عن موضوع اللحمة بالتقسيط

“والله ميصحش تصوروا المصريين ملهوفين على الأكل والشُرب، مش عايزين نتكلم عن موضوع الأكل والشُرب ده في التلفزيون، الحاجة موجودة”.
عبد الفتاح السيسي
لأن معاناة غالبية الناس كبيرة ومسموعة، يحاول إعلام الطبقة الحاكمة معالجة الأزمة. وبالرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها بالفعل تداعيات على أزمة الغذاء، لكنها ليست السبب الرئيسي، فقد بدأت سياسات الاقتراض، وإنشاء الكباري، والسجون الجديدة، والعاصمة الإدارية، على حساب تجويع الناس وإفقارهم، قبل بداية الحرب. لكن دائمًا ما يقول لنا الرئيس والإعلام إن “الحرب هي السبب” أو “إحنا حالنا أحسن من سوريا والعراق والبلاد اللي ضاعت”، وأن الحل في مقولة “الحاجة إلى تغلى، متشتريهاش!”.
وقدم لنا الإعلام بدائل للاستغناء عن الفراخ والبيض والأسماك واللحمة وغيرهم، فأتت البدائل مُهينة وبلا حبكة، بل وتحولت إلى أفيهات للضحك؛ فكل حاجة غليت. وإذا كانت الحاجة موجودة كما يقول السيسي، فقد تآكلت القيمة الشرائية للعملة، والفلوس لم تعد تكفي في حال وجدت من الأساس، ولأنها “باظِت خالِص”، فالحل العسكري للوضع هو “بلاش نتكلم في الموضوع، ميصحش كده!”.
اللحمة بالتقسيط
في فبراير الماضي، أُلقي القبض على جزار من محافظة دمياط لنشره فيديو ساخر لبيع اللحمة بالتقسيط بعد ارتفاع أسعارها، وتوالت بعد ذلك قفزات الأسعار، فتحول الهزار إلى جد، وانتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي إعلانات لجزارين عن بيع اللحوم بالقطعة. ومع اقتراب عيد الأضحى، أعلنت شركة “ميتا ميت” عن إطلاق أول منصة مُتخصصة في مصر لبيع المواشي واللحوم بالتقسيط من خلال منصة سوق إلكتروني تُسمى “مواشيك”، باستثمارات تبلغ عشرة ملايين جنيه.
تراجع الاستهلاك
يختلف سعر الكيلو من اللحوم الحمراء باختلاف النوع ومنطقة البيع وصولًا إلى 380 جنيهًا للكيلو، في حين كان متوسط سعر الكيلو نحو 160 جنيهًا خلال نفس الفترة من العام الماضي. وبحسب شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، تراجع معدل شراء المواشي بنسبة 80%، حيث ارتفعت أسعارها إلى الضعف بالمقارنة بالعام الماضي، وانخفض معدل استهلاك 93,1% من الأُسر للحوم والطيور وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في نوفمبر الماضي.
الأعلاف في البورصة
كانت الإفراجات الجمركية على خامات الأعلاف قد تعثرت مُتأثرة بأزمة سعر الدولار، وبالتالي ارتفعت أسعار أعلاف الماشية، حيث قفز سعر طن العلف من 5 آلاف جنيه إلى نحو 20 ألف جنيه مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي، علاوة على زيادة أسعار فول الصويا وخامات الذرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الماشية، حيث تُمثل خامات الأعلاف نحو 70% من كُلفة الإنتاج. وتراجعت القدرة الإنتاجية لصناعة الثروة الحيوانية بعد إغلاق العديد من المَزارع وتخفيض بعض المزارع لأعداد المواشي.
وخلال الشهر الجاري، وُضع حجر الأساس للمستودع الإستراتيجي الأول بمحافظة السويس لتدبير احتياجات مصر من فول الصويا، باعتباره عنصر رئيسي في إنتاج الأعلاف. وبحسب إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين والتجارة الداخلية، سيجري التوسع في الزراعات التعاقدية ثم طرح فول الصويا للتداول بالبورصة، مُضيفًا أن المجلس الأعلى للاستثمار سيمنح دورًا أكبر للبورصة المصرية للسلع، في عملية بيع وشراء السلع الأساسية، بحيث تشتري البورصة احتياجات الشركة القابضة للصناعات الغذائية وهيئة السلع التموينية، معللًا ذلك بأنه يحدث في بورصتي تركيا وبيلاروسيا.
استيراد اللحوم
تمتلك مصر حوالي 4,5 مليون من قطعان الماشية و3 مليون من الأغنام والماعز، بينما تستورد 40% من اللحوم الحمراء لسد الفجوة في الاستهلاك، التي تقدر بنحو 1,3 مليون طن بحسب بيانات وزارة الزراعة. وتداولت الصفحة الرسمية لوزارة التموين والتجارة الداخلية خبر التعاقد على الاستيراد مع دول أفريقية، مثل جيبوتي وتنزانيا وأوغندا، بالإضافة إلى الهند. فيما قال علي المصيلحي، وزير التموين، إن تنوع المناشئ سوف يسهم في توفير الكميات المطلوبة بأسعار مخفضة عن أسعار السوق، مُضيفًا أنه تم التعاقد على 1000 طن لحوم هندية مجمدة، من المتوقع وصولها خلال هذا الشهر، بينما بلغ عدد إجمالي الرؤوس المتعاقد عليها ما يقارب 25 ألف رأس ماشية حية، بحسب اللواء أحمد حسنين، الرئيس التنفيذي للشركة القابضة للصناعات الغذائية.
عن موضوع الفول واللحمة
وتشير أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى فشل النظام العالمي الرأسمالي في حرب المواقع، فيما يدفع التنافس بين الدول الكبرى على النفوذ السياسي والاقتصادي نحو حرب عالمية ثالثة، بينما لم يجنِ الفقراء والعمال من العولمة إلا المزيد من الحرمان. وفي مصر الجمهورية الجديدة، ربما تأتي منفعة بناء السجون الجديدة باعتقال كل من تخلَّف عن سداد أقساط مشترياته من اللحمة، ولا شك في أن “الناس اللي تحت” هم من سيشترون اللحمة بالقطعة أو بالتقسيط، والحكاية طبقية بحتة! فقد صرح مصدر بيه مسؤول إن الشعب المصري خصوصًا من مصلحته يقرقش فول، كما جاء في رائعة الشيخ إمام؛ عن موضوع الفول واللحمة، التي لا تزال تعبر عن أوضاعنا حتى الآن.