دعاوى الإصلاح المضللة
منذ اللحظات الأولى للثورة المصرية، وعقب نجاح الثوار في إسقاط الديكتاتور مبارك، وهناك رؤيتان يتصارع الشارع السياسي المصري بينهما: إصلاح تدريجي أم ثورة فورية شاملة وجذرية تمحو آثار العفن المتراكم منذ ثلاثين عاماً.
ويروج أصحاب دعاوى الاصلاح إلى أن الثورة في حاجة الآن إلى مرحلة انتقالية يتم فيها تداول سلمي للسلطة، بحيث ننتقل من القهر إلى الحرية ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية؛ من حكم الفرد إلى حكم الشعب. وإلى هنا تبدو هذه المطالب ثورية وشعبية وعادلة ولكن يصاحب تلك المطالب شرطاً، آلا وهو الاستقرار. فيرى هذا المعسكر الداعي “للإصلاح التدريجي” أن الثورة الآن في حاجة ضرورية للاستقرار كما كانت الحركة الجماهيرية والعمالية الصاخبة ضرورة، فقط في مراحلها الأولى.
وتحت الدعوى للاستقرار بدأت الدعاية المضللة الواصفة للمطالب الاجتماعية بأنها دعوة للتخريب وللإضرار بمصالح البلاد الاقتصادية، وبأنها مطالب “فئوية” تتسم بالفردية والأنانية من قطاعات متفرقة من العمال، متجاهلين عن عمد حقيقة أن هذه المطالب هي مطالب عموم الشعب المصري الذي انتظر طويلاً ولم يعد من المقبول أن يطالبه أياً من كان بالمزيد من الانتظار.
والحقيقة إن دعاوى الانتظار والاستقرار تلك لا تخدم إلا فلول النظام السابق وتحمي رجال الأعمال وأصحاب الثروات ولن تكون بأية حال من الأحوال في صالح العمال والكادحين، وظهر هذا واضحاً في حكومة “شرف” تلك الحكومة التي رُوّج لها على أنها شعبية استمدت شرعيتها من الميدان، وحرص شرف على أن يكون أغلب وزرائه من الوجوه الجديدة الغير معروفة جماهيرياً – تدعيماً لخرافة التغيير- إلا أنها لا تزال تدير شئون البلاد بنفس الأسلوب المتبع في عهد الطاغية المخلوع؛ فتظهر ولاءاً -وإن كان خفي وغير معلن- لرجال الأعمال والرأسمالية. في نفس الوقت الذي تظهر فيه، وبشكل علني سافر، عدائها للطبقة العاملة وصفوف الكادحين.
ولقد تجلى هذا بوضوح في المرسوم الذي وافقت عليه حكومة شرف والذي يقضي بتجريم الإضرابات والاعتصامات العمالية وتهديد القائمين عليها بالسجن والغرامة المالية، ثم تفضلت الحكومة وأوضحت بأنها تسمح بالإضرابات في غير أوقات العمل الرسمية وبحيث لا توقف أو تضر بعملية الانتاج (!!).
لا يمكن ان نصف تلك التفسيرات الحكومية للقانون الجديد إلا باستخفاف حكومة شرف بعقولنا قبل مطالبنا. وبذلك، فهي تثبت أنها شريك لأعداء الثورة من النظام السابق ومساندة لهم في محاولات إخماد الثورة واختطاف النصر من الشعب، وأن دعوى الاستقرار تلك ما هي إلا فرصة تمكنهم من التقاط الأنفاس وترتيب الصفوف للعمل مرة أخرى للعمل فوق الأرض وتحتها.
يبدو أنه جاء دورنا الآن لكي نفسر لحكومة شرف ولكل دعاة الاستقرار والإصلاح، أن الثورة المصرية لم تقم من أجل إسقاط مبارك فقط، بل من أجل إسقاط النظام بالكامل، لكي نتمكن من تحقيق تغيير ديمقراطي حقيقي وجذري، والحقيقة أن دعاويكم الإصلاحية تبدو هزيلة وغير كافية في مقابل غنى الثورة وما تقدمه من نضالات جذرية، بل إن الاستمرار في الثورة هو السبيل الوحيد والفرصة الوحيدة الضامنة والقادرة على تحقيق مطالبنا الاجتماعية.