وهم السيادة على سيناء

تمادى جيش الاحتلال الصهيوني في جرائمه، وتعدت قذائفه حدود قطاع غزة، حيث أصيب 6 مصريين في مدينة طابا المصرية، اليوم الجمعة، حسب بيان المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، إثر سقوط صاروخ أطلقه الاحتلال بالقرب من مستشفى، ما أسفر عن إتلاف عمارة سكنية كان يسكنها المصابين.
بعدها بساعات قليلة تكرر الاعتداء على سيناء، إذ سقط مقذوفاً على مدينة نويبع المطلة على البحر الأحمر، دون حدوث خسائر في الأرواح أو في المباني، حيث سقط المقذوف على أرض صحراوية.
قصف برج مراقبة
يوم الأحد الماضي، قصفت دبابات جيش الاحتلال برج مراقبة مصري على الحدود، بالقرب من معبر رفح، أثناء استعداد الدفعة الثانية من قوافل الإغاثة للعبور إلى غزة، فأصابت قذيفة بعض عناصر المراقبة الحدودية المصرية، حسبما أعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، لكن تقارير صحفية أكدت إصابة 9 عسكريين مصريين، وهم 3 ضباط، عقيد ورائد وملازم، وعريفين، ورقيب و3 جنود، وهو ما أدى إلى فشل وصول المساعدات لغزة، حيث عادت القوافل مجبرة من حيث جاءت.
ورغم أن المتحدث العسكري قال إن إصابات عناصر المراقبة المصريين “طفيفة”، أكدت تقارير صحفية فقدان المجند قاسم محمدي قاسم، ذراعه اليمنى، التي جرى بترها بفعل الإصابة الشديدة، فيما أصيب جميع العسكريين المصريين بشظايا متفرقة بالجسم وكسور، ورغم شدة الإصابات اكتفي المتحدث العسكري بالتنويه الى أن جيش الاحتلال قد اعتذر عن خطأ “غير مقصود”.
بعد قصف برج المراقبة المصري بساعات تحركت دفعة أخرى من قوافل الإغاثة والمساعدات نحو معبر رفح، وخرجت من البوابة المصرية، لكن ليس في اتجاه البوابة الفلسطينية التي يفصلهم عنها عشرات الأمتار فقط، إنما في اتجاه الجنوب، بمحاذاة الحدود باتجاه معبر “كرم أبو سالم”، الذي يتحكم فيه الاحتلال بشكل كامل، فتعرضت للتفتيش الدقيق، واشترط الاحتلال عدم دخول أي كميات من الوقود ضمن تلك المساعدات، وبعد 14 ساعة تقريبًا، حسب المتحدث باسم معبر رفح من الجانب الفلسطيني “وائل أبو عمر”، تحركت القوافل نحو القطاع المحاصر، وهو ما يضع ألف علامة استفهام حول السيادة المصرية؟!
البداية
منذ ما يزيد عن أسبوعين، بدأ الاحتلال الصهيوني حصارًا قاسيًا على غزة، بجانب قصفه المتواصل للقطاع بحرًا وجوًا، وقطع الطريق أمام كافة سبل العيش من كهرباء ومياه ووقود ومواد غذائية ومستلزمات طبية، وهي عادة الاحتلال في كل الحروب السابقة على قطاع غزة.
من المعروف أن قطاع غزة، بعد إغراق الدولة المصرية للأنفاق بين سيناء وغزة بمياه البحر، لا يجد منفذًا لإدخال المساعدات والمواد الإغاثية سوى معبر “رفح البري”، فهو المنفذ الوحيد للقطاع، حيث أنه معبر (فلسطيني – مصري)، يقع بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية، على عكس معبر “كرم أبو سالم”، الذي يقع على بعد بضع كيلو مترات جنوب معبر رفح، لكن خارج حدود قطاع غزة، حيث يسيطر الكيان الصهيوني على الجانب الفلسطيني من المعبر ويعد معبرًا (إسرائيليًا – مصريًا).
ومنذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، توحشت جرائم الاحتلال بحق أهالي القطاع، حيث قصفت مستشفيات ودور عبادة وبيوت مدنية وأسواق شعبية مع الحصار الكامل للقطاع، ونفذت المياه وكذلك الوقود، الذي يعد ضروريا لعمل المستشفيات القليلة، التي لم تستطع الخروج من الخدمة، بسبب القصف المتواصل.
رغم القمع والتنكيل الذي يعيشه الشعب المصري، منذ ما يقرب من 10 سنوات في ظل نظام ديكتاتوري، بقيادة عبدالفتاح السيسي، هب المصريون للتضامن مع المقاومة في غزة والقضية الفلسطينية، وتعالت الأصوات المطالبة للدولة المصرية بممارسة السيادة وإدخال المساعدات والمواد الإغاثية على الأقل لأهالي قطاع غزة عبر معبر رفح البري، خاصة أنه مع بداية توافد قوافل الإغاثة إلى الجانب المصري من المعبر، قصف الاحتلال الطريق الفاصل بين البوابتين المصرية والفلسطينية مرتين، في أقل من 24 ساعة، بل إن حكومة الاحتلال أعلنت أنها أبلغت السلطات المصرية بأنها ستقصف قوافل المساعدات حال قررت القاهرة إدخالها عبر معبر رفح، وهو ما استجابت له الدولة المصرية بالفعل، فأغلقت المعبر ومنعت المساعدات تماما، لما يقرب من أسبوعين، تم خلالهم قصف محيط المعبر أكثر من مرة من قبل جيش الاحتلال، وسط صمت مخزي من الدولة المصرية، عدا بعض التصريحات العنترية عن السيادة المصرية والأمن القومي التي لم تكن حتى لتقنع أصحابها.
اتفاقيات قضت على السيادة
تزعم أبواق الدعاية السيساوية، وقبلها دعاية مبارك، أن لمصر سيادة كاملة على حدودها مع فلسطين المحتلة، غير أن هذه السيادة المزعومة انتهت بالتدريج منذ توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية 1979، التي اشترطت نصا تقسيم سيناء إلى 3 مناطق حسب قربها من الحدود مع إسرائيل، حيث اشترطت أعداد وأنواع معينة من الوجود العسكري داخل شبه جزيرة سيناء، فمثلا تشترط الاتفاقية ألا يتجاوز عدد أفراد القوات المسلحة في المنطقة (ب) في وسط سيناء (4000) جندي فقط، بينما في المنطقة (ج) لا يوجد أي وجود عسكري مصري، فقط قوات شرطية مدنية بجانب قوات الأمم المتحدة.
تلى ذلك إبرام مصر اتفاقية جديدة، عام 2005، عرفت باسم اتفاقية فيلادلفيا، وهي عبارة عن بروتوكول عسكري وملحق أمني بالأساس، أُضيفَ الى معاهدة السلام، وينص على أن تتولى قوة من حرس الحدود المصري مهام منـع العمليات الإرهابية، ومنع التهريب عامة والسلاح والذخيرة على وجه الخصوص، وكذلك منـع تسلل الأفراد والقبض على المشبوهين واكتشاف الأنفاق، وكل ما من شأنه تأمين الحدود علـى الوجه الذي كانت تقوم به إسرائيل، قبل انسحابها من سيناء.
يخضع هذ الاتفاق لبنود اتفاقية المعابر الإسرائيلية الفلسطينية، وهو ما يعنى فـي أحد تطبيقاته أنه إذا أغلقت إسرائيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني فإنه يتوجب على مصـر أن تغلقه من عندها.
إرادة الاحتلال واجبة!
ليست الاتفاقيات هي الدليل الوحيد على عدم سيادة مصر على حدودها مع فلسطين، وأن السلطات المصرية مجرد جهات تنفيذية لإرادة الاحتلال تجاه الفلسطينيين على المعبر، فقد نفذ الكيان الصهيوني عمليات عسكرية على أرض سيناء، سواء بموافقة السلطة المصرية أو جهلها، ففي عام 2015 نشر تقرير عن مجزرة غامضة بسيناء واتهامات للموساد، راح ضحيتها 12 مواطنًا مصريًا، وأُصيبَ 15 آخرون، نُقِلوا لعدة مستشفيات حكومية، وفي عام 2018 نشر تقرير عن الغارات الجوية الإسرائيلية في سيناء، حيث تحدث التقرير عن حملة جوية إسرائيلية سرية في سيناء، شملت أكثر من 100 غارة داخل الأراضي المصرية، أحيانا أكثر من غارة واحدة في الأسبوع، وكل ذلك بموافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
الاستقلال الكاذب
يدعي البعض أن الاغلاق المصري لمعبر رفح هو موقف مستقل، ينطلق من اعتبارات الأمن القومي والمصالح المصرية والسيادة الوطنية، وهو أمر عار من الصحة وساذج في أحسن الأحوال، فمشاركة الإدارة المصرية في الحصار المفروض على غزة منذ عدة سنوات ليس جديدًا على ذلك النظام الديكتاتوري، فعلى مدار سنوات، ومنذ وصول الجنرال السيسي الى السلطة هدم النظام المصري الأنفاق الحدودية، وبنى حواجز خرسانية بطول الحدود مع القطاع، مما جعله شريكا للكيان الصهيوني في حصار غزة، وقطع سبل إمداد المقاومة بشكل مباشر.
كل ذلك وأكثر يؤكد على أن هذه السيادة المزعومة لا تعدو كونها وهمًا يُستخدَم فقط عند البطش بالمصريين وقمعهم أو تهجير أهالي رفح والشيخ زويد لسنوات طوال، بحجة محاربة الإرهاب، ثم قمعهم بالقوة عند مطالبتهم بالعودة لأراضيهم، بعد انتهاء الحرب المزعومة وتكرار الوعود الرئاسية بذلك، ولا تستدعى هذه السيادة إلا عند عقد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وبيع جزيرتي تيران وصنافير للأخيرة بعد قمع وحبس المعارضين لعملية البيع، ولا يمارس النظام سيادته إلا على المصريين فيعتقل المتظاهرين لدعم المقاومة في غزة ويلغي الصلاة في المساجد التي يتجمع فيها المصريين الداعمين للقضية الفلسطينية كل جمعة.