير مسبوقة من الخصخصة ومن تقليص العمالة في القطاع الحكومي، أي التشريد وليس فقط الإفقار.
ولكن السؤال هو كيف نقاوم كل ذلك في ظلِّ هذه القبضة الأمنية المجنونة وفي ظلِّ إغلاق كل ما تبقى من مساحات العمل السياسي والنقابي؟
هناك مسئوليةٌ كبيرة ملقاة على قوى اليسار المصري، ليس فقط لوضع خطة للمقاومة، ولكن أيضًا لطرح بدائل ملموسة للسياسات الليبرالية الجديدة وطرح برامج بديلة حتى وإن كان على مستوى دعائي عام تُثبِت للجميع أن هناك طريقًا بديلًا قائمًا على إعادة توزيع الثروة لصالح الفقراء، وأن هذا الطريق البديل ليس مجرد أحلام طوباوية، بل أنه الطريق الوحيد للخروج من كابوس رأسمالية السيسي وعصابته.
لعل الإقالة غير المُتوقَّعة لوزيريّ الدفاع والداخلية تشير إلى مدى قلق السيسي على كرسي الحكم. فالوضع مازال انتقاليًا حتى يُحسَم تغيير الدستور لصالح بقائه في الحكم بعد ٢٠٢٢. وستكون هناك بالتأكيد أصواتٌ مُعارِضة لمثل هذا التغيير في صفوف النظام.
وسياسات الإفقار التقشفية والاستبداد الأمني ستذيب سريعًا ما تبقَّى من تأييد تلك القطاعات من الطبقة المتوسطة التي هلَّلَت في السابق لحكمه. ومرةً أخرى، يظلُّ السؤال حول استعداد المعارضة بكافة أطيافها للمواجهات القادمة؟ ماذا سيكون موقف الليبراليون، بما في ذلك من أيَّدَ الانقلاب ثم بدأ مؤخرًا في المعارضة ولو على استحياء؟ ماذا سيفعل الناصريون؟ هل سيهلِّلوم مُجدَّدًا للزعيم الأوحد؟ وماذا عن الإخوان المسلمين الذين يبدو أن انقساماتهم وشلَّلهم السياسي كان أكثر ضررًا حتى من الاعتقالات والقتل؟ وأخيرًا وليس آخرًا: ماذا سنفعل نحن اليسار؟ ما هي القوى اليسارية المعارضة للنظام؟ هل هناك إمكانية للعمل المشترك بين هذه القوى في ظل هذه الظروف الاستثنائية؟ أم سنترك خلافات الماضي وإحباطات الحاضر تعيقنا مُجدَّدًا عن الفعل؟