بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

سد النهضة.. سوق جديدة للهيمنة والتجارة بالمياه

أعلن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، يوم الأحد الماضي عن اكتمال الملء الرابع لسد النهضة، قائلا في تغريدة له على “إكس” “تويتر سابقا”: “إنه لمن دواعي سروري أن أعلن عن الانتهاء بنجاح من عملية الملء الرابع والأخير لسد النهضة”.

يأتي الإعلان الإثيوبي بعد نحو أسبوعين من ستئناف مفاوضات ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، عقدت في القاهرة، والتي من المقرر استئناف جولتها القادمة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

من جانبها قالت وزارة الخارجية المصرية إن إتمام الملء الرابع لخزان سد النهضة يُعد استمراراً من جانب إثيوبيا في انتهاك اتفاق المبادئ المُوقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد قبل البدء في عملية الملء، وأن الإجراءات الأحادية من جانب أثيوبيا تُعد مؤشراً سلبياً، يتجاهل حقوق دولتي المصب، وأمنها المائي بالمخالفة للقانون الدولي، بحسب بيان الخارجية المصرية. ووصف البيان التصرفات الإثيوبية بأنها تمثل عبئاً على مسار المفاوضات، التي تم تحديد 4 أشهر للانتهاء منها، والاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد.

يُعد نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه في مصر حيث يغطي 97% من احتياجاتها المائية، في حين تمثل منابع المياه الجوفية وتساقطات الأمطار 3% من موارد مصر المائية، ويمثل سد النهضة تهديداً مباشراً للسودان ومصر، باعتبارهما دولتي ممر ومصب، فيما تعتزم إثيوبيا بناء 100 سد خلال الأعوام القادمة، وربط عدد من هذه السدود بسد النهضة، حسب تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي.

دائماً ما تُردد الدول التي تقوم ببناء السدود بأنها تستهدف فقط، ضمان أمنها المائي، التنمية من خلال توليد الطاقة الكهرومائية، ولكن في الحقيقة فإن بناء السدود لا يقف عند حدود تخزين المياه، أو إعادة توزيعها بين الدول التي لديها وفرة مائية والأخرى التي تعاني من قلة المياه، فبناء السدود لا يحقق العدالة المائية، بل إن بناء السدود وخاصة على منابع الأنهار، يؤدي إلى احتكار الموارد المائية وإنتاج الكهرباء، وبيعها وفقاً لآليات السوق، فضلاً عما قد تسببه هذه السدود، من اندلاع صراعات سياسية وعسكرية، نتيجة لصراع الهيمنة على الموارد الطبيعية.

يؤدي بناء السدود دائماً إلى إفقار الشعوب، التي يتم حجب المياه عنها، وعلى سبيل المثال، أدى بناء إثيوبيا لسدي “ميلكا واكانا” على نهر”شبيلي”، والذي ينبع من الأراضي الأثيوبية ويمر بالصومال و”جليجب” على نهر “أومو”، الذي يصب في بحيرة “توركانا” في كينيا، إلى نزوح السكان بعيداً عن الأنهار، بعد ما تعرضت له هذه المناطق من تدمير بيئي واجتماعي واقتصادي، جراء بناء هذه السدود، وهو ما تكرره إثيوبيا الآن بعد بناء وملء سد النهضة.

على مدار سنوات فشل نظام عبد الفتاح السيسي في التعاطي مع ملف سد النهضة، فغرق النظام في مفاوضات بلا نهاية مع الجانب الإثيوبي، وعبر خطب عنترية توعد السيسي من يقترب من حصة مصر من مياه النيل، برد حاسم في إشارة إلى التدخل العسكري، وتارةً أخري يستحلف السيسي رئيس الوزراء الأثيوبي خلال مؤتمر صحفي بألا يقترب من حصة مصر، في مشهد تحول إلى أضحوكة، يذكرنا به بيان الخارجية المصرية الأخير، بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة، فلاتزال الخارجية المصرية تتحدث عن قواعد ملء وتشغيل السد، الذي تم ملؤه بالفعل، بناءً على ما تم توقيعه عام 2015 من اتفاق المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، والذي بموجبه أعطى الحق لإثيوبيا في بناء السد والملء “الأول” له.

لا يمكن تجاهل الآثار المُدمرة لسد النهضة على شعبي مصر والسودان، بالإضافة إلى أن التدخل العسكري سينتج عنه المزيد من الدمار والصراع الذي لن يكون في صالح أياً من شعوب النهر، فصراعنا ليس مع الشعب الإثيوبي، وحركة بناء السدود المتزايدة في أثيوبيا لا يقوم به نظام آبي أحمد فقط، بل إن هذه السدود يتم بنائها من خلال مؤسسات التمويل الدولية، ومن الشركات العالمية التي تتاجر بالمياه مثل شركات Veolia Environmental و Suez Environnement الفرنسيتين ، وشركة ITT Corporation الأمريكية، فالنظام العالمي الرأسمالي يدفع نحو خلق سوق دولية لبيع وتسعير المياه والطاقة الناتجة عن تشغيل السدود، خاصةً بعد الركود والأزمات المتلاحقة التي طالت قطاعات اقتصادية أخرى، في هذا السياق يأتي سد النهضة الإثيوبي، كأحد الأسواق الجديدة للهيمنة والتجارة بالمياه.