بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أكثر من خمس سنوات من “الحرب على الإرهاب”: من المسئول الحقيقي؟

استعدادات أمنية في إطار عملية سيناء الشاملة 2018 - صورة أرشيفية

في 30 ديسمبر 2018، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية تحليلًا توصَّل إلى استنتاجٍ بأن “الإرهاب في مراحله النهائية”. وبعد حوالي شهر ونصف، تحديدًا في 16 فبراير الجاري، خرج المتحدث العسكري ببيانٍ جاء فيه أن “15 عسكريًا سقطوا بين قتيل وجريح في شمال سيناء”، في هجومٍ أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنه.

خلال أكثر من خمس سنواتٍ مضت، منذ بدأت “الحرب على الإرهاب”، لا يكف إعلام النظام عن تصديع رؤوسنا ليل نهار بالحملات العسكرية التي توشك على “القضاء التام” على الإرهاب، وآخرها ما أطلقت عليها الأجهزة الأمنية اسم “العملية الشاملة سيناء 2018”. أناشيد وأغاني وطنية ومارشات عسكرية في محطات الراديو والتلفزيون تزامنًا مع شنِّ كل حملةٍ من تلك طيلة السنوات الماضية، ثم تقع هجماتٌ بعضها ربما أكبر مما كان قبل الحملة.

لم ينته الإرهاب، ولم تنته حرب السيسي، رغم كل هذه الحملات العسكرية. لم تنته كذلك رغم استعانة جيش السيسي الخسيسة بقوات العدو الصهيوني الجوية، إذ شاركت مقاتلاتٌ جوية وطائرات هليكوبتر وطائرات بدون طيَّار في شنِّ أكثر من 100 غارة على أرض سيناء حتى العام الماضي، في ظلِّ تكتُّم إعلامي تام من الجانب المصري، وإعلان فاضح من الجانب الإسرائيلي.

لا تتعلَّق المسألة فقط بالفشل الأمني في مواجهة الإرهاب، أو ضعف الإعدادات والتدريبات وما إلى ذلك، بل الأهم من ذلك أنها تتعلَّق بمناخٍ سياسي عام لا يفضي إلا إلى تعزيز الإرهاب.

لا يتولَّد الإرهاب هكذا في الفراغ، ولا ينتعش ويتصاعد من العدم، بل من مصادرة المجال العام والقتل والسجن والتعذيب، ما يدفع ربما بكثيرين مِمَّن يريدون الانتقام من النظام لجرائمه البشعة، إلى نزعات الإرهاب الفردي.

نظرة سريعة على إحصاءات العمليات الإرهابية قد تؤكد ذلك. بلغت العمليات الإرهابية ذروتها في الفترة من يونيو 2014 إلى يناير 2017، إذ وصل عددها إلى 1003 عملية. كانت تلك هي الفترة التي رسَّخَت فيها الديكتاتورية العسكرية أركانها، بغلق مساحات حرية التعبير والاعتقالات والإخفاءات القسرية وحتى القتل والتصفية والإعدامات، من أجل تحصين مجمل سياسات النظام، حيث الإفقار والاستبداد والمصالح الحيوية مع الكيان الصهيوني وممالك الخليج.

لنضع ذلك في المقارنة: من فبراير 2011 إلى يونيو 2012، حين انتزعت الجماهير مساحاتٍ ديمقراطية واسعة فَرَضَتها على النظام من خلال ثورتها، لم تتجاوز العمليات الإرهابية، وفقًا للأرقام الرسمية، 25 عملية. لكن حتى هذا الرقم المحدود يبدو مُخادعًا، لأن 15 منهم وقعوا هجومًا على خط تصدير الغاز للكيان الصهيوني، وبالطبع يعتبِر النظام أن ضرب المصالح الصهيونية في الغاز المصري “عملًا إرهابيًا”. إذن العدد الفعلي هو 10، أي أن 10 عمليات إرهابية فقط وقعت في عام ونصف من الثورة، مقابل 1003 عملية في ثلاث سنوات من الثورة المضادة.

الإرهاب يتصاعد بالتأكيد في ظلِّ الديكتاتورية العسكرية، بل أن هذه الديكتاتورية هي التي ولَّدَته بقمعها واستبدادها، منذ أن فَتَحَت دائرة الدم بمذابح لم يشهد لها التاريخ المصري الحديث مثيلًا. الإرهاب الفردي هو أحد أعراض الإرهاب المُمَنهَج للنظام.

وعلاوة على ذلك، يرتكب الجيش المصري جرائم بشعة في سيناء على مدار السنوات الماضية، من القصف العشوائي وضرب النار المفتوح الذي يطال المدنيين، إلى الاعتقالات الواسعة في صفوف الأهالي، إلى التصفيات الجسدية المتكرِّرة، وصولًا إلى التهجير القسري لأهالي رفح. إذ يعمل النظام العسكري على تفريغ منطقة الحدود بعمق 5 كيلومترات وبطول 13، في إطار خطة ذات مراحل متعددة شَرَعَ في تنفيذها منذ العام 2014. وبَلَغَ عدد المنازل التي هُجِّرَ أهلها إلى أكثر من 4 آلاف منزل في 20 قرية تابعة لرفح.

ومع حظر دخول الصحفيين سيناء، وقبضة النظام المُحكَمة على الصحافة والإعلام بوجهٍ عام، من المُرجَّح أن تشهد هذه الجرائم تصاعدًا في الوتيرة والنطاق في ظلِّ غياب أي رقابة. يرتكب النظام العسكري هذه الجرائم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، في حربٍ يزج فيها بمُجنَّدين لا طائل لهم فيها يُجبَرون على خوض هذه الحرب نيابةً عنه، بينما تُعزِّز هذه الجرائم من المناخ الذي ينتعش فيه الإرهاب نفسه.

يستفيد النظام من هذه الحرب بخلق حالة من الذعر يقصد بها تعبئة تأييد شعبي له، وبتوفير غطاء دائم لقمع المعارضين وتوجيه اتهامات “الترويج لأفكار تنظيم إرهابي” لكلِّ من يرفع صوته ضده. أما خارجيًا، فيحاول النظام من خلال ذلك أن يضمن استمرار علاقاته مع أوروبا، في مسلسل هزلي مفضوح جاءت آخر حلقاته في مشاركة السيسي في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية، حيث شدَّد على أهمية “التعاون” بين الدول، قاصدًا “أمدِّوني بالمزيد من الصفقات”.

الإرهابي الحقيقي والأكبر إذن هو سلطة القمع والقتل، التي لا تتورَّع الآن عن تعديل الدستور لشرعنة بقاء الديكتاتور العسكري في السلطة إلى الأبد، وفي سبيل ذلك ترتكب كل تلك الجرائم، التي جاء آخرها بإعدامات بالجملة على أساس اعترافاتٍ انتُزِعَت تحت تعذيبٍ وحشي. لا يمكن أن يكون الموقف من العمليات الإرهابية في سيناء أو غيرها بالوقوف في نفس خندق هذا النظام، بل في مواجهته. وتتطلَّب هذه المواجهة نضالًا ديمقراطيًا دؤوبًا وطويلًا وشاقًا، لن تُجنى ثماره الآن، لكن لابد من تدشينه على الفور.