المعارضة المصرية
ماذا بعد انهيار تحالف 30 يونيو؟

يبدو أن حالة الركود السياسي في مصر على وشك الانتهاء. فالقبض على معتصم مرزوق ورائد سلامة ويحيى القزاز وآخرين في آخر أيام العيد والمؤتمر الصحفي الذي أقامته القوى المدنية (الناصرية والليبرالية واليسارية) يوم 27 أغسطس للإعلان عن استنكارها ورفضها لحملة اعتقالات العيد بل والتحريض بشكل علني ضد نظام عبد الفتاح السيسي تمثل نقلةً نوعيةً في شكل المعارضة المصرية وربما بدايةً لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في مصر.
فكل تلك القوى التي شاركت في المؤتمر الصحفي (أحزاب الدستور والمصري الديمقراطي والتحالف الشعبي والتيار الشعبي) كانت مُكوِّنات أساسية في جبهة الإنقاذ وتحالف 30 يونيو المؤيد للانقلاب العسكري في صيف 2013. ما كان يوحد ذلك التحالف كان الكراهية المشتركة للإخوان المسلمين والرغبة في التخلُّص من حكمهم بأيِّ ثمن، بما في ذلك القبول بديكتاتورية عسكرية تصور بعضهم أنها ستكون مؤقتة.
وقد شكَّلَ ذلك التحالف الغطاء السياسي للانقلاب العسكري وللمواجهة الدموية مع الإخوان المسلمين في 2013 و2014. ولكن اليوم وبعد أن استقر حكم عبد الفتاح السيسي وبدأ في الاستعداد لتغير الدستور للاستمرار في الحكم ربما لعقودٍ قادمة، تأكَّد بالفعل انهيار ذلك التحالف، والذي كان قد انتهى فعليًا منذ سنوات. فلم يعد من الممكن لتلك القوى قبول التناقضات الصارخة لحكم عبد الفتاح السيسي. فبالنسبة للقوى الناصرية والقومية، كيف يمكنهم الاستمرار في تأييد نظام لم يتخلَّ فقط عن جزر تيران وصنافير الإستراتيجية لمُمَوِّله السعودي في تنازلٍ صارخ عن السيادة الوطنية، بل سمح خلال 2016 و2017 بمئات الطلعات الجوية الإسرائيلية على أراضي سيناء لضرب “الإرهاب” الإسلامي بعد فشل الجيش المصري في مواجهته. وكيف يمكن للقوى الديمقراطية مثل حزبيّ الدستور والمصري الديمقراطي أن تدعم نظامًا لم يكتف بقمع وحصار الحركات الإسلامية المعارضة بل أغلق كافة المساحات السياسية بل وقمع واعتقل وعذب وخطف نشطاء مدنيين من قواعد ورموز تلك الأحزاب؟ وكيف تقبل قوى يسارية مثل التحالف الشعبي والعيش والحرية، مهما بلغت كراهيتهم لما يعتبرونه “الفاشية الدينية” للإخوان المسلمين أن تظل صامتة تجاه نظام ينفذ سياسات اقتصادية يمينية تتجاوز ما كان يحلم به جمال مبارك ورجاله في العقد الأول من القرن؟ بل ويعيد نفس دائرة جمال مبارك لمراكز اتخاذ القرار (من لم ير هشام طلعت مصطفى مبتسمًا في الصفوف الأولى وراء السيسي في مؤتمر الشباب الأخير؟).
الخطوة التي اتخذها حمدين صباحي وغيره من رموز القوى المدنية في الانتقال إلى صفوف المعارضة الصريحة للنظام هي دون شكٍّ خطوةٌ سياسية شديدة الجرأة، فهي تُعرِّضهم جميعًا لمخاطر الاعتقال والتنكيل والتشهير الإعلامي. فبغض النظر عن مواقف تلك القوى السابقة، فما أُعلِنَ من مواقف في المؤتمر الصحفي خطوةٌ لا رجعة فيها. ذلك الإعلان هو بمثابة إعلان الوفاة الحقيقية لتحالف 30 يونيو فلم يعد في صفوف النظام الآن سوى أحزاب مثل الوفد والتجمع والنور!
لازال أمامنا الكثير للانتقال من مرحلة الإعلان إلى مرحلة البناء لمعارضة ديمقراطية حقيقية وفعَّالة لنظام عبد الفتاح السيسي. فذلك يستدعي أولًا ليس فقط توحيد القوى المدنية التي كانت حتى الأمس القريب في تحالف 30 يونيو، بل أيضًا العمل المشترك مع القوى التي عارضت ذلك التحالف منذ البداية.
وعلى تلك القوى الثورية التي عارضت تحالف 30 يونيو ألا تتخذ مواقف تطهُّرية وحلقية. فهل كان من الأفضل أن يستمر ذلك التحالف قائمًا؟ وألن تحتاج مواجهة نظام السيسي أوسع جبهة سياسية معارضة ممكنة؟ علينا الترحيب بكل من ينضم اليوم إلى صفوف المعارضة الديمقراطية لنظام السيسي مهما تنوَّعَت الخلفيات السياسية وأن نعمل سويًا لبناء جبهة سياسية معارضة قادرة على الوقوف في وجه هذه الديكتاتورية الغاشمة.