بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اضطهاد الأقباط بين مطرقة الدولة وسندان الطائفية

لم يكن حادث اطلاق النار على الأقباط ومصرع 6 منهم فى ليله العيد فى نجع حمادي إلا الحلقه الأحدث في سلسله حوادث الاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها من حين لأخر بدءا من أحداث الزاويه الحمراء يونيو 1981 مرورا بالهجمات المتكررة على ممتلكات ومنازل وأرواح الأقباط في التسعينيات وانتهاء بأحداث الكشح ومها والإسكندرية في الألفية الجديدة.

لا تشكل هذه الاعتداءات السافرة إلا القمة الظاهرة على السطح من جبل التمييز والعنف والاضطهاد الذي يلاقيه الأقباط في مصر. هذا التمييز وان كان ليس جديدا على المجتمع المصري في العصر الحديث الا انه قد أخذ فى التصاعد فى الـ30 عاما الأخيره بشكل أكثر حده و توترا, وهنا لا يجب أغفال دور التردى الشديد فى الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الأخيرة وتخلى الدولة عن مسئولياتها في لعب الدور الأكبر لانتشار العصبيه الدينيه والتشدد وتعريف المواطن تبعا لهويته الدينيه أولا خاصة في ظل احتياج شديد من غالبية الشعب المصري مسلم ومسيحي للدعم من المؤسسات الدينيه سواء لتلبيه احتياجاته المادية التي تخلت الدولة عن توفيرها أو احتياجات روحيه ومعنوية هو في أشد الاحتياج لها في وقت تزايدت فيها الأعباء والأسعار وضغوط العمل مما أدى لاغترابه في هذا العالم المادي الذي “لا قلب له”.

وكالمعتاد تعامل النظام بعقليته الأمنيه المعهوده وحاول تصوير الحادث على انه عمل فردى غير طائفي” قام به 3 متهمين من ذوى السجل الأجرامى الساعين إلى الثأر من أجل أسباب شخصيه تتعلق بالشرف.

أيضا هبت رموز الدين الإسلامي للدفاع عن سماحته وتبرؤه من هؤلاء الجناه بدون أى تفحص حقيقى أو نقد للخطاب الدينى السائد الأن فى الفضائيات وفى الجوامع والمدارس والذي يكرس للطائفية ونبذ الآخر. أما الكنيسة كعادتها تبنت نفس الموقف الرجعى الداعم للنظام ورفعت شعارات الأخوة والتسامح ووحده النسيج الوطني في وجه الاعتداءات وعمليات القتل والتنكيل والاضطهاد على يد وتحت رعاية نفس النظام الذي تتحالف معه.

الجديد في الموضوع هذه المرة هو كيفيه تعامل غالبيه الأقباط مع الحادث وخاصة الشباب فعلى عكس المعتاد كان هناك منذ البدايه حالة من السخط والتنديد بالحادث ورفض لتمييع طبيعته الطائفيه واتسع نطاق الرفض لكل أشكال التمييز والاضطهاد في ثنايا المجتمع المصرى. كانت بوادر الاحتجاج في الأوساط القبطية قد بدأت فى الظهور منذ أعوام قليله وظهرت بشكل واضح فى أحداث الإسكندرية الطائفية عندما تظاهر مئات الشباب بالكنائس. يزيد هذه المره نزول الاحتجاجات إلى الشارع وظهور شعارات منددة بالنظام (يا حاكمنا بالحديد.. قتلوا ولادنا في ليلة العيد) وتجاهله لمعاناة الأقباط، كما ظهرت مطالبات بإقالة وزير الداخلية لتقاعسه وتم إنشاء العديد من حملات التضامن على الإنترنت وتم ترتيب إرسال العديد من رسائل الاحتجاج إلى النظام المصري. هذا غير المظاهرات العديده التى أنتشرت أمام السفارات المصريه فى كندا وأمريكا وألمانيا والسويد وغيرها من التظاهرات التى نظمها أقباط المهجر.

بجانب دور هذه الضغوط من أسفل فى إجبار الكنيسة على أخذ مواقف أكثر تشددا – ولو ظاهريا – تجاه النظام، إلا أن الأهم هو دورها في فتح باب النقاش من جديد فى أوساط النخب والمثقفين وفي الفضائيات وعلى الصحف والانترنت، وبالذات اليسار والنشطاء حول المسألة القبطية ومفاهيم كالمواطنة والطائفية والتمييز العنصري، إلى جانب الحديث عن النظام وأزمته وكباش فداءه التي يستخدمها طيلة الوقت للتغطية على جرائمه.

فالأقباط قد بدأوا في التحرك، صحيح أن الاضطهاد الواقع عليهم يدفعهم للتمرد والاحتجاج للحصول على مطالبهم الا ان هذا لن يدفعهم بالضرورة لمواجهه النظام وتحديه بشكل مباشر، فهناك دوما خطر الاستقواء بأقباط المهجر والحلول المقترحة تحت غطاء إمبريالي أو الرجوع الى حالة العزلة والارتماء في أحضان مؤسسة الكنيسة الرجعية من جديد. وفي ظل الرؤية الاشتراكية الجذرية لمشكلة الأقليات، فإن تلك المشكلة لا يمكن أن تحل نهائيا بالصيغ القانونية التي تساوي بين المواطنين، أو بالضغوط الخارجية أو الداخلية لزيادة المساحة المتاحة للأقلية. بل أن السبيل الوحيد الحقيقي لحل مشكلات الأقليات هو النضال ضد أسباب الاضطهاد نفسها، ضد استخدام جرثومة الفتنة ليفعل النظام ما يحلو له ولينتزع مبررا قويا لمزيد من قمع الحركات المعارضة لسياساته وتكميم الأفواه ونشر بذور الفرقة بين ناس مصالحهم واحدة وعدوهم واحد وواضح أيضا.

وبالنظر لمحوريه هذه القضيه في المجتمع المصري وعلاقتها بكل ما يحدث أمامنا من سياسات استغلال وقهر وقمع وتنكيل، لا يمكن لقوى اليسار أن تكتفي بمظاهرات رمزية، تعلن فيها تأكيدها على الشعار الذي أصبح مبتذلا للغاية “وحدة الهلال مع الصليب”، وتعلن فيها أن الدين لله والوطن للجميع، ولا يكفي اليسار الأن ان يشجب أو يكتفي بإلقاء اللوم على النظام، فتكرار تلك المواقف في مثل هذه الحالات لا يخدم في الحقيقة من يمارس عليهم الاضطهاد أكثر من كونه تكريسا للأوضاع واعترافا ضمنيا بأن المشكلة لا طريق لحلها سوى بمطالبة الدولة في أن تلعب دورها في حماية رعاياها، أي مزيد من التواجد الأمني بما يعني مزيد من القمع والطوارئ.

صحيح أن القضاء على المجتمع الرأسمالي القائم على الاستغلال، وإقامة نظام بديل هو الطريق الحقيقي لإنهاء كافة أشكال التمييز والاضطهاد، إلا أن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها أو أنه يجب علينا انتظار لحظة الثورة حتى نحل كل المشكلات الناجمة عن المجتمع الطبقي. فتحسين أوضاع الأقباط لا يمكنه أن يأتي إلا عبر انتزاع الحقوق في المساواة، ولأن سماء الدولة لن تمطر ما نتمناه فلا يمكننا رؤية تحقيق ذلك إلا بالتضافر بين الفقراء مسلمين ومسيحيين في مواجهة التعسف والاضطهاد اللذان يتعرضا لهما على حد سواء.

بالضبط هذه هي مهمة اليسار المناضل. لقد أصبحت هناك حاجة ملحة إلى جعل قضية الأقباط واحدة من الأولويات الأساسية الواجب طرحها فالفرصة سانحة لأن يلعب اليسار دورا في جذب فقراء الأقباط الباحثيين عن المساواة ونبذ الطائفية والعنصرية إلى النضال تحت راية التحرر الشامل من كل أشكال الاضطهاد والاستغلال.