بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

بعد سقوط تيار استقلال القضاء في الانتخابات:

هل تحتاج “حركة التغيير” إلى تغيير؟

نخطئ كثيرا حين نخلط بين «حركة التغيير» التي تصاعدت في 2005-2006 و«عملية التغيير» بمعناها الأوسع. فالحقيقة أن «حركة التغيير/ 2005» كانت فقط واحدة من المحاولات (المهمة والمؤثرة لا شك) لإحداث تغيير سياسي في مصر، لكنها بالقطع لا تعتبر الطريقة الوحيدة، بل لا تعتبر الطريقة الصحيحة، لإحداث تغيير حقيقي في مصلحة أغلبية الكادحين في مصر.

ولتفصيل ذلك نقول أن المجتمع، أي مجتمع، عندما تعصف به الأزمات، وتثبت الطريقة التي يدار بها فشلها، وينعكس ذلك في تذمر واسع النطاق؛ عندما يصل المجتمع إلى تلك المرحلة فإنه يصبح مؤهلا لخوض غمار عملية تغيير.

لكن كون المجتمع «مؤهلا» للتغيير لا يعني أن التغيير سيحدث بالفعل! فلا شيء يحدث تلقائيا: «التاريخ لا يفعل شيئا، البشر الحقيقيون هم الذين يفعلون كل شيء»، كما يقول فريدريك إنجلز. من هنا فحدوث تغيير حقيقي على أرض الواقع يعتمد على وجود «قوة ما» تسعى إلى تحقيقه.

طبقة اجتماعية أم قوة سياسية

وقد أثبتت تجارب كثيرة أن هذه الـ»قوة» التي نتحدث عنها ليس بالضرورة أن تكون، على الأقل في المراحل الأولى، طبقة من الطبقات الكادحة الرئيسية في المجتمع – الطبقة العاملة أو الفلاحون – وإنما من الممكن أن تكون فئة اجتماعية أقل وزنا، لكنها تتمتع بدرجة من الحساسية وسهولة الحركة تسمح لها بإطلاق إشارات عملية التغيير.

يصدق هذا بالذات على المجتمعات الديكتاتورية التي تعصف فيها السلطات الشمولية بكل الحريات، ومن ضمنها حرية التنظيم التي تسمح للطبقات الكادحة الرئيسية بالتنظيم واكتساب الوعي. في هذه الحالة تكون الطبقات الخاضعة في وضع مفتت وغير مؤهل، مرحليا، لقيادة عملية التغيير.

هنا، وكتعويض عن الغياب (المؤقت) لتلك الطبقات، قد تحتل حركات مكونة من الفئات المثقفة والمسيسة من أبناء الطبقة الوسطى مقدمة المشهد، أو ربما يلعب الطلاب هذا الدور. المهم أن نداء التغيير الاجتماعي يترجم نفسه في حركة قوى اجتماعية/سياسية لديها إمكانيات التحرك السياسي المؤدي إلى إيقاظ المجتمع وتوجيه الأنظار صوب قضية التغيير، ولكن ليس لديها الوزن الاجتماعي القادر على إحداث تغيير حقيقي!

هذا التناقض بين «الصوت السياسي العالي» و»الوزن الاجتماعي الخفيف» هو في الحقيقة مصدر أزمة حركة التغيير الديمقراطي التي ملأت مصر صخبا في 2005 و2006. ولكن هذا ليس كل ما في الأمر. فالمسألة لا تقتصر على «القدرة على» إحداث تغيير، وهو ما كانت تفتقر إليه بالفعل حركات التغيير المصرية، وإنما تتعداها إلى «نوع وطبيعة» التغيير الذي سعت إليه تلك القوى من أمثلة كفاية وغيرها.

حركة القضاة نموذجا

ولأن هذه القوى ليست مرتبطة عضويا بالطبقات الكادحة الرئيسية في المجتمع، ولأن بعضها (مثل حركة القضاة) ينتمي إلى شرائح عليا من الطبقة الوسطى المندمجة داخل جهاز الدولة، فإن مشروعها للتغيير كان محدودا ونخبويا ومقتصرا على الشكل السياسي دون المضمون الاجتماعي.

من هنا رأينا تردد بعض تلك الحركات إزاء صعود حركة النضالات العمالية والاجتماعية، ورأينا كذلك تصميم بعضها الآخر على طرح مشروع تغيير يعتمد على التعاون مع أجنحة من الطبقة الحاكمة أو جهاز الدولة أو حتى نظام الحكم!

المشكلة ظهرت في أوضح صورة مع احتلال الحركة الاجتماعية مقدمة المشهد في 2007. فصعود هذه الحركة لم يعط عمقا لحركة التغيير الديمقراطي. على العكس، انكمشت تلك الأخيرة وبانت قزميتها إزاء حيوية الحركة الاجتماعية، وكأن صعود القوى الاجتماعية الرئيسية كان خصما من قوى التغيير السياسي!

لكن هنا نعود إلى ما بدأنا منه. فـ«حركات التغيير الديمقراطي» تعتبر إحدى صور، وإحدى مراحل، عملية التغيير في مصر. واختزال «التغيير» و»قوى التغيير» في تلك الحركات يعد خطأ في الرؤية وفي إدراك التطورات الواقعية التي نعيشها.

تغيير برنامج أم تغيير جلد؟

ما نشهده اليوم ليس موت مطالب التغيير أو حركة التغيير بمعناها الواسع، بل تغييرها لجلدها من حركة فئات اجتماعية/سياسية تعيش على سطح المجتمع ولا ترتبط عضويا بطبقاته الكادحة الرئيسية، إلى حركة قوى اجتماعية رئيسية تمزج – بدون أي تنظير سياسي مسبق – بين مطالبها الحياتية المباشرة (رغيف العيش)، وبين المطالب الأشمل ذات الدلالات السياسية.

المشكلة التي يراها البعض في الحركة العمالية والاجتماعية – نقصد مشكلة عدم التنظيم أو الاتحاد أو التسييس – مشكلة حقيقية. ولكن من الخطأ اعتبارها من طبائع الأمور. فالحركة العمالية، كأي كائن حي، تنمو وتتطور. ومن التعسف أن نطلب منها أن تولد ناضجة في ظل ديكتاتورية جاثمة. ما يمكن قوله هو أن هناك إمكانية واقعية، تثبتها مظاهر لا تخطؤها العين، لأن تدفع التجارب النضالية المبهرة التي تخوضها تلك الحركة الطبقة العاملة إلى بلورة أشكال نضالية منظمة واعية لها مشاريع جذرية للتغيير.

لكن هذا يتطلب، طبعا، وجود حركات سياسية آلت على نفسها أن تنغمس في الحركة الجماهيرية وتنطلق منها ساعية إلى إحداث تغيير جذري بيد الجماهير ولمصلحتها. وهنا يرجع السؤال إلى قوى وحركات التغيير، والقوى السياسية المعارضة عامة. فأي منها سوف ينجح في الاختبار وينتمي إلى صفوف الكادحين وينغمس في حركتهم؟ وأي منها سيخون الحركة، أو يتذبذب إزائها، ويظل محلقا في فضاء مشروع شكلي للتغيير المحدود على سطح المجتمع السياسي؟