بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

إزالة العوامات.. مصادرة النيل لصالح الاستثمار

صدر الشهر الماضي قرار مفاجئ بإزالة العوامات السكنية الراسية على ضفة النيل بمنطقة الكيت كات وتم إخطار سكان العوامات بمواعيد الإزالة المحددة بعد أيام من صدور القرار. سيتم إزالة 32 عوامة (إجمالي عدد العوامات السكنية) وفقًا لجدول زمني محدد من قبل الحكومة دون تقديم أي تعويضات لأصحابها، بل وتغريمهم مئات الألوف من الجنيهات بدعوى عدم حصول عواماتهم على التراخيص اللازمة للرسو في مياه النيل.

في منتصف العقد الماضي، كان هناك اتجاه من الحكومة لتقليص عدد العوامات السكنية عن طريق وقف اصدار تراخيص عوامات سكنية جديدة. وفي عام 2016 تضاعفت رسوم تجديد ترخيص الرسو في النيل بشكل مبالغ فيه يعجز أصحاب العوامات السكنية عن تدبيره، مما اضطرهم للجوء إلى القضاء، ومنذ ذلك الحين ترفض الجهة الحكومية تجديد تراخيص المراسي.

أما عن الرد الرسمي، فقد صرح رئيس الإدارة المركزية لحماية نهر النيل أن وضع العوامات السكنية غير قانوني، ووصف هذه العوامات بالعشوائية وأنها متهالكة وتُستخدَم في غير أغراض السكن، وهي تصريحات مليئة بالتناقضات والأكاذيب وتخفي وراءها الأسباب الحقيقية لصدور قرارات الإزالة وهي استلام جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة لهذه المنطقة.

أولًا، تم تقنين وضع العوامات السكنية منذ ستينيات القرن الماضي عن طريق ربط العوامات بشبكات مرافق المحافظة وهو ما ينفي حدوث “التعدي” على النيل.

ثانيًا، في الوقت الذي يصدر فيه القرار بإزالة العوامات السكنية تحت شعار “إعادة هيكلة المظهر الحضاري لنهر النيل”، يتم الإبقاء على العوامات السياحية الراسية، بل ومساومة أصحاب العوامات السكنية لتحويل هذه العوامات لأنشطة تجارية وسياحية نظير عدم إزالتها، وهو ما يتناقض مع تصريحات المسئول نفسه بأن العوامات متهالكة ولا يمكن إصدار تراخيص لها لسوء حالتها الفنية، ولكن الطريقة الوحيدة لتوفيق أوضاعها هو تغيير التراخيص من سكنية الى تجارية أو سياحية!

تُعد العوامات السكنية جزءًا من تاريخ نهر النيل في العصر الحديث، وكانت مسرحًا لأحداث سياسية وثقافية، وتناولها التراث الأدبي والسينمائي، مما يجعل لها قيمة تاريخية من المفترض أن تكون “الدولة” حريصة على الحفاظ عليه، باعتبار أن العوامات أحد معالم نيل القاهرة وجزء من تاريخه. ولكن الاتجاه العام لهذه الدولة لا يرى مكانًا في “السوق” لدارسي التاريخ والجغرافيا بصورةٍ تجعل الحوار مع هذه السلطة حول القيمة التاريخية للعوامات أمرًا شديد البؤس.

إن قضية إزالة عوامات النيل السكنية وتهجير سكانها لا تخص أصحابها وحدهم، بل هي حلقة في سلسلة متصلة لا يمكن توقع نهايتها، ولا يمكن فصلها عما حدث في مثلث ماسبيرو وما يحدث الآن في جزيرة الوراق ونزلة السمان وألماظة، والمكس والدخيلة بالإسكندرية، تحت شعار “التطوير” والإزالة بدعوى التعديات على “أملاك الدولة”، رغم الإثباتات القانونية لدى الأهالي، الأمر الذي امتد ليشمل اقتلاع الأشجار وإزالة الحدائق والمشاتل وإقامة كباري طمست معالم أحياء القاهرة العريقة.

تحت مسمى التعدي على أملاك الدولة وتحت مسمى المنفعة العامة يتم ازالة أحياء ومناطق ومنازل وحدائق. وهنا يلزم طرح هذا التساؤل وبقوة؛ أي دولة تلك التي تمتلك كل شي وتمتلك حق التصرف فيه بالبيع وغيره؟ تمتلك الصحراء والبحار والشطئان والأشجار والحدائق وضفاف النيل ومياهه والجزر وما في باطن الأرض من معادن ومصادر طاقة وكل ما دفن ويدفن فيها؟

يجري ذلك في ظل التسليم كرهًا لسلطة الدولة التي تملك وتحكم وتضع أولويات الإنفاق بما يخدم مصالحها ومصالح الطبقات العليا، وفي ظل تحميل الشعب المسئولية عن فقره وأنه عالة وعبء، والتعامل مع هذه الكارثة على أنها أمر واقع أو أنها ضرورية أو حتمية. وفي ظل غياب تام لأبسط قواعد المشاركة في صنع القرار أو التعبير عن الرفض بشكل منظم، نصبح جميعًا مهددين في أي لحظة بفقدان منازلنا والتهجير من أحيائنا.