بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

نظرة على وقائع التحرش خلال شهر مارس

مكافحة التحرش

خلال شهر مارس، شهدنا ثلاث وقائع تحرش مروِّعة تم تسجيلها بالصورة والفيديو. الواقعة الأولى كانت التحرش بطفلة في مدخل عمارة في حي المعادي، والثانية كانت واقعة التحرش في المترو حين أظهر المتحرش عضوه الذكري أمام فتاة، والثالثة كانت واقعة التحرش التي التقطتها كاميرا مراقبة في أحد شوارع محافظة البحرية حين أوقف شابٌ سيدةً وتحرش بها.

لم تكن هذه الوقائع الثلاث إلا عينة عشوائية تمامًا مما تتعرَّض له النساء في حياتهن اليومية في مصر. لكن هذه الوقائع ترد على الكثير من تبريرات التحرش والتعليقات التي تقلِّل من مدى انتشار هذه الجريمة.

أولًا، على عكس ما يقوله مبرِّرو التحرش، لا علاقة بملابس النساء بالتحرش. إحدى هذه الوقائع على سبيل المثال تعرَّضت لها طفلة، وواقعة أخرى من الوقائع المذكورة تعرَّضَت لها سيدة محجبة ترتدي ملابس فضفاضة. التحرش جريمة عنف في المقام الأول تتعلق بالاستقواء وفرض السيطرة على جسد المرأة، في ظل ضمان المتحرش احتمالية كبرى لإسكات الضحية والعزوف عن دعمها، وإفلاته هو من العقاب.

ثانيًا، أيضًا على عكس ما يقوله مبرِّرو التحرش في محاولة لإلقاء اللوم على النساء، أو تحميلهن جزء من المسئولية، لا علاقة بمكان تواجد النساء بجريمة التحرش. على سبيل المثال، في الحالات الثلاث المذكورة، التي هي ليست إلا عينة عشوائية تمامًا من آلاف الحالات، وقعت الجريمة في أماكن عامة يرتادها الجميع؛ حيث مدخل عمارة ومترو وشارع.

ثالثًا، هذه الوقائع تدل على أن جريمة التحرش ليست حالات فردية مبعثرة يمكن تجاهلها، بل جريمة اجتماعية واسعة النطاق تكاد لا تفلت منها أي امرأة، من مختلف الفئات والأعمار، وهي جزء من حياتهن اليومية. هذه الوقائع ليست إلا عينة عشوائية (اثنتان منها التُقِطَت -بالصدفة- من خلال كاميرات مراقبة)، بل حتى الشهادات التي تدلي بها صاحباتها على فيسبوك وغيره ليست إلا قمة جبل الجليد. وفقًا لدراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013، فإن 99.4% من السيدات المصريات تعرَّضن للتحرش في وقتٍ ما من أعمارهن.

سرعان ما تدخلت وزارة الداخلية في الحالات الثلاث المذكورة للقبض على المجرمين مرتكبي التحرش، وفي المقابل احتفت الكثير من الصفحات المناهضة للتحرش على فيسبوك بهذا التحرك السريع؛ شاكرين مهلِّلين لوزارة الداخلية. لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الدولة تعمل على حماية النساء من التحرش. ففي نفس الشهر أيضًا، على سبيل المثال، برَّأت المحكمة المتهمين السبعة بالتحرش ببسنت، التي تعرَّضت لتحرش جماعي بمدينة ميت غمر، وقد سُجِّلَت الواقعة -بالصدفة أيضًا- من خلال كاميرا مراقبة. استمرت المحاكمة لأكثر من ثلاثة أشهر، تعرَّضت خلالهم بسنت لتهديداتٍ مستمرة بالقتل والتشويه من جانب أهالي الجناة.

تحرَّكت الداخلية فقط في بعض الوقائع الفجة، التي صُوِّرَت بالفيديو وانتشرت لتخلق ضجة على الشبكات الاجتماعية. لكن هذه هي نفس الشبكات الاجتماعية التي تابعتها الداخلية لملاحقة فتيات التيك توك والقبض عليهن. من الخطأ الفادح اعتبار أن الدولة تلاحق جرائم التحرش أو تعمل من أجل ضمان مساحات آمنة للنساء؛ هي فقط تريد أن تظل الأمور في حدود معينة، دون وقائع فجة، ودون ضجة كبيرة. وعلاوة على ذلك، الشهادات لا حصر لها عن وقائع تحرش رفض فيها رجال الشرطة تحرير محاضر ضد المتحرش في الأقسام، إلى درجة الضغط على المجني عليهن، بل وتهديدهن أحيانًا، للتنازل.

لا ينبغي على الإطلاق التعويل على الدولة في مكافحة التحرش الجنسي، فهذه الدولة تمارس العنف الجنسي بنفسها أيضًا ضد المرأة. وعلاوة على التقاعس في تنفيذ القوانين ضد الاعتداءات الجنسية، لا يمكن أن نتغافل عن الاعتداءات الجنسية على النساء في أماكن الاحتجاز، أو جحافل البلطجية التي كانت ترسلهم الدولة للتحرش بالمتظاهرات في ميدان التحرير. الدولة نفسها لا تتورَّع عن استخدام التحرش كسلاح ضد النساء. والمعركة طويلة الأمد ضد التحرش لا يمكن التعويل فيها إلا على النساء أنفسهن في فضح الجرائم والتصدي لها.