بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أزمة كورونا.. وإعلام “الشلولو”

السيسي وكورونا

يلقي الكثيرون باللوم على وعي فقراء المصريين باعتباره السبب في تفشي فيروس كورونا حاليًا، متجاهلين، ليس فقط دور الفقر في دفع المواطن للمخاطرة بحياته وصحته، والخروج سعيًا خلف لقمة العيش “فالموت من الفيروس محتمل ولكن الموت من الجوع أكيد”، ولكن الأهم هو تجاهل هؤلاء لكم الرسائل الإعلامية التي ترسلها الدولة بشكل يومي، والتي تحط من وعي المواطن، وتقلل من احترامه للعلم والعلماء، وهذه الرسائل تأتي من شخصيات عامة ومسئولين حكوميين، وعبر المنابر الإعلامية للسلطة، في ظل تغييب متعمد للمثقف الحقيقي بالمعتقلات والمنافي، بالإضافة إلى البروتوكول الفاشل الذي تتبناه وزارة الصحة.
في هذا المقال سوف أحاول طرح نماذج للرسائل الإعلامية التي بثها النظام طوال الفترة القصيرة الماضية، وتأثيرها المنحط في وعي المواطن، وسنتناول باقي المحاور في مقالات لاحقة

“الشلولو” يعالج فيروس كورونا
بتصريحات أعادت إلى الذاكرة اللواء عبد العاطي وادعاء قدرته على تحويل الفيروسات إلى “كُفته يتغذى عليها المريض”، صرح مجدي نزيه رئيس قسم التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية خلال استضافته في 6 أبريل الماضي ببرنامج “باب الخلق” الذي يذاع على قناة “النهار” الفضائية المصرية، ويقدمه المذيع محمود سعد، أن أكلة مصرية قديمة اسمها “الشلولو” من أكفأ مقومات المناعة والمضادات لفيروس كورونا، وتتكون من الملوخية الناشفة والماء والبصل والثوم والليمون والملح، وهو التصريح الذي أثار ضجة على وسائل التواصل الإجتماعي لما فيه من تعدي على المنهج العلمي وترسيخ للجهل في وعي المواطن البسيط، وكان لهذه الضجة أثر كبير في إجبار المجلس الأعلى للإعلام على توجيه إنذار وعقوبة لفت النظر لبرنامج “باب الخلق” والإعلامي مقدم البرنامج.

وعلى نفس الخط، خرج طبيب مصري على أحد الفضائيات التابعة للدولة ليتكلم عن علاج الكورونا بأكل الفول المطبوخ على الطريقة المصرية، وتصريح آخر للإعلامية أماني الخياط تعلن فيه أن شرب الشاي والمشروبات الساخنة قادر على علاج فيروس كورونا لأنها “تزقه لداخل المعدة”، وتصريح الإعلامي مفيد فوزي “الشعب الوحيد الذي لم تزره كورونا –غير مصر طبعًا- هو الشعب الهندي، بسبب مادة الكرومنيوم وهي عبارة عن توابل تباع عند العطار وتوضع في الطعام وتستطيع أن تتصادم مع الفيروس وتقضي عليه”.

ما سبق وغيره من التصريحات التي تغرس في وعي المواطن المنهج غير العلمي في التعامل مع الوباء والأزمات، ناهيك عن الشوفينية الزاعقة في خطاباتهم، ومن المضحك جدًا أن يتهم نظام (هؤلاء هم أبواقه الإعلامية) الشعب بالجهل وقلة الوعي!!

هالة زايد: “فيروس غير خطير”
في 14 فبراير الماضي، صرحت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة الحالية، أن فيروس كورونا مثل الأنفلونزا يحتاج إلى الراحة فى البيت والتغذية السليمة، وأن أكثر الذين تأثروا بالفيروس نسبة ضئيلة جدًا، وهم ضعاف المناعة وكبار السن والحوامل وغيرهم، وأن علاج فيروس كورونا خافض حرارة ومضاد حيوي ومتابعة فقط.

وكان لهذا التصريح أثر كبير في نشر رسالة سلبية للجماهير عن مدى خطورة الفيروس، وسوء فهم لقدرته الشديدة على الانتشار، وبالتالي الاستهانة في التعامل معه، خاصة عندما تبعه تصريحات مشابهة لنفس الوزيرة عن قدرة الحكومة على احتواء الفيروس، وأن الوزارة تسبق الفيروس بخطوة..الخ.

كامل الوزير: “من بنوا الأهرامات لن يهزمهم فيروس كورونا”
أثناء افتتاح كامل الوزير وزير النقل الحالي لأحد المشروعات في ٣١ مارس الماضي، صرح في فيديو على يوتيوب ومنشور على اليوم السابع، أن الشعب المصري هو الذي بنى الاهرامات ولن يهزمه فيروس كورونا، وإن ما على الشعب المصري سوى تناول البصل والثوم والبرتقال والليمون والمِش مع التعرض للشمس أثناء العمل ولن يضرهم الفيروس، وهذا التصريح هو إعادة إنتاج لأسطورة اختلاف طبيعة الشعب المصري عن باقي البشر، وأن صحة المصريين أفضل من صحة باقي البشر، وهذه كلها أكاذيب منتشرة بشدة، بسبب تصريحات مثل هؤلاء المسئولين، كما أنه أتى في سياق خداع العمال وحثهم على الاستمرار في العمل رغم الوباء

مدير معهد القلب السابق: “السيسي يمتلك العلاج”
في أبريل الماضي صرح د.جمال شعبان مدير معهد القلب السابق على صفحته بالفيس بوك تعليقًا على زيارة وزيرة الصحة لإيطاليا بصحبة شحنة مساعدات طبية “الرئيس السيسي كتب على صفحته أن مصر مستعدة لتقدم المساعدات لكل دول العالم، وهى “رسالة خفية مبطنة لأصحاب القرار فى العالم بأن مصر مستعدة لتقديم العلاج للعالم بشرط التعاون مع مصر فى الملفات المختلفة والقبول بدور قيادي لمصر عالميًا، عمومًا تابعوا أرقام حالات الكورونا فى إيطاليا فى الفترة القادمة وتراجعها والقضاء على الوباء مثل ما حدث فى الصين، بعد زيارة وزيرة الصحة لبكين، فقد نجحت الصين فى القضاء على الوباء وانخفضت حالات الإصابة بشكل كبير جدا، والسر هو أن مصر قدمت العلاج للصين، ووزيرة الصحة بتكليف من الرئيس السيسى زارت إيطاليا مع شحنة مساعدات طبية، وظهرت دون ارتداء ماسك، متعمدة، دا معناه إننا ربما نكون وصلنا لبروتوكول وقائي.. ومن ثم نستطيع أن نقول: مبروك لإيطاليا القضاء على فيروس كورونا قريبا.. لأن مصر عندها العلاج وستقدمه لإيطاليا”.

تخيل معي عزيزي القارئ تأثير تصريح مثل هذا، أتى على لسان استاذ بكلية الطب ومدير سابق لمعهد القلب وضيف دائم للفضائيات المصرية التابعة للنظام، على وعي المواطن العادي، الذي سيكون على قناعة بأن العلاج موجود في مصر وبالتالي لا داعي لأي إجراءات وقائية أو احترازية في مواجهة الفيروس

وزير الاوقاف: “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”
مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في النصف الثاني من مارس الماضي، ارتفعت الأصوات المطالبة بتعطيل صلاة الجمعة والجماعة، كجزء من خطة شاملة لمنع انتشار الفيروس، ليخرج علينا د.مختار جمعة وزير الأوقاف، ويصر على تأدية صلاة الجمعة بمسجد ماسبيرو 20 مارس الماضي، ليس هذا فقط بل يصعد المنبر خطيبا للجمعة، ويبدأ الخطبة قائلا “قل لن يصيبنا الا ماكتبه الله لنا وكل نفس ذائقة الموت”، وهو نفس الخطاب الذي يتردد بين عموم الشعب المصري، والذي يرسخ للتواكل والاستخفاف بالإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي في مواجهة الفيروس

هاني الناظر: ” نهاية الفيروس أول مايو”
في 2 أبريل الماضي، توقع الدكتور هانى الناظر، استشارى الأمراض الجلدية والأستاذ بالمركز القومي للبحوث، اختفاء فيروس كورونا خلال نهاية شهر إبريل الجارى ، وقال الناظر، خلال استضافته ببرنامج هذا الصباح، أن هناك نظريتان علميتان بشأن توقعات القضاء على كورونا، أولهما أن ارتفاع درجات الحرارة تؤثر على انتشار الفيروس، أما الأخرى فتؤكد أن درجات الحرارة المرتفعة توقف نشاط الفيروس، وكلها تصريحات بدون أساس علمى لا يصح أن تخرج على لسان طبيب وأستاذ بالمركز القومي للبحوث، وبالطبع كان لها تأثير سلبي على وعي المواطن، الذي استنتج أنه لا داعي لمقاومة الفيروس فسوف ينتهي بعد أقل من شهر.

كل هذه النماذج وغيرها كثير، أحد أهم الأسباب في خلق حالة من الوعي الرخو والمتأخر بالأزمة ومدى خطورتها، والتعزيز من الأوهام حول اختلاف الشعب المصري عن غيره من شعوب المنطقة والعالم، والاستهانة بالعلم والمنهج العلمي، وطبعا كل هذا في سياق سياسات قمع وإفقار خلقت مستوى فقر قياسي وصل إلى 33% وفقا لتصريحات الحكومة في 2019، وأغلقت كامل المجال العام، وقتلت كل أشكال المبادرات الفردية والجماعية، وقامت بإعتقال ونفي كل صاحب فكر يمكن أن يؤدي اليوم دور هام في توعية الشعب بطبيعة الوباء ومدى خطورته، بالإضافة إلى بروتوكول صحي فاسد يسمح بتسرب الحالات المصابة ونشر المرض في المجتمع.

على عكس ما يتم الترويج له عن مسئولية وعي الشعب عن انتشار الوباء، فالنظام الحاكم هو المسئول الأول عن حالة الوعي المتأخر التي نلاحظها بين مختلف قطاعات الشعب المصري، عبر مزيج الإفقار والتجهيل والقمع الذي مارستهم وتمارسهم الدولة وأذرعتها الإعلامية والأمنية طوال الفترة الماضية.