الدولة تجيِّش أجهزتها وتنفق بسخاء وترهب المحررين لإنجاح مرشحيها
انتخابات الصحفيين.. جولة مهمة في معركة استعادة الديمقراطية

الجمعة المقبلة يتوجه نحو تسعة آلاف صحفي لاختيار نقيب وستة من أعضاء مجلس النقابة، وهي الانتخابات التي تجري في ظلِّ ظروفٍ سياسية ملتهبة لقرب التعديلات الدستورية ومواصلة النظام هجومه الشرس علي حرية الصحافة والصحفيين، بل والتلويح بإغلاق مؤسسات وتنامي ظاهرة الفصل التعسفي.
الدولة نجحت في حصر المنافسة على منصب نقيب الصحفيين في اثنين من الموالين لها، هما ضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات، ورفعت رشاد القيادي السابق في الحزب الوطني ومسئول إعلام القاهرة في الحزب المسؤول عن سياسات الإفساد والتبعية والاستبداد التي عانى منها الشعب المصري طيلة حكم مبارك.
ولكن خطوة ترشيح موظف حكومي يقود هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية لمنصب النقيب تُعَدُّ غير مسبوقة في تاريخ نقابة الصحفيين، وهي كذلك مخالفةٌ صريحة لقانون النقابة ذاته.
وهي خطوة لا تعبر فقط عن الرغبة المحمومة في الهيمنة واستكمال السيطرة على النقابات المهنية والعمالية، بل تشير أيضًا إلى خشية النظام من خسارة منصب النقيب بعد التدهور الرهيب الذي لحق بأوضاع الصحفيين وحرية الصحافة في ظل النقيب الحكومي السابق، عبد المحسن سلامة، فطرحت رشوان الذي يمثِّل وجهًا مقبولًا وسط دوائر من المعارضة الدولتية بالإضافة إلى القطاع الحكومي.
تسعى الدولة بطبيعة الحال إلى فوز مرشحيها بعضوية مجلس النقابة، أولئك الذين ينتمون إلى طائفة رؤساء التحرير والمتعاونين معها عبر غرفة عمليات تُدار من الأمن الوطني، وميسر لها ميزانية مفتوحة للدعاية وللرشاوي ودغدغة أحلام الآلاف من الصحفيين، الذين تطحنهم ظروف المعيشة متزايدة السوء كل يوم ويعيشون في أجواءٍ من عدم الأمان الوظيفي بعد استفحال ظاهرة الفصل التعسفي.
لا يتورَّع رؤساء مجالس الإدارات والتحرير عن ممارسة الضغوط المتنوِّعة على المحررين لاختيار مرشحيها، بل وطلب بعضهم من المحررين تصوير ورقة التصويت للتأكُّد من التصويت لهم.
في المقابل، تخوض العناصر المعارضة المعركة سعيًا وراء السيطرة على أغلبية عضوية مجلس النقابة بعد أن فضَّلَت المعارضة عدم خوض الانتخابات على منصب النقيب والتركيز خلال هذه الدورة علي عضوية المجلس.
وجلهم يتبنون مطالب تربط بين الوضع الخاص للصحفيين والوضع السياسي العام، وينبهون للمخاطر التي تحيط بالمهنة وتهددها وتجعل الصحفي في قائمة الاتهام معرضًا إما للتشريد وإما لإغلاق مؤسسته أو للحبس، إلى جانب التأكيد على رفض التطبيع مع العدو الصهيوني.
عوامل موضوعية ترفع من فرص كتلة المعارضة أهمها الغضب على أداء المجلس السابق الذي هيمن عليه أنصار النظام وأجواء الاستبداد التي تتعزز بالتعديلات الدستورية، التي تُطبَخ الآن لتأمين حكم الديكتاتور والتي لا محل فيها للحريات وعلى رأسها حرية الصحافة.
تكتسب معركة الصحفيين أهميتها من أنها تأتي في لحظةٍ يحتاج فيها الصحفيون لنقابةٍ قوية. أجاز قانون الصحافة الجديد تصفية المؤسسات القومية ودمجها وإلغاء إصدارات، في حين لم يوفر ضمانات ضد سيف الفصل التعسفي وتشريد العاملين بها، فضلًا عن تمرير لائحة للجزاءات تعاقب الصحفيين بالغرامات والحبس وتقنن حجب المواقع.
أما على المستوى العام، فانتخابات الصحفيين هي محاولة لاستعادة مساحة ديمقراطية واستعادة النقابة للمجال العام، وتأتي بعد أيامٍ من نجاح المهندسين في عقد جمعيتهم العمومية وإقرار زيادة في المعاشات. إلى جانب أنها تاتي قبل شهرين فقط من الاستفتاء المزمع علي التعديلات الدستورية.
ولكن وبالرغم من الضغوط التي تمارسها إدارات الصحف والإغراءات المالية، فإن العدو الرئيسي لقائمة المعارضة والذي يجب مواجهته يتمثَّل في الإحباط العام وشعور الصحفيين باللاجدوى، خاصةً أن المعركة التي كانت تلهمهم، وهي معركة كرسي رئاسة النقابة، قد باتت نتيجتها معلومة.
بالرغم من ذلك، لابد من خوض معركة انتخابات الصحفيين ومساجلة أتباع النظام في كل المجالات عبر طرح مرشحين وبرامج تعبر عن جموع الصحفيين وتنتصر للحرية. وهو ما يستدعي مواجهة الوعي الزائف الذي تروج له الأجهزة الأمنية بعدم انتخاب من يربطون في برامجهم بين الهجوم على حرية الصحافة واستبداد النظام، وكأن الصحفيين يعيشون في جزيرة معزولة لا تتأثَّر بمساحة الحريات في الواقع، وهذه أيضًا ذريعةٌ لعدم الدفاع عن الصحفيين المعتقلين، والتي تبدأ بأنهم مسجوني راي وليس للنقابة أن تدافع عنهم حتى لا تشتبك مع قضايا سياسية، وسرعان ما تمتد إلى عدم الدفاع عن الصحفيين المحبوسين في قضايا نشر.
يتناسى هولاء أن الصحافة لا تحيا إلا في ظل الحرية، وأن سياسات النظام تستهدف كل العاملين بأجر، وأن من واجب النقابة القاعدية أن تناهض هذه السياسات دفاعًا حتى عن المصالح المباشرة لأعضائها بل أن ذلك يعد أهم واجباتها، وأن نقابة جمعيتها العمومية حاضرةٌ وتتسع لكل الصحفيين بغض النظر عن التعيين، بمن فيهم صحفيو المواقع الإلكترونية، ولها علاقات ممتدة مع عمال المطابع قادرة على التصدي للهجمات وانتزاع مكاسب مهمة، بل والحصول علي خدمات مؤسساتية، أما النقابة التابعة والخاضعة التي يسيطر عليها رجال الدولة فلن تحصل سوى على الفتات.
لذا، فإن واجب كل من يريد الدفاع عن استقلالية النقابة والأمان الوظيفي وتحسين الأجور ويسعى للحرية التي لا تزدهر الصحافة إلا في وسطها، ويناضل من أجل الإفراج عن الصحفيين المعتقلين، أن يشارك يوم الجمعة المقبلة، وأن يمنح صوته للعناصر المعارضة، فالانتصار في المعارك الصغيرة يقود في النهاية للانتصار في المعركة الكبرى.