بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

هل يتوقف قطار العنف الطائفي عند نجع حمادي؟

خيم الحزن على قلوب الأقباط في مصر هذا العام في يوم عيد الميلاد المجيد، بعد حادث الاعتداء على عدد من المسيحيين، أمام مطرانية نجع حمادي، في محافظة قنا، بعد خروجهم من قداس العيد، مساء يوم 6 يناير، هذا الاعتداء الآثم الذي أسفر عن مقتل سبعة مسيحيين، ومجند مسلم كان متواجد في نفس المكان، ووفقا لشهود عيان قام ثلاثة أشخاص بإطلاق النار من سيارة ملاكي. وأثناء تشيع الجنازات حدثت مصادمات بين المسلمين والمسيحيين. وكالعادة سارعت وزارة الداخلية إلى إصدار بيان يزيد الوضع توتراً، حيث ربط البيان بين تلك الجريمة، وجريمة اغتصاب طفلة مسلمة اتهم فيها شخص مسيحي، كأنه نوع من التبرير للجناة.

هذا الحادث المروع، الذي حول أفراح المسيحيين في مصر بعيد الميلاد إلى مآتم، يجب أن نفهمه باعتباره جزءا من سلسلة طويلة من حوادث العنف الموجهة ضد الأقباط في مصر، منذ حادث الخانكة 1972، مروراً بأحداث الزاوية الحمراء 1981، ثم الكشح 1998، والكشح 2000، التي قتل فيها 22 مواطناً منهم 21 مسيحيا.

بينما بلغت أحداث العنف الطائفي ذروتها خلال الثلاث أعوام الماضية، بشكل خاص، ففي عام 2007 شهدنا حوادث طائفية في العياط بالجيزة، و في سمالوط بالمنيا، وفي إسنا بمحفظة قنا، وفي عام 2008 قام ثلاث من البدو بخطف 3 رهبان من دير أبو فانا، كما شهدت نفس العام مصادمات طائفية في قرية النزلة بمحافظة الفيوم. أما عام 2009 ففاق عدد المصادمات الطائفية أكثر من 14 حادث.

هكذا يمكن أن نلاحظ أنه خلال تلك الفترة، التي تزايدت فيها المصادمات الطائفية، شهدت مصر تزايد في حدة الصراع الاجتماعي، الذي عبر عن نفسه في تصاعد لحركات الاحتجاج الاجتماعي على سوء الخدمات، وعلى حوادث المرور على الطرق السريعة، وعلى هجوم الدولة على سكان العشوائيات، وترافق أيضاً مع زيادة في حركة إضرابات واعتصامات العمالية، بشكل غير مسبوق منذ أربعينيات القرن الماضي.

هذا التزامن يشير إلى ترابط ما يجمع بين الظاهرتين، الواضح أن حركات الاحتجاج، والحركات العمالية كانت مواجهة أساساً ضد سياسات النظام، الذي تبنى سياسات الليبرالية الجديدة، حيث خصخصة القطاعات الإنتاجية المملوكة للدولة، وتخلى الدولة عن دورها في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها، وتخليها عن توفير فرص عمل، وانحياز الدولة الواضح لرجال الأعمال. هذه السياسات التي جاءت بنتائج كارثية على مجموع الفقراء في مصر، ولهذا تفجرت حركات الاحتجاج وزادت وتيرة التحركات العمالية.

لكن الغضب الاجتماعي يمكن أن يوجه أيضاً في الاتجاه الخاطئ، في تجاه المختلف في الدين، في شكل مصادمات طائفية، لهذا لا يجب أن نرى حوادث العنف الطائفي في مصر، التي بدأت بشكل واضح أيام السادات، بمعزل عن مجمل سياسات النظام الحاكم، الذي تبنى سياسات الانفتاح، والتبعية الكاملة للإرادة الأمريكية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه أطلق العنان للتيارات والجماعات الإسلامية في إطار صراعه السياسي مع اليسار.

تكمن خطورة العنف والمصادمات الطائفية، كما ذكرنا، في أنها قادرة على تحويل الغضب الشعبي ضد سياسات الفقر والإفقار، التي تتبناها الأنظمة، في اتجاه المختلف في الدين، هذا التحويل قادر على تفتيت الحركات الشعبية، حيث لا يمكن توحيد الفقراء في حركة واحدة، قادرة على زعزعة المنظومة الحاكمة، في ظل أجواء الصراع الطائفي بين أتباع الأديان المختلفة، هكذا يخدم الصراع الطائفي الطبقات الحاكمة.

ليس معنى هذا أن السلطة في مصر وراء المصادمات الطائفية بشكل مباشر، لكن الممارسات التي تقوم بها أجهزة الدولة، والحزب الحاكم، وجهاز أمن الدولة، وخاصة فيما يتعلق ببناء أو ترميم الكنائس، أو فيما يتعلق بتغيير بعض المواطنين للديانة، تلعب دورًا واضح في تزايد حدة المصادمات، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى تصريح أسقف نجع حمادي لوكالة الصحافة الفرنسية ، في أعقاب الحادث الأخير، حيث قال أن المتهم في الحادث معروف «وهو مسجل خطر مشهور، وكان يفترض أن يكون موقوفا، ولكن الشرطة تركته حرا، بتحريض من نواب نافذين في الحزب الوطني ا!

لا أمل في توقف حوادث المصادمات الطائفية، ولا في توقف اضطهاد الأقباط في مصر، إلا بنضال المشترك بين الكادحين من أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين معاً في مواجهة النظام الذي يضطهد عموم الفقراء في هذا البلد، وهنا يجب الإشارة إلى التراجع السياسي لليسار، الذي كان من المفترض أن يلعب هذا الدور، وترك الساحة خالية أمام الأفكار الطائفية والعنصرية، لتهيمن وتسود.