بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

صوري، شيَّري، افضحي

السجال واسع النطاق الذي أحدثته واقعة ما سمي بـ”فتاة التجمع” قد فجَّر من جديد قضية التحرش الجنسي في مصر وأظهر مدى الانقسام في المجتمع المصري بشكل عام بين رؤية رجعية تعادي حقوق المرأة وبين وعي نسائي جديد يصطدم بهذه الرؤية بل ويتحداها.

امرأة عاملة تقف على الرصيف في انتظار الأتوبيس الذي يقلها إلى عملها، فتتعرض بشكل متكرر لمعاكسات من رجال يقفون بسياراتهم ويبدأوا في الحديث معها بدون سابق معرفة، ويدعونها إما للركوب معهم أو الذهاب معهم إلى مقهى قريبة. حدثٌ تتعرض له أو لمثله آلاف النساء المصريات كل يوم. ولكن أن تتجرأ المرأة وتتحدى هؤلاء الرجال وتصور الواقعة وتنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا بالطبع ما فجَّر السجال وحوَّله إلى قضية إعلامية في مختلف القنوات التلفزيونية.

أدى التصرف الشجاع لتلك المرأة إلى سيل هائل من الهجوم عليها بالسباب والإهانات واعتبارها هي وليس المتحرشين بها سبب المشكلة. “أنظر ماذا كانت تلبس”، “لم تكن محجبة”، “هي التي أغوت الرجال”، “لماذا تقف هكذا في الشارع”، “لابد أنها داعرة”، إلى آخر التعليقات الحقيرة والمُحرِّضة.

ولكن هناك أيضًا سيل من التعليقات التي تبدي الإعجاب بشجاعة المرأة وتعتبر ما فعلته ليس فقط حقها ولكن مثالًا شجاعًا لما يجب أن تفعله كل إمرأة تتعرض للتحرش الجنسي.

وهناك من بين من يدافعون عن المتحرشين من يدعون أن الرجلين لم يرتكبا جرمًا، فهم فقط أبديا إعجابهما ودعاها بشكلٍ “متحضر” للتعارف، بل وأن هذا شيء طبيعي ومقبول حتى في الدول الأوروبية. إلى جانب أن هذه الآراء تعبر عن درجة كبيرة من الإحساس بالدونية تجاه “أوروبا والدول المتحضرة”، فصحة هذه المعلومة لا تعني إلا أن التحرش ظاهرة عالمية وأن النساء في أوروبا أيضًا يتعرضن لكافة أشكال التحرش من المعاكسات والسخافات اللفظية إلى الاعتداء الجنسي.

حركة “أنا أيضًا” التي انطلقت منذ عامين في أمريكا والتي سرعان ما أصبحت حركة عالمية شاركت فيها الملايين من النساء في مختلف أنحاء العالم أظهرت أن التحرش والاعتداء الجنسي في البيت والشارع وفي أماكن العمل والمواصلات والمساحات العامة لا زالت ظاهرة عالمية وليست فقط ظاهرة مصرية أو عربية.

التحرش الجنسي في مصر أعنف وأكثر انتشارًا لأن الأزمة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والثقافية أعمق وأكثر استفحالًا.

الهجوم الإعلامي والفيسبوكي على “فتاة التجمع” هو تعبير عن مدى الذعر تجاه كل تحدي لفكرة العائلة التقليدية ودور المرأة فيها. المرأة دورها في المنزل كزوجة وأم أو بنت مطيعة. أما الشارع والمساحات العامة فهي ملك الرجل، ومجرد وجود المرأة فيها بما يعني من حرية الحركة والمشاركة كعاملة أو موظفة أو طالبة أمر مرفوض بل يعطي الرجال الحق في التحرش بها، خاصة إن تجرأت وأبدت حريتها فيما تختاره من ملابس ولم تلتزم بزي يخفي ملامح جسدها تمامًا.

هذه الأفكار الرجعية ليست قدرًا أو تعبيرًا عن ضرورة بيولوجية على سبيل المثال. بل إنها رؤية تتبناها الدولة المصرية والمؤسسات الدينية والحركات الإسلامية وتهيمن على قطاعات واسعة من الرجال والنساء. ولكن الثورة المصرية في يناير ٢٠١١ والمشاركة الواسعة للنساء فيها والحركة النسائية واسعة النطاق التي فجرتها، مثلت تحديًا ضخمًا لتلك الأفكار المهيمنة. وقد فرضت سنوات من الثورة المضادة تراجعًا لتلك الحركة وذلك التحدي وجعلت مجرد التحدي الفردي مثل الذي قامت به “فتاة التجمع” يثير كل تلك ردود الفعل العنيفة.

ما نحتاج إليه اليوم ليس فقط تشجيع النساء على تحدي ومقاومة وفضح كافة أشكال التحرش بشكل فردي، ولكن أيضًا العمل على بناء حركات جماعية لمناهضة كافة أشكال اضطهاد المرأة بما في ذلك عدم المساواة في الأجور والحقوق والقوانين. ولكن ذلك لن ينجح إلا إن كان جزءًا لا يتجزأ من حركة ثورية تناضل ضد كافة أشكال الاضطهاد وكافة أشكال الاستغلال وتكون بالفعل منبرًا لكل المضطهدين.