بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

رؤيتنا (تقرير سياسي دوري تصدره حركة الاشتراكيين الثوريين) – 26 يوليو 2018

عودة القضية الفلسطينية
يبدو أننا على أعتاب عدوان إسرائيلي جديد على غزة المحاصرة، فخلال الأسبوع الماضي قصفت طائرات ودبابات إسرائيل عددًا كبيرًا من مواقع المقاومة الفلسطينية، وردَّت المقاومة بإطلاق 180 صاروخ قصير المدى على المستوطنات الصهيونية المتاخمة للقطاع. وقُصِفَت غزة مُجدَّدًا بعد نجاح المقاومة في قنص جندي إسرائيلي على الحدود.

يأتي هذا العدوان بعد شهور من بدء مسيرات “العودة الكبرى”، التي شارك فيها عشرات الآلاف من سكان القطاع ضد الحصار وتأكيدًا على حق الفلسطينيين في كامل التراب الفلسطيني، سواء تلك التي احتلت عام 1948 أو 1967. وما كان من جيش الاحتلال الصهيوني إلا أن قتل المئات وأصاب الآلاف من المتظاهرين الفلسطينيين.

جاء ذلك التصعيد أيضًا في سياق ثلاث تطورات شديدة الخطورة. التطور الأول هو الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس. وهي خطوة تعني عمليًا التبني الكامل للموقف الصهيوني المعارض لحل الدولتين والذي يدعو لضم ما تبقى من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل. والتطور الثاني هو ما يجري تسريبه عن الصفقة الكبرى والتي تريد الولايات المتحدة فرضه على الشعب الفلسطيني والتي تشير إلى قبول الدول العربية، وعلى رأسهم مصر، بتصفية القضية الفلسطينية- الضفة الغربية تدمج في إسرائيل وغزة تُدار بشكل مشترك بين مصر وإسرائيل ويتم استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة بتمويلٍ سخي من دول الخليج.

أما التطور الثالث فهو القانون الإسرائيلي العنصري الجديد والذي يؤكد على أن الدولة الإسرائيلية هي دولة اليهود فقط، وبالتالي الفلسطينيين الموجودين حاليًا في نطاق حدود إسرائيل يصبحون قانونًا “غير مُرحَّب بهم” سواء ثقافيًا أو كمواطنين.

هذه التطورات تشير إلى بدايات موجة جديدة من العدوان والحرب على الشعب الفلسطيني بعد فترةٍ من الهدوء النسبي بمباركة أمريكية وعربية وربما بمحاولة فرض تغييرات جوهرية على وضع سكان غزة والضفة.

منذ تسعينيات القرن الماضي واتفاقات أوسلو ومدريد وإنشاء السلطة الفلسطينية ونحن نشهد كم كان وهمًا ما سُمِيَ حينذاك بحلِّ الدولتين. الصهاينة لم ولن يقبلوا أبدًا بدولةٍ فلسطينية ذات سيادة على أيِّ جزءٍ من فلسطين. وقد أخذت إسرائيل غطاء المفاوضات اللانهائية بينها وبين السلطة الفلسطينية لاستكمال مشروعها الاستيطاني في الضفة وتحويل غزة إلى سجنٍ كبير. لن تقبل الدولة الصهيونية إلا بتصفية القضية الفلسطينية، ولن يوقفها عن ذلك سوى المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة.

ولكن تلك المقاومة تحتاج، خاصةً في هذه اللحظة الخطيرة، إلى كل أشكال الدعم والتضامن. وعلينا نحن في مصر فضح الدور المباشر الذي يلعبه النظام في حصار غزة وفي محاولات تصفية المقاومة. وعلينا أيضًا إحياء أشكال التضامن الشعبي المصري الذي شاركنا فيها خلال انتفاضة عام 2000، والعمل على توسيع نطاق وفاعلية حملة المقاطعة والتي أصبحت حركة عالمية مؤثرة.

القضية الفلسطينية لم ولن تموت. فهم يُجهِّزون للحرب مُجدَّدًا على الشعب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني يستعد لانتفاضته الثالثة ولمقاومة العدوان بكل الوسائل المتاحة.

الانتخابات الباكستانية: بين حكم العسكر وعائلات الفساد
الانتخابات البرلمانية الباكستانية هذا الأسبوع سيكون لها عواقب هامة ليس فقط في باكستان ولكن أيضًا في منطقة وسط وجنوب آسيا.

هناك حزبان أساسيان يتبادلان السلطة في باكستان في العقود الخمس الماضية باستثناء فترات الحكم العسكري المباشر، هما حزب الشعب الباكستاني وتتزعَّمه عائلة بوتو، وحزب العصبة الإسلامية وتتزعمه عائلة شريف. والحزبان غارقان منذ عقود في منظومة من الفساد والمحسوبية التي تفاقمت منذ تطبيق الحكومات المتعاقبة لسياسات الليبرالية الجديدة.

لكن الجديد في الانتخابات الحالية هو صعود حزب ثالث بزعامة نجم الكريكت السابق عمران خان. وقد ازدادت شعبية هذا الحزب مع وعوده بمحاربة الفساد ووقف السياسات التقشُّفية. وهناك، كما في كثير من البلدان، نفورٌ جماهيري من الأحزاب التقليدية وبحثٌ عن بدائل جذرية لتلك الأحزاب. عمران خان ليس بالطبع معاديًا للرأسمالية، ولكن شعبيته المتزايدة تُعبِّر عن حالةٍ من الغضب الجماهيري تجاه حكم نفس العائلات الثرية الفاسدة والتي لم يروا منها سوى الفقر والفشل في التنمية الموعودة.

وهناك بالطبع تشكيلةٌ واسعة من الإسلاميين من داعش وطالبان إلى الجماعة الإسلامية التي تشارك في الانتخابات. هؤلاء يراهنون على الغضب الشعبي وعلى الانقسامات الطائفية في باكستان. ولكن الجماعة الإسلامية أيضًا لا يخلو سجلها من الفساد ومن التحالف مع الأحزاب التقليدية مما يُقلِّص من جماهيريتها ومن فرصها في الانتخابات.

وهناك أيضًا من وراء الستار الجيش الباكستاني. يلعب الجيش دورًا كبيرًا في الاقتصاد الباكستاني إذ يمتلك ويدير مصانع في صناعات السكر والكيماويات والأسمدة ويملك أيضًا أحد أكبر المؤسسات التمويلية في باكستان وهي “البنك العسكري” (هذا فعلًا اسمه) وكثيرًا من المؤسسات والشركات الاقتصادية الأخرى. وقد حكم العسكر باكستان بشكلٍ مباشر لأغلب تاريخها منذ نشأتها في 1947 بعد حرب الاستقلال مع الهند (شهدت باكستان منذ تأسيسها في 1947 أربعة انقلابات عسكرية في 1954 و1958 و1977 و1999).

وحتى في الفترات التي لم يحكم فيها الجيش بشكلٍ مباشر، لعب دائمًا دورًا مهيمنًا في السياسة الباكستانية. وللجيش في باكستان علاقةٌ مُعقَّدة مع الحركات الإسلامية، فمثلًا، الجنرال ضياء الحق قائد انقلاب 1977 ورئيس باكستان حتى اغتياله عام 1988 كان “الرئيس المؤمن” بحق، فقد طبَّق الشريعة الإسلامية (بنكهة عسكرية) بما في ذلك إنشاء المحاكم الشرعية وتطبيق الحدود وتعيين وزراء إسلاميين وأسلمة مناهج التعليم، وقد شارك أمريكا في دعم وتدريب الإسلاميين في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي. أما الآن فيشارك جنرالات باكستان أمريكا مرة أخرى ولكن في محاربة نفس هؤلاء الإسلاميين! وهم يفضلون الآن ارتداء رداء علماني خاصةً منذ حكم الجنرال مشرف في بدايات القرن الحالي. ويبدو أن الثابت الوحيد في مواقف الجيش الباكستاني هو التحالف مع أمريكا!

وأيًا كانت نتيجة الانتخابات هذا الأسبوع، فإن الفائز سيواجه أزمةً اقتصادية حادة وسيكون عليه إما اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وتنفيذ برنامج تقشُّف قاسٍ أو الخروج عن المألوف وتحدي حكم العسكر والفساد من الجانب الآخر. فهل سيفعل ذلك عمران خان لو فاز؟ أم سيخضع لنفس التوازنات التقليدية التي لم يرى منها الشعب الباكستاني سوى الإفقار والاستبداد والفشل الاقتصادي؟

ولكن أين اليسار الباكستاني من كل ذلك؟ هناك بالطبع أحزابٌ يسارية في باكستان ولكن غالبيتها قد تآكل وانكمش في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحوُّل الصين نحو السوق الرأسمالية. والسؤال هو كيف يُبنَى بديلٌ يساري جذري يناضل ضد الليبرالية الجديدة وحكم العائلات الفاسدة وسيطرة العسكر على مقاليد الأمور في باكستان؟