بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

بين مطرقة نظام قاتل وسندان معارضة انتهازية.. أين مستقبل الثورة المصرية؟

  لحظات متوهجة تمر عبر الزمن… تخطف شيئا منك إلى زمن آخر

تظل أنت تحاول اجتياز الأزمان باحثا عما فقدت ومعك أفكار طائشة

وبقايا إرادة وبعض أمل… فيظل الزمن عصيا وتظل تبحث وتبحث

فلا الأفكار نضجت ولا الإرادة اكتملت ولا حتى الأمل فنى

فهل رأيت سيدي أملا يصبح مأساة صاحبه ؟

 حتى لا يتحول أملنا في نجاح الثورة إلى مأساة حقيقية نعيشها جميعا ونحن لا نملك سوى الأمل والتفاؤل غير المبني على أسس واقعية يجب أن نبذل المزيد من الجهد الذهني والبدني حتى نصنع الواقع الذي حلمنا به ونصل للزمن الذي نلتقي فيه حلمنا الذي حلمناه جميعا منذ عامين وإن سبقتنا قلة حالمة للحلم به منذ أعوام عديدة، ولنتذكر أن الثمانية عشر يوما في ميدان التحرير التي أزحنا بها مبارك لم ولن تكون المصباح السحري الذي يحقق جميع مطالبنا ولنتذكر البداية:

بعد ليل حالك السواد عانت مصر ويلاته تحت حكم مبارك والعسكر جاءت ثورة ينايرلتعطي أملا في فجر جديد لشعب جريح، أملا أن الغد يمكن أن يصبغ بألوان أخرى غير التي صبغت الماضي والحاضر، ألوان كنا نظنها زاهية ولم لا والثورة كان يظنها أغلبنا قد انتصرت بزوال مبارك من سدة الحكم.

لكن المجلس العسكري خليفة أمير المفسدين ظل على عهد الظلم للشعب الذي قطعه مبارك على نفسه وكان سببا في هلاكه، فأخذت الألوان الزاهية تبهت شيئا فشيئا والسواد يطغى على الصورة ممتزجا بالدماء من جديد وحتمية استمرار النضال الثوري أخذت تفرض نفسها رويدا رويدا بعد أن تأكد الجميع أن الثورة لم تحقق مرادها ويجب أن تستمر، وطوال فترة حكم المجلس العسكري انقسمت الفعاليات الثورية إلى 3 أقسام رئيسية :

الفعالية الأولى كانت ما بين لاستكمال مطالب الثورة ومن ضمنها تطهير مؤسسات الدولة والداخلية وإقالة النائب العام والمحافظين وتحقيق العدالة الاجتماعية ونيل المواطنين والموظفين والعمال لحقوقهم المسلوبة منهم من قبل الدولة منذ سنوات طويلة.

الفعالية الثانية للتأكيد على مطلب القصاص من قتلة الشهداء ورموز النظام السابق .

الفعالية الثالثة لإسقاط حكم العسكر بعد أن ملأ الخوف صدور الثوار من عدم رغبة المجلس العسكري في تسليم السلطة لرئيس مدني من خلال انتخابات رئاسية خاصة أن المجلس العسكري قد وعد أن الفترة الانتقالية لن تتجاوز 6 أشهر فإذا بموعد الانتخابات الرئاسية لم يتحدد سوى بعد موقعة محمد محمود وهي التي كانت بعد 10أشهر من بداية الثورة لتحدد الانتخابات الرئاسية بعد عام ونصف على بداية الثورة.

 بعد انتخابات الرئاسة التي جاءت بمحمد مرسي رئيسا ليكون خليفة المجلس العسكري على نفس دولة الظلم تغيرت المعادلة السابقة قليلا، فالمجلس العسكري كان فاقدا للشرعية منذ أول يوم ووجوده لإدارة شئون البلاد كان معروفا أنه مؤقت والمجلس العسكري نفسه كان معترفا بأنه جاء بشل اضطراري ولفترة مؤقتة لإدارة البلاد حتى يتسلمها رئيس منتخب، لذا فعندما طالت المدة الانتقالية بسبب مماطلة المجلس العسكري في تسليم السلطة أصبح الصدام الثوري مع المجلس العسكري واجبا على مطلب سياسي واضح وهو سرعة تسليم السلطة لرئيس منتخب أو مجلس رئاسي مدني، أما الوضع مع محمد مرسي فقد اختلف قليلا، فهو رئيس منتخب من قبل الشعب في انتخابات تبدو نزيهة وهو ما أعطاه شرعية في بداية حكمه سرعان ما سقطت مع قتل المتظاهرين السلميين في الأحداث التي تلت الإعلان الدستوري غير الشرعي الذي اعتدى فيه على السلطة القضائية وسلطة الشعب المتمثلة في أحقيته في إقرار أي تشريع دستوري وهو ما أفقده الكثير من الشرعية وقتها أيضا، فالشرعية التي تأتي بالانتخابات يمكن أيضا أن تسقط بأفعال الرئيس المنتخب وليس بالصناديق فقط كما يتشدق أولئك الذين يعبدون صنم الديمقراطية الشكلية الموجودة حاليا.

 خلال أزمة الإعلان الدستوري تشكلت جبهة الإنقاذ من بعض قادة المعارضة والنخب التي زعمت أنها تمثل الثوار، ولكن الأيام أثبتت أنها أقل من أن تمثل حتى نفسها بما بها من أشخاص محسوبون على النظام السابق وبما تقدمه من تصورات وحلول لا تتوافق مع مطالب الثورة الأساسية، حيث لم تتعدى هذه الجبهة كونها طرف آخر يتنازع مع الإخوان على السلطة ولا تمثل بديلا جذريا للنظام لتحقيق مطالب الثورة، وقد تأكد هذا خلال الأيام الأخيرة سواء بتحالفها مع حزب النور السلفي، أو بمواءماتها مع النظام الحالي والعسكر بما يتعارض مع مطالب الجماهير في الميادين ، لذا فقد فقدت ثقة الجماهير فيها تماما ولم يصبح هناك الآن من حل سوى البديل الثوري الجماهيري البعيد عن النخب والعواجيز الذين لم يملوا من خذلان الجماهير مرارا وتكرارا.

يجب علينا جميعا أن ندرك في هذه اللحظة الفارقة أن الثورة العفوية من جمهور غير منظم نجاحها يتمثل في الحصول على بعض الحريات السياسية والنقابية كما حدث في الثورة المصرية حتى الآن، وهي الحريات التي يجب ان تستغل في صنع البديل الثوري الحقيقي من خلال تنظيم الجماهير الذين يزداد وعيهم أثناء الثورة بطبيعة الصراع وخصومهم الحقيقيين حتى يصلوا لمرحة تنظيم ووعي يمكنوهم من القيام بثورة لتحقيق مطالب أكثر تحديدا مثل العدالة الاجتماعية ببرنامج واضح، فالثورة لنتحقق مطالب العدالة الاجتماعية سوى بامتلاكها قوى جماهيرية منظمة وواعية قادرة على انتزاعها، وربما الاستغراق في الفعل الثوري غير المنظم بدلا من خوض معرك التنظيم نفسها قد يكون سببا في تراجع شعبية الثورة بين المواطنين؛ فالثورة التي لم تعطي أي مكاسب للمواطنين ولم يطرأ أي تحسن فعلي في حياتهم منها تبدأ في الانعزال تدريجيا وربما تخسر الثورة بعض المكاسب التي حققتها المتمثلة في الحريات تحت ذريعة العنف الذي يتم لصقه بالثوار تكرارا رغم أنه من أفاعيل النظام وتروج ضده آلته الإعلامية الهائلة، وعندما لا يرى المواطنون من الثورة سوى العنف في معارك يتم جر الثوار إليها تباعا دون أن يروا تصورا آخر لاستمرارها ولا يكون أمامهم مشروع حقيقي يجعلهم مستعدين لانتزاع السلطة بالثورة فلا يلومهم أحد عندما يكفرون بالثورة؛ فمن يرى أن الثورة هي “خناقة” بين الداخلية بغازها وخرطوشها ورصاصها الحي وسجونها والثوار العزل الذين لا يملكون سوى الحجارة طبيعي أن يرى أن هذا العبث لن يؤدي إلى شيء مالم يتمثل أمامه بديل آخر مقنع ومسار يمكن تتخذه الثورة لتنجح .

على الجانب الآخر فغياب المظاهرات سوف يهبط بسقف الحريات تدريجيا ويعود بدولة القمع مع سكون الشارع السياسي، وانجرار المظاهرات للعنف في ظل عدم وجود البديل الثوري المنظم القادرعلى انتزاع السلطة سوف يؤدي للعزلة والهبوط بسقف الحريات أيضا، وتركيز المظاهرات على المطالب السياسية البعيدة عن المطالب المباشرة للجماهير أو التي لا يستوعبون أنها تشكل ظروفهم المعيشية تعزل الثورة أكثر وأكثر.

إن الإنتباه لضرورة أن تركز المظاهرات والمسيرات على مطالب تربطها بالقاعدة الواسعة للجماهير كمطالب العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين الاقتصادية العامة مثل إقرار وتطبيق الحد الأقصى والحد الأدنى للدخول بشكل فعلي وإعادة توزيع ميزانية الدولة على الهيئات والوزارات بحيث يتم كسر هيمنة الأجهزة الأمنية وأجهزة سلطة الدولة على الميزانية وأن تكون الأولوية للوزارات الخدمية مثل وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والمرافق العامة والإسكان وغيرها من الوزارات التي تخدم المواطن وليس النظام الحاكم.

يجب أن تؤكد المظاهرات أيضا على الحريات السياسية والنقابية التي تسمح بتنظيم الصفوف لتحقيق المطالب الاجتماعيةوالاقتصادية و يجب أن تحتفظ كل المظاهرات بالطابع السلمي وعدم إعطاء الفرصة للإنجرار لمعارك فرعية خاسرة في كل الأحوال، تظاهرات العدالة الاجتماعية تنبع أهميتها من أنها تخلق مناخا عاما يكون هدفه تحقيقها ويرسخ الفكرة في أذهان الجماهير في كل المستويات ويكون دافعا لتنظيمهم من أسفل لتحقيقها، مع التأكيدعليها من خلال الرايات الثورية على المستوى السياسي وهو ما يعطي للجماهير الدعم وبالتالي الثقة في أن مطالبهم عادلة وهناك من يتضامن معها ويشتبك فيمعاركهم من أجلها ويشاركهم همومهم البسيطة مما يساعد في التوحد في مشروع سياسي.

 إن استخدام الثوار لأساليب العمل الإجتماعي مع تغير نظرتهم قليلا للخدمات البسيطة التي يمكن أن يقدموها للمواطنين ، فبعض الحلول هي إصلاحية ظاهريا ولكن تكمن فيها قوة ثورية داخلية لو تم تنفيذها بشكل صحيح، مثل بعض الخدمات المباشرة التي يمكن أن يقدمها الثوار للجماهير التي تجعلهم ينجذبون للثورة والثوار وتجعلهم ينظمون أنفسهم من خلالها، نحن لا نطلب هنا من الثوار أن يوزعوا زيت وسكر على المواطنين، ولكن أن يشجعوهم بأفكار تجعلهم يشكلون كيانات في الأحياء والقرى تشتري الزيت والسكر والخضراوات والفاكهه وكل ما يحتاجه المواطن وتقدمه بسعر الجملة لهم، كيانات تشبه التعاونيات يشكلها ويشرف عليها القائمون في كل حي وتصنع بديلا شعبيا منظما يخفف عن المواطنين ويعطيهم الثقة في أنفسهم وفي الثورة، كذلك لا نطلب من الثوار أن يقوموا بقوافل طبية تقليدية كالتي ننتقدها، ولكن يمكن أن يقوموا بقوافل طبية يساعد في تنظيمها أهل الأحياء والقرى أو يقوم المنظمون بتوزيع بيانات حول حق المواطنين في الصحة من الدولة وأن هذه مسئولية الدولة ويجب على المواطنين تنظيم أنفسهم للنضال من أجل الحصول على هذا الحق من الدولة حتى تكون هذه القافلة هي الأخيرة ويكون الأساس هو مسئولية الدولة عن الصحة فهي حق أصيل وليس مطلب.

 يجب دائما أن تكون معركتنا هي كسب الجماهير في صف الثورة، وما أكثر المعارك الاجتماعية البسيطة واضحة المعالم والخصوم التي يمكن كسب الجماهير فيها قبل خوض معارك سياسية أكبر وأوسع، ولكن الأهم هو تنظيم الصفوف وبناء كيانات قاعدية في كل أماكن النضال واضحة المعالم والبنيان على أسس اجتماعية أو مهنية في البداية وهي الأسس التي تعطي الشعب الثقة في نفسه تدريجيا قبل أن تطلب منه الثقة في مشروع سياسي يتشكك حوله بسبب التشويه الإعلامي للثورة والثوار؛ هكذا يمكن أن تستمر الثورة حتى تنتصر.