السيسي و”العدو الذي بداخلنا”

مرة أخرى يقارن السيسي في خطابه الأخير بين هزيمة 1967 وثورة يناير 2011 وبين “نصر” أكتوبر 1973 وانقلاب يوليو 2013. ثورة يناير في الخطاب بمثابة نكسة كادت أن تدمر الدولة المصرية والسيسي هو المنقذ الذي خلص البلاد من ذلك المصير الأسود.
مرة أخرى يعبر السيسي عن عدائه وكراهيته وخوفه من ثورة يناير وكل ما تمثله فهي ليست فقط ما أسماه “علاج خاطئ لتشخيص خاطئ” بل شكلت تهديدًا وجوديًا للدولة المصرية لم نتجاوزه تمامًا حتى الآن.
تحدث السيسي عن عدو أصبح معنا وداخلنا. من هو هذا العدو؟ هل يعني الإخوان المسلمين؟ هل يعني الجماعات الإرهابية؟ يتضح من السياق أن العدو المقصود هو كل من يعارض أو يعطل مسيرة السيسي ودولته. كل مضرب، كل متظاهر، كل مطالب بحق أو معبر عن اختلاف فهو بالتأكيد عدو يستهدف تدمير الدولة ويدفع بالبلاد نحو الخراب والفوضى.
ولكن لماذا كل هذا الحديث عن الخوف والأعداء؟ لماذا يحذر رجاله في الجيش والشرطة والإعلام ويطلب منهم أن يظلوا يقظين وألا يطمئنوا؟
رسالة السيسي واضحة وبسيطة وتتضمن ثلاث نقاط: النقطة الأولى هي أن الزيادة الحالية في أسعار البترول تضاعف من عبئ الدعم على ميزانية الدولة وهو ما يعني أننا في انتظار موجة جديدة من زيادة أسعار البنزين والكهرباء والغاز، فالدولة ملتزمة بالتحرير الكامل لأسعار الطاقة بحلول يوليو 2019 بغض النظر عن الأسعار العالمية للبترول. والنقطة الثانية هي أن الشعب عليه أن يتحمل التضحيات القادمة ليس فقط حبًا في مصر بل لأنه هو نفسه أصل المشكلة، فالشعب مسئول عن الزيادة السكانية. فكيف يمكن للدولة أن توفر التعليم والخدمات الصحية وتخلق الوظائف لشعب قد تضاعف عدد سكانه في ثلاثين عامًا؟ وهذه الحجة كما نعرف هي حجة كل ديكتاتور فاشل وظل يرددها حكام مصر من الخمسينات حين كان عدد السكان 20 مليون، إلى التسعينات حين تجاوز العدد 50 مليون إلى أن تجاوزنا اليوم 100 مليون. فإذا كان السكان يزيدون بالملايين فالثروات تزيد بالمليارات. الزيادة السكانية تعني زيادة في عدد العمال وبالتالي زيادة في الإنتاج وفي الثروات المتراكمة من استغلال هؤلاء العمال. ومن يشك في هذه الحقيقة عليه فقط أن ينظر إلى تجربة الصين، فقد زاد عدد سكانها من نصف مليار في خمسينيات القرن الماضي إلى مليار و300 مليون اليوم ولم يمنع ذلك من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم.
أما النقطة الثالثة في رسالة السيسي فهي أن الشعب عليه أن يتحمل التضحيات القادمة “بالصبر والعمل”. أي عليه أن يتحمل المزيد من الإفقار والتجويع في صمت تام دون اعتراض ودون مقاومة. على الشعب أن يكتفي بإنتظار المعجزات من صانع المعجزات الذي يعدنا أن تتحول مصر إلى “دولة غير الدولة” في 30 يونيو 2020. أما من يحاولون المقاومة بالفعل أو بالقول أو حتى بمجرد عدم الحماس لرؤية وخطط الرئيس فهؤلاء هم “العدو الذي بداخلنا”، هؤلاء هم الخونة المتآمرون الذين يريدون إسقاط الدولة وإغراق البلاد في الفوضى. منطق السيسي واضح وبسيط. هناك ثلاث خيارات لا غير: إما الصمت التام أو التطبيل أو السجن. هذا هو التحدي الذي يفرضه السيسي على كل عامل وكل طالب وكل فقير في مصر. وهو تحدي لابد أن يواجه بإعادة بناء للمقاومة الاجتماعية والديمقراطية في النقابات المهنية والعمالية المستقلة وفي الجامعات والمعاهد.