طارق شوقي: «مش هنقدر نحل كل المشكلات».. ردًا على تصريحات وزير التعليم

في مداخلة تليفونية امبارح لوزير التربية والتعليم، طارق شوقي، في برنامج “حديث القاهرة”، اتكلم الوزير عن بعض مشكلات التعليم في مصر، وعن التطور الكبير اللي شهده التعليم خلال السنين اللي فاتت، وعلى حد قوله: “تطور التعليم في مصر خلال 4 سنوات يُعتَبر إعجاز في كل المجالات”. لكننا بنتساءل فين الإعجاز اللي يقصده؟
اللي بنشوفه في الواقع، وفي البيانات الحكومية، وفي تصريحات الوزير نفسه، بيقول إن مفيش إعجاز من أي نوع، بل إن أزمة التعليم بتكبر أكتر وأكتر كل سنة. والأزمة بتتضح في العجز في المعلمين، والعجز في الفصول، وتكدس الطلاب في الفصول.
في أكتوبر اللي فات، الوزير قال إن “فيه عجز في قرابة 260 ألف معلم”، وامبارح في المداخلة التليفونية قال إن “فيه عجز في 323 ألف معلم”. والسبب الرئيسي في ده هو تدني أجور المعلمين من ناحية، ومن ناحية تانية وقف التعيينات في الوزارة. عدد المعلمين في مصر انخفض من 918 ألف و216 معلم في 2016-2017 إلى 897 ألف و59 معلم في 2021-2022.
وبالإضافة إلى ده، بحسب كلام الوزير برضو، فيه عجز في 27 ألف فصل، و”الفصل الواحد بيتكلِّف نصف مليون جنيه، وده هيحتاج 100 مليار جنيه”. بغض النظر عن إن 27 ألف في نصف مليون يساوي 13 مليار و500 مليون، مش 100 مليار جنيه أبدًا (احسبوها بنفسكم)، لكن العجز ده أدى إلى زيادة تكدس الطلاب في الفصول من متوسط 44 طالب في الفصل الواحد في عام 2017 إلى متوسط 49 طالب في الفصل في 2021. المحافظات بتتراوح في متوسط عدد الطلاب في الفصول في مدارسها، لكن محافظة الجيزة سجِّلت المتوسط الأعلى بـ63 طالب في الفصل في المتوسط، بينما أكد مدير إحدى الإدارات التعليمية في الجيزة، بحسب تقرير نشره موقع المنصة، إن كثافة الفصول تصل إلى 120 طالب في الفصل الواحد في بعض المدارس، رغم تطبيق نظام الفترتين الصباحية والمسائية.
في حلقة البرنامج امبارح، المذيع خيري رمضان سأل وزير التعليم: “بتجيب منين يا دكتور؟”، فرد عليه الوزير: “خلي بقى ده سر الصنعة”. وهنا بنتساءل برضو: أي صنعة تقصد يا سيادة الوزير؟ صنعة تكديس الطلاب في الفصول ولا تطفيش المعلمين بالرواتب الهزيلة ووقف التعيينات؟
وزارة التربية والتعليم في مصر كانت بتتفاخر إن المدارس الحكومية زادت من سنة 2016 بنسبة 6.7% خلال 5 سنوات، لكن في الحقيقة الزيادة دي كانت ضعيفة جدًا مقارنةً بعدد الطلاب في المدارس الحكومية اللي زادوا خلال نفس الفترة بنسبة 17.7%. والمشكلة مش في زيادة عدد الطلاب، لأن فيه دول فيها أعداد جبارة من الطلاب والمتوسطات فيها أفضل بكتير، زي الهند اللي فيها متوسط عدد الطلاب في الفصل الواحد 24 طالب، أو الصين اللي فيها متوسط عدد الطلاب 27 طالب في الفصل الواحد.
المشكلة إذن مش في الزيادة السكانية، بل في ضعف الإنفاق على التعليم في مصر. من ضمن اللي قاله الوزير امبارح في المداخلة التليفونية: “مش هنقدر نحل كل المشكلات … فيه حاجات هتاخد وقت”. أكيد طبعًا فيه حاجات هتاخد وقت، خاصةً إن المشكلات كبيرة، لكن على الأقل مفيش أي أمارات على إننا في الطريق إلى الحل فعلًا، لا بالنسبة للإنفاق على التعليم الحكومي، ولا بوضعه كأولوية عند النظام.
بالنسبة للإنفاق، رغم إن الدستور المصري بيحدد إن الإنفاق على التعليم كله -الإلزامي حتى الثانوي والجامعي- المفروض إنه لا يقل عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي (بحيث يكون الثلثين للتعليم الإلزامي حتى الثانوي)، بنلاقي إن النسبة بتقل كل سنة، لغاية ما وصلت إلى 2.42% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020-2021، بعد ما كانت 3.05% في 2020-2019، أو 4.43% في 2014-2015.
حتى إن في فبراير الماضي، كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية رفعت دعوى قضائية لإلزام الحكومة بالنسبة الدستورية للإنفاق على التعليم، لكن المفارقة إن محامي الحكومة دفع بانتفاء سلطة القضاء في المسألة، وبنفي وجود مصلحة لرافع الدعوى!
أما بالنسبة لوضع التعليم كأولوية، ففي المداخلة التليفونية برضو استشهد الوزير بإن كوريا الجنوبية وسنغافورة مثلًا أخدوا وقت طويل لحل مشكلات التعليم. الفرق طبعًا إن دول زي دي وضعت التعليم كأولوية لديها منذ البداية. والفرق بالتأكيد إن نسبة الإنفاق في التعليم في كوريا الجنوبية وسنغافورة بتتجاوز 20% من الناتج المحلي الإجمالي، مش 2.24% زي عندنا في العام المالي السابق.
المشكلة مش في الوزير أو الوزارة فقط طبعًا، المشكلة في النظام ككل اللي بيشيل التعليم من قايمة أولوياته، لأن أولوياته الحقيقية اللي لا يدخر فيها أي مجهود أو إنفاق هي أدوات القمع والسلاح وبناء السجون والقصور الرئاسية والعاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات اللي مش بتفيد إلا النظام نفسه. أو زي ما قال الدكتور طارق شوقي نفسه في بداية العام الدراسي في تعليقه على أزمة العجز في المعلمين: “العدد (المطلوب من المعلمين) سيتكلف حوالي 8-9 مليار جنيه سنويًا، وهذا مستحيل لأن فيه في الدولة أولويات”. إذن التعليم مش في الأولويات فعلًا بحسب كلامه! أو زي ما قال السيسي نفسه في 2016: “يعمل ايه التعليم في وضع ضايع!”، أو في 2018: “أنا هعمل طبقة متعلمة تعليم راقي جدًا، وباقي المجتمع مش مهم”.
حل مشكلات التعليم في مصر وتطويره بيتطلب أول شيء زيادة الإنفاق بشكل أكبر بكتير مما هو الحال عليه اليوم، وبيتطلب وضع التعليم كأولوية في التطوير والتحديث وبناء المدارس وزيادة رواتب المدرسين، إلخ. ربما كل ده هيحتاج.. دولة جديدة!