رؤيتنا (تقرير سياسي دوري تصدره حركة الاشتراكيين الثوريين) – 4 يوليو 2018

مصر: الخروج من عنق الزجاجة؟
خمس أعوام مرت على انقلاب 30/6 – 3/7 المشئوم. وكما الحال كل عام خرج علينا رئيس الجمهورية وقائد الانقلاب ليحدثنا عن معركة الخير والشر والانتصار على المؤامرات الخارجية والداخلية وبالطبع عن الانجازات الكبرى لنظامه منذ ذلك الأسبوع الأسود في صيف 2013.
تحدَّث الرئيس عن الفوضى والانهيار اللذين تسبَّبَت فيهما أحداث الأعوام السابقة (لم يذكر بالطبع ثورة يناير بشكلٍ مباشر)، وعن غياب الأمن والاستقرار وانتشار الإرهاب وانهيار الاقتصاد. ثم جاء الإنقاذ وأُعيدَ بناء أركان الدولة ومؤسساتها الوطنية، وحقَّقت الدولة انتصاراتٍ كبرى على الإرهاب وأُنقِذَ الاقتصاد وارتفع معدل النمو من 2٪ إلى 5٪، واحتياطي النقد الأجنبي من 13 مليار دولار إلى 44 مليار دولار، ونفَّذَت المشاريع العملاقة في البنية الأساسية، إلخ، إلخ. ولكن بالطبع كل هذا الإعجاز يتطلَّب الإصلاح الاقتصادي (يقصد رفع الدعم وسياسات التقشُّف والخصخصة وتشريد العمال والمزيد من الإفقار للغالبية من المصريين.. من أجل مصر!) وهذا الإصلاح يتطلَّب المزيد من التضحيات من الشعب ولابد أن نتحمَّل كلنا من أجل مستقبل مصر. أما تلك المشاريع والدولارات فكلها تُموَّل بقروضٍ ضخمة من المؤسسات والبنوك الدولية والكفيل السعودي. وأقساط وفوائد تلك الديون سيدفع ثمنها الشعب بالطبع، إلى جانب الخدمات الإقليمية من جزرٍ وصفقاتٍ واتفقاتٍ حتى يستمر تدفُّق القروض والمساعدات.
أما المستقبل الذي يتحدَّث عنه السيسي فهو لا يأتي أبدًا. “اعطوني عامين وسترون مصر… مدة واحدة لا تكفي، أربع أعوام إضافية وسترون الإعجاز الحقيقي… لنغير الدستور وتعطوني مدة ثالثة ورابعة”. فالإصلاح طريقٌ طويل والشعب لابد أن يضحي ويتحمَّل.
هذا الخطاب، مع تغيير التواريخ والأرقام يكاد أن يكون منقولًا من خطابات حسني مبارك: الانتصار على الإرهاب والإصلاح الاقتصادي والمشاريع العملاقة.. وضرورة أن نتحمَّل من أجل المستقبل. فنحن على وشك الخروج من عنق الزجاجة. كلها كانت عناصر ثابتة في الخطاب المباركي.
خمسون عامًا من “الإصلاح الاقتصادي” لم نر منه سوى الإفقار للأغلبية والثراء الفاحش للأقلية. وثلاثون عامًا من حجج محاربة الإرهاب ومازال نفس ذلك الإرهاب شماعة النظام لتبرير فشله. وعقود من الفساد والتزاوج بين رجال الأعمال ورجال الدولة، وها هو الفساد يُورَّث لجيلٍ جديد من نفس العائلات ونفس الطبقة.
هذا كله ما ثرنا عليه في 25 يناير 2011. هذا هو النظام الذي أردنا الإطاحة به لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية والديمقراطية. وهذا هو النظام الذي يعيد السيسي بناءه بنفس سياساته وفساده وإصلاحه الاقتصادي.
العمل على بناء بديل لهذا النظام هو المهمة الأساسية لكل من شارك في ثورة يناير وحلم بعالم آخر. علينا جميعًا الخروج من دوامة الإحباط والتشاؤم التي بدأت في مثل هذه الأيام من عام 2013. ولنجعل العام السادس لهذا الانقلاب العام الأول لبناء معارضة جذرية للنظام. وللذين شاركوا في 30/6 أملًا في انتقال ديمقراطي ودور حيادي للمؤسسة العسكرية فعليهم اليوم النظر بعمق لما حدث منذ ذلك الوقت. هل مازال هؤلاء يؤمنون بحيادية الدولة ومؤسساتها؟ وللذين أيدوا الانقلاب خوفًا من الإخوان المسلمين فعليهم أيضًا أن يُقرِّروا: هل كان الارتماء في أحضان العسكر والشرطة والفلول هو الطريق الوحيد لمواجهة الإخوان؟ وللذين أيدوا حكم الإخوان ألم يروا بعد أن الإخوان (مثلهم مثل المعارضة المدنية) لم يخونوا ثورة يناير فحسب بل مهَّدوا الطريق لانقلاب 2013؟ ألم يحن الوقت لبناء معارضة جذرية ومستقلة عن النظام وعن الدولة وعن الإخوان أيضًا؟
المكسيك وتجديد الأمل
في بلد تلو الآخر نجد انهيار للأحزاب التقليدية الوسطية وصعود يمين شعبوي من جانب ويسار مناهض لليبرالية الجديدة من الجانب الآخر. والآن جاء دور المكسيك. فقد فاز أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (يسميه مؤيدينه أملو) المرشح اليساري في انتخابات الرئاسة بحوالي 53٪ من الأصوات في حين لم يُحقِّق مرشحو الحزبين التقليديين إلا 24٪ (مرشح حزب العمل الوطني) و18٪ (مرشح الحزب المؤسسي الثوري). وهذه المرة الأولى، منذ تحول المكسيك إلى الديمقراطية في تسعينات القرن الماضي، التي يفوز فيها مرشح من خارج الحزبين الرئيسيين بالرئاسة. وقد فاز حزب أملو اليساري الجديد وهو حزب مورينو التقدُّمي بأغلبية مقاعد البرلمان المكسيكي.
وقد تركَّزَت حملة أملو الانتخابية على ثلاث محاور أساسية. المحور الأول هو ضرورة إعادة توزيع الثروة والتغلب على الفجوة الرهيبة التي أحدثتها سياسات الليبرالية الجديدة بين الأغنياء والفقراء. هناك أكثر من 50 مليون (عدد سكان المكسيك 127 مليون) مكسيكي يعيش تحت خط الفقر، في حين يعيش فيها أكبر تركز للمليارديرات في أمريكا اللاتينية.
هذا في بلد يعتبر اقتصادها رقم 15 عالميًا من حيث إجمالي الناتج المحلي!
والفجوة في المكسيك ليست فقط بين الأغنياء والفقراء ولكن أيضًا بين المناطق الجغرافية المختلفة حيث تزيد الثروة والتطور الرأسمالي في المحافظات التي تتركز فيها الصناعات المصدرة للولايات المتحدة في حين تظل المحافظات الزراعية في حالة ركود اقتصادي واجتماعي. هذا حال التنمية في ظل الرأسمالية وخاصة بعد عقود من الليبرالية الجديدة.
أما المحور الثاني فهو العنف المستشري في المجتمع المكسيكي. هذا العنف قد وصل إلى معدلات مخيفة (يُقتَل شخصٌ في المكسيك كل 15 دقيقة في المتوسط) بسبب هيمنة عصابات تجارة المخدرات من جانب والفقر وعدم المساواة من الجانب الآخر. أما المحور الثالث في برنامج أملو فهو مكافحة الفساد. وهو طبعًا مرتبط بالمحورين السابقين ولكن بشكل خاص بالعلاقة بين مسئولين الدولة ورجال الشرطة وعصابات المخدرات وكبار الأعمال.
يريد أملو أن تعود الدولة لقيادة الاقتصاد وزيادة ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات وعودة الدعم على السلع الأساسية.
هذا إلى جانب حملة تطهير واسعة النطاق لمحاسبة الفاسدين ومحاصرة تجارة المخدرات والعمل على وقف دوامة العنف المُروِّعة.
ولكن أملو سيواجه بالطبع تحديات كبرى. فالرأسمالية المكسيكية ستقف ضده بكل ما تملك من وسائل بما فيها توجيه حملاتها من خلال الإعلام الخاص. وكارتلات المخدرات وشبكة علاقاتهم داخل الدولة وجهاز الشرطة ستفعل كل ما تستطيع لإفشال برنامجه. وبالطبع سيتعاون معهم ترامب بحملته ضد الهجرة وبحربه التجارية ضد المكسيك. هل سيقوم أملو بتعبئة الجماهير من العمال والفقراء الذين انتخبوه وحشدهم وتنظيمهم لمواجهة التحديات؟ أم سيكتفي بالمحاولات البرلمانية؟ وهل سيقوم بإعادة الصناعات الإستراتيجية (خاصة البترول والغاز) للدولة أم سيخاف من رد فعل الشركات الكبرى؟ هذا ما ستجيب عليه الشهور والأعوام القادمة.