ملاحظات حول مذبحة رابعة والنهضة

1- تمثل مذبحة 14 أغسطس 2013 في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر نقطة تحول هامة في التاريخ المصري الحديث. فقد دشن ذلك اليوم عهد الظلام والخوف الذي تعيش فيه مصر حتى يومنا هذا.
2- أظهرت تلك المذبحة الكبرى مدى همجية ودموية الطبقة الحاكمة المصرية (بجيشها وأمنها وقضائها ورجال أعمالها وإعلامها) وإلى أي مدى ستذهب تلك الطبقة للحفاظ على سلطتها وثروتها.
3- هكذا تتصرف الطبقة الحاكمة ودولتها عندما تتهدد مصالحها. كان هذا هو رد الفعل الحقيقي لتلك الطبقة، ليس لحكم الإخوان المسلمين أو رئاسة محمد مرسي ولكن للتهديد الذي مثلته ثورة يناير 2011 للنظام الحاكم.
4- ما سمي بالتفويض لتلك المذابح لم يبدأ بمظاهرات 26 يوليو التي طالب بها السيسي ولكن بدأ بمظاهرات 30 يونيو 2013. ربما كان الوضع غير واضح للبعض أثناء تلك الأيام ولكن الآن وبعد خمسة أعوام من الثورة المضادة والتي مازلنا نعيش في ظلها فلم يعد هناك شك أن مظاهرات 30 يونيو 2013 لم تكن “موجة ثورية ثانية” ولا مجرد “تصحيح” في مسار الثورة، بل تعبئة جماهيرية لانقلاب عسكري ولتصفية الثورة المصرية. كانت مذبحة 14 أغسطس 2013 في رابعة بمثابة الميلاد الدموي لنظام الثورة المضادة.
5- لم يكن الهدف من المذبحة مجرد فض الاعتصامات المناهضة للانقلاب ولكن الهدف الأساسي كان بث حالة من الرعب لوقف كافة أشكال المقاومة السياسية والاجتماعية في مصر. لم يكن فض الاعتصام يستدعي كل ذلك الدماء وتلك الجثث ولكن السيسي ومن معه أرادوا بذلك العنف الوحشي أن يرسلوا رسالة إلى الشعب المصري كله: إما قبول الانقلاب وما يستتبعه أو مواجهة آلة القتل العسكرية.
6- مسئولية المذبحة لا تقع فقط على الجيش والشرطة ولكن أيضًا على كل من فوض وطبل وهلل للسيسي. دم الشهداء على أيدي المثقفين والكتاب والفنانين والإعلاميين الذين طالبوا بالفض والذين برروا له قبل وبعد المذبحة. وهو أيضًا على أيدي السياسيين من الأحزاب القومية والليبرالية الذين قبلوا أن يشاركوا في حكومة الانقلاب (أغلبهم لم يستقيل حتى بعد المذبحة وظلوا في الحكومة حتى استغنى السيسي عن خدماتهم).
7- أما القوى اليسارية التي هللت للانقلاب والمذبحة بحجة “مواجهة الإرهاب” والتخلص من الحكم “الظلامي” للإخوان، فهؤلاء لم يخونوا فقط كل مبدأ ديمقراطي وإنساني بل عبروا أيضًا عن مدى الإفلاس السياسي لتلك القوى. فبالله عليكم هل من ظلام وإرهاب أكثر من ما نشهده اليوم تحت حكم السيسي؟
8- الفض الدموي لرابعة كان الإفتتاحية لمسلسل الإجهاض الذي أفشل به السيسي ورجاله كل تحرك وكل مظاهرة وكل إضراب منذ الانقلاب وحتى يومنا هذا. كان اعتصاما رابعة والنهضة آخر الاعتصامات الكبيرة التي شهدتها ميادين مصر بعد ثورة يناير، وفضها على هذا النحو الدموي كان بهدف القضاء على ثقافة الاحتجاج نفسها وليس القضاء على اعتصامات الإخوان، فلم ينجح تنظيم اعتصام واحد في شوارع وميادين مصر منذ ذلك اليوم الأسود.
9- هذا كله لا يبرئ قيادات الإخوان المسلمين. فقد أجرمت تلك القيادات تجاه الثورة المصرية أولًا حين تحالفوا مع المجلس العسكري في 2011 و2012، وثانيًا حين حكموا بنفس سياسات نظام مبارك الاقتصادية والاجتماعية وقاموا بحماية مؤسسات الدولة القديمة وعلى رأسها الشرطة والجيش من المحاسبة. وثالثًا حين تحالفوا مع السلفيين ورفعوا شعارات دينية وطائفية حقيرة في الاعتصامات والمظاهرات المناهضة للانقلاب بما فيها اعتصامات رابعة والنهضة مما ساعد السيسي على التعبئة المضادة وعلى عزل الاعتصامات سياسيًا قبل فضها عسكريًا.
10- أحكام الإعدام التي أصدرها قضاء السيسي الأسبوع الماضي ضد الكوادر الإخوانية المشاركة في اعتصام رابعة هي بمثابة إستمرار للمذبحة بوسائل أخرى. فمن لم يتمكنوا من قنصهم أو حرقهم أو سحق أجسادهم منذ خمسة أعوام يريدون اليوم إعدامهم على يد آلة القتل القضائية.
11- كيف نخرج من “النفق المظلم” الذي أدخلنا فيه السيسي ونظامه منذ خمس سنوات؟ مبادرة الإخوان التي صدرت بالأمس بمناسبة الذكرى الخامسة للمذبحة تتسم بنفس الدرجة من التجريد وعدم الواقعية التي اتسمت بها سياساتهم ومواقفهم منذ الانقلاب. فهم يطرحون خطة تقوم على عودة مرسي إلى الرئاسة للإشراف على انتخابات رئاسية جديدة ويدعون إلى حوار سياسي واسع حول هذه الخطة الجهنمية. في حين يستعد السيسي لتغير الدستور ولفترة رئاسية ثالثة من ستة سنوات، يطرح الإخوان عودة مرسي! لا يمكن بناء معارضة حقيقية لحكم السيسي من خلال الأوهام وتقديرات خاطئة حول توازن القوة. (نتذكر كلنا شعار “الانقلاب يترنح” الذي استمر قيادة الإخوان في رفعه لسنوات بعد 2013).
12- الحكم بالقمع والقتل وحدهما لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل ولكنه لن يسقط بالأمنيات والأحلام ولن يسقط أيضًا من تلقاء نفسه. تغير النظام اليوم بعد خمسة أعوام من الديكتاتورية والدم والعصف بكل أشكال المعارضة يستدعي إعادة بناء المقاومة الديمقراطية والاجتماعية من جديد وإستعادة المساحات الديمقراطية التي حاصرها وخنقها النظام من نقابات عمالية مستقلة ونقابات مهنية وجامعات ومن أحزاب وحركات سياسية معارضة.
13- ربما كان السؤال اليوم ليس حول كيفية إسقاط النظام في اللحظة والتو ولكن حول كيفية منعه من تغير الدستور والترشح مجددًا للرئاسة وكيفية استعادة الأدوات والمساحات النضالية التي تمكننا من ذلك. هذه هي الخطوات الأولى الضرورية نحو التخلص من عبد الفتاح السيسي ونظامه ومحاكمته هو ورجاله على جرائمهم ضد الشعب المصري وضد الإنسانية.