بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

حول تبرعات رجال الأعمال:

هذا وقت الحساب لا الاستجداء

رؤوف غبور
رؤوف غبور، في مداخلة مع برنامج تلفزيوني: "أبقى محتاج فلوس وحد يقولي اتبرع.. طبعًا آسف مش هينفع"

لم تكن الرأسمالية بحاجةٍ إلى أزمة فيروس كورونا لكشف طبيعتها الاستغلالية، ومع ذلك فإنها لم تخيِّب سوء الظن فيها، إذ كشفت أسوأ وجوه طبقة رجال الأعمال في مصر، ووضعت نهايةً لأوهام دور القطاع الخاص الاجتماعي. أصبحنا نسمع بوضوحٍ وبلا خجل، ولا لغة مهذَّبة حتى، تصريحاتٍ فجة من رجال أعمال يطالبون بعودة العمل حتى لو أودى ذلك بحياة العمال، وفي الوقت نفسه تنشر وسائل إعلامية تبرعات هؤلاء لقطاع الصحة، بينما يعلن آخرون منهم رفض التبرع لأنهم أولى به.

الحقيقة أن الأعمال الخيرية التي تضع رجال الأعمال في مصاف رجال البر والإحسان لا تساوي أيَّ نسبة مما جناه نفس المستثمرين على مدار عقودٍ طويلة، سواء بالطرق القانونية أو بخرق القانون والتهرب من تنفيذه.

والحقيقة أن هذا وقت الحساب لا الاستجداء.

ولعل أبرز مثال على ذلك هو مراجعة أرقام التهرب الضريبي الإجمالية التي تصل إلى 530 مليار جنيه تمثِّل أكثر من خمسة أمثال حجم حزمة التحفيز التي أعلنت عنها الحكومة لمواجهة الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا. بالطبع يسهل استنتاج حجم مسئولية رجال الأعمال عن تلال الأموال المنهوبة تلك، فواقع الأمر أن رجال الأعمال يمثلون الطرف الوحيد القادر على التهرب الضريبي لأن ضرائب الدخل تُخصَم من العاملين بأجر من منبعها. علاوة على أن ضرائب القيمة المضافة يسددها المستهلكون رغمًا عن أنفهم في صورة نسبة من سعر كل سلعة. فبالرغم من إخفاء السلطات الضريبية قائمة المتهربين من الضرائب، يسهل بناءً على ما سبق استنتاج من المسئول عن كل تلك الأموال الضائعة، فضلًا عمَّن استفاد من تخفيض الحد الأقصى للضريبة على الدخل للأفراد والشركات من 25% الى 22.5% لمدة خمس سنوات كاملة -قبل أن تعلن الحكومة مؤخرًا نيتها رفع الحد الأقصى للضريبة مجددًا- ومن استفاد من التأجيل المتتالي لضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة.

إنها لحظة الحقيقة إذن: التبرعات لن تنقذنا من كورونا بل انتزاع حقوقنا.

لم نذكر هنا أراضي الدولة التي مُنِحَت لكبار المستثمرين بأسعارٍ رمزية ليشيدوا عليها القرى السياحية والمجمعات السكنية الفاخرة ويجنوا الثروات الطائلة، ولا شركات قطاع الأعمال التي مُنِحَت لهم بأقل من قيمة الأراضي المبنية عليها، ولا ما جنوه من احتكارٍ لخدماتٍ وسلع لسنواتٍ طوال وفرضوا فيها على المصريين أسعارًا باهظة.

إن الفتات الذي تلقيه الرأسمالية اليوم في صورة تبرعات تغسل بها سمعتها لا يجب أن يثنينا عن المطالبة بالحقوق كاملة، فالمجتمعات لا تحتاج للإحسان مِمَّن نهبوها ولكن لاستحقاقات غُيِّبَت طويلًا.