بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

وعود كاذبة وتعويضات زائفة..

أهالي نزلة السمان: «وضعنا قانوني والحكومة والإعلام بيشوهوا فينا من سنين عشان لما يدبحونا محدش يقف معانا»

إزالات نزلة السمان

بدأت قوات الأمن منذ بداية الأسبوع الجاري في إزالة المرحلة الأولى من نزلة السمان، التي تشمل منطقة سن العجوز وعدة مساكن محيطة، وسط تشديدات أمنية مكثفة. اضطر قرابة 8 آلاف مواطن لترك منازلهم، حيث لم تترك لهم عشرات المدرعات المحملة بمئات جنود الأمن المركزي سبيلًا للاعتراض.

تعتبر منطقة نزلة السمان من أقدم مناطق الجيزة التاريخية لقربها من الأهرام ومفيض نهر النيل، وتوسعت رقعة السكن فيها خاصة بعد بناء خزان أسوان وجفاف المنطقة. في البداية، كانت نزلة السمان تتبع قرية الكوم الأخضر إدارياً، ولكن في عام 1932 أصبح لها كيان إداري مستقل وأنشئ بها قسم شرطة الأهرام والذي تتبعه الآن جميع القرى المحيطة ومنها الكوم الأخضر.

منذ أكثر من 20 عامًا، بدأت حكومة مبارك تأخذ خطوات عدائية تجاه السكان بهدف تهجير المنطقة وتحويلها إلى منطقة استثمارية، حيث أنه في عام 1999 حرَّمت وزارة الآثار على أهل المنطقة تنكيس المباني أو هدمها، أو حتى تطويرها إلا بتصريح مسبق، طبقًا للقرار رقم 18 لعام 1999. كما قام زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار آنذاك، في عام 2002، ببناء جدار عازل خرساني بطول 18 كيلومترًا حول نزلة السمان؛ بهدف عزل المنطقة عن الحياة العمرانية وعن الأهرامات.

توقفت الدولة عن إصدار أي إحصائيات رسمية فيما يخص منطقة نزلة السمان منذ سنوات، وأوضح آخر تعداد رسمي أعلنته منذ 8 سنوات أن عدد السكان في نزلة السمان يبلغ تقريبا 53,392 نسمة، فيما يؤكد أبناء المنطقة أن عدد السكان في المنطقة قد تضاعف. وعلى صعيد آخر تشغل المباني السكنية 85% من رقعة منطقة نزلة السمان البالغ مساحتها 253 فدان، يليها البازارات بنسبة 8%، حيث تنتشر على طول مسار أبو الهول السياحى، ثم الخدمات التي تبلغ نسبتها 7%.

وبلغت نسبة العاملين بالتجارة 18%، وبمجال التشييد والبناء 13%، وبخدمات الغذاء والإقامة 11%، وبمجال النقل والتخزين 10%، وبمجال العقارات والتأجير 9%، وفي مجال الوساطة المالية 8%، ويظهر بالمنطقة بعض العاملين بمجال أنشطة الفنون والإبداع بنسبة تتعدى 2%، وكل ذلك فى إطار الأنشطة السياحية، والباقي مُوزَّع على الأنشطة الخدمية مثل التعليم والصحة وبعض الحرف التي تخدم السكان. كما يعمل أكثر من 3500 شخص من أبناء المنطقة كمربين وسيَّاس في 60 إسطبل خيل داخل المنطقة (المصدر: دراسة أصدرتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني في مايو 2011).

القاهرة 2050.. أحلام جمال مبارك بعاصمة خالية من السكان تتحقَّق
ترجع كلمة السر لتلك الإزالات إلى مخطط القاهرة 2050 الذي أطلقه رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، حين كان رئيسًا لهيئة تطوير المجتمعات العمرانية عام 2009، وكان المخطط في إطار حملة جمال مبارك في ذلك الوقت. وكان يهدف إلى إزالة قرابة 80% من المناطق السكنية بالقاهرة، وجاءت ثورة يناير لتقضي على أحلام المستثمرين ورجال الأعمال وقتها. ولكن عقب استقرار نظام الثورة المضادة، وبعدما تولى مصطفى مدبولي منصب وزير الإسكان عام 2014، ومن ثم رئاسة الوزراء عام 2018، عاد الحديث من جديد داخل أروقة الحكومة عن المخطط، خاصةً بعد إزالة عشرات المناطق التي كان من المفترض إزالتها ضمن المخطط، وأبرزها مثلث ماسبيرو ورملة بولاق وجزيرة الوراق، ويأتي الآن الدور لإزالة منطقة نزلة السمان بأكملها.

تطوير دون تهجير وبدائل في الهرم وتعويضات عادلة.. وعود الحكومة تتبخر في الهواء
في 28 يناير 2019، قال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء عن نزلة السمان: “لن يتم إزالة المنطقة أو تهجير الأهالي ولم يتم إزالة سوى 4 عقارات مخالفة لقوانين البناء، وهي عقارات خالية من السكان وتقع في حرم منطقة الأهرامات، كما أنه لا توجد أي نية لبيع أراضٍ بهذه المنطقة، وما تم تداوله من مقاطع فيديو هي مقاطع مجتزأة لإثارة غضب الرأي العام، كما أن كل ما يتردد حول هذا الشأن محض شائعات تستهدف الإضرار بالصالح العام”.

جاء هذا التصريح عقب المحاولة الأولى لتنفيذ إزالات في المنطقة يوم 21 يناير 2019، وقد تسبب ذلك في اشتباكاتٍ أسفرت عن اعتقال العشرات. وهناك تصريحاتٌ رسمية أخرى على مدار الأعوام الثمانية الأخيرة تعد السكان بعدم إزالة المنطقة.

على صعيدٍ آخر، كانت حكومة أحمد نظيف، ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية مصطفى مدبولي عام 2009، أثناء طرح المشروع لأول مرة ضمن مخطط القاهرة 2050، قد وعدوا بتعويضات ممثلة في وحدات سكنية وتجارية بديلة في مناطق قريبة من نزلة السمان، مثل منطقة “وقف غالب” التى تبلغ مساحتها 4.9 فدان بشارع العروبة بالهرم، ومنطقة “وقف الست العباسية” بالمريوطية البالغ مساحتها 12.3 فدان، علاوة على توفير تعويضات مالية كبيرة بدعم من منظمة اليونسكو، بجانب توفير بازارات سياحية وإسطبلات بديلة في المنطقة نفسها بشكل سريع.

ولكن سرعان ما انتهى الحال بتلك الوعود الآن إلى اقتصار التعويضات على وحدة سكنية بمساحة 70 متر بحدائق أكتوبر تُمنح للمالك أو المستأجر كحق انتفاع، بشرط امتلاك أو تأجير الوحدة من قبل عام 2014، ولن يتم تعويض أي صاحب عقد إيجار أو بيع عقد بدايةً من 2014.

تشويه وإهمال متعمد لازالة المنطقة وتخريب من صنع الدولة
في مقابلةٍ مع خالد م. أحد سكان المنطقة ويعمل بالإرشاد السياحي، مع جريدة الاشتراكي، قال إن الإعلام تعمَّد على مر السنين تشويه المنطقة وسكانها موضحًا أن “الإعلام يا إما بيقول علينا تجار آثار، يا إما بلطجية وبنأثر على السياحة! لو احنا فعلا تجار آثار مكنش ده هيبقى حالنا. كل حد فينا شغال شغلتين وتلاتة، ووقت ما السياحة وقفت الخيل كانت بتموت عشان أصحاب الإسطبلات مكانوش بيلاقوا يجيبولهم أكل”.

أما عن التشويه المستمر لهم، قال: “حنا عشان كل المنطقة عائلات مش بنسيب بلطجية، عشان المنطقة أصلًا عايشة على السياحة. المنطقة كلها فنادق وبازارات، وغير كده فيه كتير من أبناء المنطقة شغالين في الإرشاد السياحي وتأجير الخيول والجِمال للأجانب، والسياح أصلًا بينزلوا بعد المغرب من الهرم يقعدوا في الكافيهات وبيحبوا يتفرجوا على العروض الموجودة”.

أما عن الأحاديث الإعلامية عن عشوائية المنطقة، قال: “كل شوية يقولوا عن المنطقة عشوائية أو على أرض الدولة، والمنطقة وضعها قانوني وبيوت المنطقة أصلًا مسجلة في الشهر العقاري ودخل ليها مرافق، والمنطقة فيها قسم وفيها وحدات صحية وبيطرية ومدارس ومقابر خاصة بها. والمنطقة صدر لها قرار سنة 1999 بمنع أي ترميم أو تجديد إلا بترخيص، والتراخيص دي مكنتش بتطلع غير للفنادق وقصور كبار العائلات، واللي كان بيحط طوبة كان بيتحبس ويدفع غرامة عالية، وعربيات الزبالة بتاعت الحي مش بتدخل عندنا، وكل ده عشان في النهاية يطلع رئيس الوزراء يعرض صور من المنطقة يقول إنها مش أمان ومش صالحة للاستخدام أو السكن، طب هو مين اللي خلاها غير صالحة، مش قرارات الحكومة؟”.

وأضاف: “كل مبادرات نظافة المنطقة كانت مبادرات من شباب المنطقة. احنا مش طالبين غير أن الحكومة تفتح التجديد للمنطقة من تاني، واحنا هنساعد بعض ونبني بيوتنا من الدهب لو طلبت، وقولنا لو الحكومة عايزة تدخل تطور بنفسها معندناش مشكلة، بس اللي حصل عكس كده؛ الحكومة مش عايزة تطور، الحكومة عايزة الأرض عشان تطلع بمصلحة وقصاد المصلحة دي مستعدين يدوسونا. الحكومة والإعلام بيشوهوا فينا من سنين عشان لما يدبحونا محدش يقف معانا”.

تعويضات رمزية وغير واقعية بغرض الدعاية
وفي حوار مع ساكن آخر من سكان المنطقة، يعمل بالإرشاد السياحي أيضًا، فضَّل عدم ذكر اسمه، قال عن التعويضات المطروحة من الحكومة: “المنطقة فيها قصور تراث مبنية من أكتر من 150 سنة، وفيها فيلات وفيها منازل دورين وعمارات 5 أدوار. كل الملاك والمستأجرين بالنسبة للحكومة حاجة واحدة، بدون ما تراعي ظروف حد. يعني أنا ساكن في بيت 520 متر مع أبويا وأخويا وعيلته، الورق باسم أبويا، ولما سألنا على التعويضات في مقر اللجنة القانونية في مدرسة محمد كريم في المساكن، قالوا هى شقة واحدة 70 متر للمالك في حدائق أكتوبر، فإزاي احنا 7 ونسكن في علبة كبريت في آخر الدنيا كمان”.

وعن المنازل في نزلة السمان، قال: “عندنا البيوت في المنطقة غالبيتها مساحتها من 300 متر لـ800 متر. لو الواحد مش مقسم بيته مع أسرته بيكون فاتح في باقي بيته ورشة أو محل أو إسطبل، والحكومة مش معترفة بالكلام ده. وايه أصلًا اللي يخلينا نروح لمساكن أكتوبر، الشقق هناك حق انتفاع، يعني عيالنا هيترموا في الشارع والتمليك ملوش حق يبيع، وسمعنا أن هناك أي مخالفة بطرد من الشقة ودا غير أنها بعيدة عن أكل عيشنا”.

وفي حديثه عن التعويضات، قال: “الحكومة عملت حوار التعويضات عشان لما حد يتكلم يقولوا إنهم عوضونا وحسِّنوا حياتنا، بس الحقيقة إن حياتنا بقت على كف عفريت. وقت ما الحزب الوطني جالنا وقالنا هنطور المنطقة عرض علينا تعويضات معقولة. مكانتش كويسة ورفضنها وقتها”.

تنتشر قوات الأمن المركزي بكثافة في المنطقة لمنع أيٍّ من سكانها من الاحتجاج على الإزالة. قال الساكن الذي تحدَّث مع جريدة الاشتراكي: “ناقص تكة والحكومة تعلن الحرب علينا. المنطقة كلها أمن مركزي وجيش، وكل ما حد في المنطقة يحاول يعترض أو يوعي الناس، أمن الدولة والمباحث ييجوا يقبضوا عليه. دلوقتي بقت تتقال صريحة في وشنا المنطقة: هتتشال هتتشال، يا إما تاخدوا وحدات يا إما تطلعوا من المولد بلا حمص. احنا كنا في نزلة السمان كام أسره كبيرة مع بعض ودلوقتي كل حد فينا هيتغرب من مكان جدوده في حته، وحتى اللي هيتنقلوا لمساكن أكتوبر هيتغربوا عن بعض بسبب القرعة”.

الاستثمار فوق أجساد أهالي المنطقة
لا تُقاس تكلفة مشروع الترفيهي والاستثماري التي تطرحه الدولة (محور خوفو بلازا وحديقة المتحف الكبير وعدد من المطاعم والكافيهات) بمنطقة نزلة السمان بالجنيه والدولار فقط، ولكن أيضًا بتهجير على أقل تقدير 70 ألف نسمة، بجانب القضاء على آلاف فرص العمل للعاملين في مجال التجارة والسياحة والفروسية دون بدائل جدية مطروحة. التكلفة الحقيقية للمشروع الترفيهي هي القضاء على مجتمع عمراني والقضاء على تاريخه بشكل كامل.

تستمر الدولة في سياسات التهجير القسري والتي مثَّلت أعباءً جديدة على قطاعات كبيرة من المواطنين، إلى جانب سياسات التقشف الاقتصادي الذي طرحته الدولة منذ عام 2016، والذي دفع بأكثر من ثلث المصريين تحت خط الفقر، بالأرقام الرسمية.

بدأ النظام بعمليات التهجير القسري بحق جميع سكان مدينة رفح، وبعض أجزاء مدينة الشيخ زويد والعريش، وبلغ عدد المهجَّرين من تلك المناطق أكثر من 100 ألف نسمة لم يتم تعويضهم حتى الآن بحجة الحرب على الإرهاب، إلى جانب تجاهل الحق التاريخي والدستوري لأبناء النوبة بالعودة إلى أراضيهم، مرورًا بعمليات تهجير في غالبية المحافظات من نجع أبو عصبة بالأقصر جنوبًا إلى مأوى الصيادين والمكس بالإسكندرية شمالًا، مرورًا بالعاصمة التي شهدت أكبر حالات التهجير مثل منطقة مصر القديمة إلى بولاق، وحتى جزيرة الوراق التي تحاول الدولة حتى اليوم تهجير أهلها حتى اليوم. ولا تمثل أيٌّ من تلك الحالات حلولًا حقيقية لتحسين حالة المواطنين، بل أن تلك الجرافات مستعدة لسحق المواطنين أنفسهم وتراثهم من أجل مخطط استثماري لن يحقق أرباحًا سوى للنخبة الحاكمة وطبقة المستثمرين.