رؤيتنا (تقرير سياسي دوري تصدره حركة الاشتراكيين الثوريين) – 14 أكتوبر 2018

السيسي والعدو الذي بداخلنا
مرة أخرى يقارن السيسي في خطابه الأخير بين هزيمة 1967 وثورة يناير 2011 وبين “نصر” أكتوبر 1973 وانقلاب يوليو 2013. ثورة يناير في الخطاب بمثابة نكسة كادت أن تدمر الدولة المصرية والسيسي هو المنقذ الذي خلص البلاد من ذلك المصير الأسود.
مرة أخرى يعبر السيسي عن عدائه وكراهيته وخوفه من ثورة يناير وكل ما تمثله فهي ليست فقط ما أسماه “علاج خاطئ لتشخيص خاطئ” بل شكلت تهديدًا وجوديًا للدولة المصرية لم نتجاوزه تمامًا حتى الآن.
تحدث السيسي عن عدو أصبح معنا وداخلنا. من هو هذا العدو؟ هل يعني الإخوان المسلمين؟ هل يعني الجماعات الإرهابية؟ يتضح من السياق أن العدو المقصود هو كل من يعارض أو يعطل مسيرة السيسي ودولته. كل مضرب، كل متظاهر، كل مطالب بحق أو معبر عن اختلاف فهو بالتأكيد عدو يستهدف تدمير الدولة ويدفع بالبلاد نحو الخراب والفوضى.
ولكن لماذا كل هذا الحديث عن الخوف والأعداء؟ لماذا يحذر رجاله في الجيش والشرطة والإعلام ويطلب منهم أن يظلوا يقظين وألا يطمئنوا؟
رسالة السيسي واضحة وبسيطة وتتضمن ثلاث نقاط: النقطة الأولى هي أن الزيادة الحالية في أسعار البترول تضاعف من عبئ الدعم على ميزانية الدولة وهو ما يعني أننا في انتظار موجة جديدة من زيادة أسعار البنزين والكهرباء والغاز، فالدولة ملتزمة بالتحرير الكامل لأسعار الطاقة بحلول يوليو 2019 بغض النظر عن الأسعار العالمية للبترول. والنقطة الثانية هي أن الشعب عليه أن يتحمل التضحيات القادمة ليس فقط حبًا في مصر بل لأنه هو نفسه أصل المشكلة، فالشعب مسئول عن الزيادة السكانية. فكيف يمكن للدولة أن توفر التعليم والخدمات الصحية وتخلق الوظائف لشعب قد تضاعف عدد سكانه في ثلاثون عامًا؟ وهذه الحجة كما نعرف هي حجة كل ديكتاتور فاشل وظل يرددها حكام مصر من الخمسينات حين كان عدد السكان 20 مليون، إلى التسعينات حين تجاوز العدد 50 مليون إلى أن تجاوزنا اليوم 100 مليون. فإذا كان السكان يزيدون بالملايين فالثروات تزيد بالمليارات. الزيادة السكانية تعني زيادة في عدد العمال وبالتالي زيادة في الإنتاج وفي الثروات المتراكمة من إستغلال هؤلاء العمال. ومن يشك في هذه الحقيقة عليه فقط أن ينظر إلى تجربة الصين، فقد زاد عدد سكانها من نصف مليار في خمسينات القرن الماضي إلى مليار و300 مليون اليوم ولم يمنع ذلك من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم.
أما النقطة الثالثة في رسالة السيسي فهي أن الشعب عليه أن يتحمل التضحيات القادمة “بالصبر والعمل”. أي عليه أن يتحمل المزيد من الإفقار والتجويع في صمت تام دون اعتراض ودون مقاومة. على الشعب أن يكتفي بإنتظار المعجزات من صانع المعجزات الذي يعدنا أن تتحول مصر إلى “دولة غير الدولة” في 30 يونيو 2020. أما من يحاولون المقاومة بالفعل أو بالقول أو حتى بمجرد عدم الحماس لرؤية وخطط الرئيس فهؤلاء هم “العدو الذي بداخلنا”، هؤلاء هم الخونة المتآمرون الذين يريدون إسقاط الدولة وإغراق البلاد في الفوضى. منطق السيسي واضح وبسيط. هناك ثلاث خيارات لا غير: إما الصمت التام أو التطبيل أو السجن. هذا هو التحدي الذي يفرضه السيسي على كل عامل وكل طالب وكل فقير في مصر. وهو تحدي لابد أن يواجه بإعادة بناء للمقاومة الاجتماعية والديمقراطية في النقابات المهنية والعمالية المستقلة وفي الجامعات والمعاهد.
هل سيُعاقَب آل سعود على جرائمهم؟
تحدث الإعلام الغربي كثيرًا خلال الأعوام الثلاث الماضية عن صعود محمد بن سلمان وعن مشاريعه الإصلاحية وعن رغبته في الإصلاح وقابل الأمير الشاب الكثير من القيادات السياسية والاقتصادية فيما كان يروج له أنه بداية تحول نوعي في المملكة، حتى أسماه أحد المعلقين الأمريكيين بقائد “الربيع السعودي”. ولكن كل ذلك الاحتفاء يبدو أنه تبخر فجأة بعد القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي.
أن يقوم النظام السعودي باعتقال صحفي معارض داخل قنصلية سعودية في تركيا وتعذيبه ثم قتله ثم تقطيع جسده بما يبدو أنه أمر مباشر من الأمير الشاب محمد بن سلمان يوضح بدون شك مدى وحشية وسادية ذلك الأمير ونظام آل سعود بشكل عام.
ولكن لماذا كل ذلك الاندهاش والصدمة في العواصم الغربية؟ آل سعود لهم تاريخ طويل من القمع الوحشي لكل من يعارضهم والإعدامات العامة بقطع الرأس مشهد متكرر في الميادين السعودية وكل ذلك بمعرفة وصمت أوروبي وأمريكي. وماذا عن المجازر المتكررة في الحرب اليمنية والملايين من المرضى والجوعى والقتلى من الشعب اليمني الفقير على يد الجيش السعودي وبأسلحة أمريكية وبريطانية بل وبمساعدات لوجستية واستخباراتية من الغرب “الديمقراطي”؟
لماذا يتسابقون اليوم للإعلان عن رفضهم للجريمة البشعة في تركيا؟
المحرك الأساسي ليس بالطبع حقوق الإنسان أو حرية الصحافة، خاصة في حالة إدارة دونالد ترامب. يبدو أن رد الفعل هذا مرتبط بتجاوز النظام السعودي الخطوط الحمراء التي تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة للقوى الكبرى. فالنظام السعودي هو مجرد أحد الأنظمة التابعة للإمبريالية الأمريكية وقد أعلن دونالد ترامب الشهر الماضي أن الملك السعودي لن يبقى في العرش أسبوعين دون الدعم والحماية الأمريكيتين. أن يأمر محمد بن سلمان بقتل صحفي معروف في دوائر الحكم في واشنطن هو بالتأكيد تجاوز للخطوط الحمراء ولا يمكن للإدارة الأمريكية السكوت عنه مهما كانت المصالح المشتركة.
ولكن هناك جانب آخر لتغير موقف العواصم الغربية من الأمير الشاب. فكثير من قرارات وتصرفات ابن سلمان تتسم بالرعونة وسوء التقدير خلال العامين الماضيين، من اختطاف رئيس وزراء لبنان وإجباره على إعلان استقالته إلى قطع العلاقات وإحكام الحصار على قطر (كانت تلك مقدمات لعملية عسكرية تستهدف الإطاحة بالأسرة الحاكمة في قطر وقد منعت الإدارة الأمريكية ذلك).
إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع كندا بسبب نقد كندي لحالة حقوق الإنسان في المملكة إلى تصعيد الصراع الإقليمي مع إيران وربما أكبر الجرائم التاريخية للمملكة وهي شن حرب دموية على شعب اليمن لم تحقق هدفها وهو إنهاء سيطرة الحوثيين الموالين للنظام الإيراني.
هذا إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، فقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة بنسبة 81% خلال العام الماضي ووصلت إلى أقل من 1.5 مليار دولار (تجاوزت 30 مليار دولار في 2011).
وأغنياء السعودية يهربون ملياراتهم إلى الخارج خوفًا من المصادرة بعد اعتقال الكثير منهم واحتجازهم العام الماضي.
ولكن في نهاية الأمر، فلن تتخل الإدارة الأمريكية أبدًا عن عائلة آل سعود وحكمهم المستبد. النظام السعودي هو أحد المراكز الكبرى للثورة المضادة في المنطقة وقد لعب تاريخيًا دورًا هامًا في تمويل ودعم الديكتاتوريات العسكرية عالميًا والحركات اليمينية المسلحة خلال الحرب الباردة (من الكونتراس في نيكاراجوا إلى المجاهدين الإسلاميين في أفغانستان).
ولعب النظام السعودي أيضًا الدور المحوري في صد الثورات العربية خلال 2011-2013 (تمويل ودعم الانقلاب في مصر، التدخل العسكري في البحرين واليمن، إلخ).
هذا كله إلى جانب الدور الاقتصادي للمملكة سواء كمصدر أساسي للبترول والغاز أو كأهم وأكبر مستورد للأسلحة الأمريكية والأوروبية، أو كمركز لأحد أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم.
ستمر زوبعة جمال خاشقجي وستعود المياه إلى مجاريها، حتى وإن استدعى ذلك توبيخًا عائليًا للأمير الشاب.